مسودة الدستور ومستقبل عراق ما بعد صدام
إذن وبعد لأيٍ ٍ وبعد تمديد ٍ لمهلة الانتهاء من صياغة الدستور أكثر من مرة، تم مساء الأحد تقديم مسودة مشروع الدستور إلى البرلمان. فهل قُضي الأمر الآن؟ على الأغلب لا، فما اصطلح على تسميته بالاتفاق ما هو سوى اتفاق بين الشيعة والأكراد يرفضه السنة ولم يوقعوا عليه، كما قاطعوا جلسة الاحتفال به في البرلمان. وهذا البرلمان لا يحتاج الآن للتصديق على الدستور كما كان مقررا سابقا، وتم ببساطة إقرار إن دمقرطة العراق تسير بالاتجاه السليم وان على الشعب أن يقترع على الدستور في الخامسَ عشر من تشرين الأول أو أكتوبر القادم، ليمهد بذلك الطريق أمام أول انتخابات دستورية في كانون الأول/ ديسمبر القادم.
فهل سيتم ذلك؟ هذا أمر مشكوك فيه، فمعارضة السنة لمسودة الدستور تُظهر إن التوصل إلى حل ٍوسطٍ كان مستحيلا وقد يتعذر الاتفاق مستقبلا أيضا بين الطوائف والاثنيات العراقية. فالسنة يرفضون مسودة الدستور بالدرجة الأولى لأنه ينص على دور ثانوي لهم، اذ يشكلون عشرين بالمائة من سكان العراق لكنهم وحتى الغزو الأمريكي كانوا يحكمون البلاد، في حين كان الشيعة الذين يشكلون نسبة ستين بالمائة والأكراد الذين يشكلون نسبة عشرين بالمائة من السكان، كانوا بدون حقوق سياسية.
وبالنسبة للسنة لا يتعلق الأمر الآن بحقوقهم السياسية كأقلية وإنما بما كان لهم من حقوق سياسية في الماضي، لهذا يعتقدون أنهم ضحية ٌ للتمييز خاصة مع المطالبة باستثناء البعثتين السابقين من الوظائف الحكومية، كما يشعرون بانهم مهددون أكثر من مطلب الشيعة والأكراد بان يكون َ نظام الحكم فيدراليا. فالأكراد سيحتفظون في الشمال بحكمهم الذاتي الواسع وإذا ما فعل الشيعة في الجنوب الشيءَ نفسه فان الدولة ستنهار, كما يقول السنة. طبعا ليس من المحتم أن يحدث ذلك، لكن ما يقلق السنة حقا هو أن الشيعة والأكراد سيسيطرون على منابع النفط في مناطقهم فيخرج السنة ُ صفر اليدين لان منطقة َ الوسط تكاد تخلو من النفط.
لذا وإذا لم يتغير شيء ما وبشكل طاريء فان السنة سيحاولون إفشال الدستور في الخامسَ عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، وهم لديهم القوة الكافية لفعل ذلك، لان القانون ينص على اعتبار مسودة الدستور لاغية إذا رفضتها ثلاث ُ محافظات بأغلبية الثلثين من محافظات العراق الثماني عشر، والسنة يحكمون أربعا من هذه المحافظات ويستطيعون إفشال مسودة الدستور إن أرادوا، الأمر الذي يستلزم مشاركتهم في الاستفتاء ولا إن يقاطعوه كما قاطعوا الانتخابات التي جرت مطلع العام. وبذلك تكون مشاركتهم في دمقرطة العراق من باب خلفي، فأي ُ سَلوى....
تعليق: بيتر فيليب
إعداد: عبد الرحمن عثمان ـ إذاعة دويتشه فيله