هل بدأ عرش أنغيلا ميركل بالاهتزاز؟
٩ فبراير ٢٠١٨تتعرض المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي تتزعم حزبها المحافظ منذ ثمانية عشر عاماً، منها ثلاثة عشر عاماً على رأس الحكومة، لانتقادات لاذعة غير مسبوقة من قبل مسؤولين في الحزب، وذلك بعد أن قدمت "تنازلات مؤلمة" لضمان بقائها على راس الحكومة لولاية رابعة.
جاءت الانتقادات بعد أن اتفق طرفا الائتلاف الحكومي الكبير على أن يحصل الحزب المسيحي الديمقراطي برئاسة ميركل على كل من حقيبة الدفاع والاقتصاد والزراعة والصحة والتعليم، فيما يحصل الحزب الاشتراكي على ستة حقائب وزارية، بينها الوزارات الثلاثة المهمة وهي الخارجية والمالية والعمل والشؤون الاجتماعية.
وحصول الحزب الاشتراكي على هذه الوزارات الهامة، وخاصة وزارة المالية والتي كانت بيد الحزب المسيحي في الولايتين السابقتين لميركل، أثار غضب رفاقها في الحزب، خاصة فئة الاقتصاديين والشباب، حيث اعتبر رئيس المجلس الاقتصادي للحزب فيرنر بالزن أن إعطاء وزارة المالية للحزب الاشتراكي "يلوح بنهاية السياسة القوية لإدارة الميزانية"، كما أكد رئيس اتحاد الشباب في الحزب باول تسيمياك أن قاعدة الحزب من الشباب غير راضية عن الاتفاق.
"سلطة المستشارة تهتز"
واعتبر بعض مسؤولي الحزب أن الاتفاق أثر سلباً على سلطة المستشارة، حيث قال عضو البرلمان الألماني عن الحزب المسيحي الديمقراطي، ميشائيل فون أبركرون، لصحيفة بيلد واسعة الانتشار: "إن سلطة المستشارة لم تهتز داخل الحزب فقط، بل في منصبها كرئيسة للحكومة أيضاً".
ومن النادر سماع انتقادات مباشرة كهذه لزعيمة الحزب من صفوف المحافظين المعروفين باتحادهم خلف زعمائهم.
ووصف الرئيس الأسبق لكتلة الحزب في البرلمان فريدريتش ميرتس ما تم التوصل إليه في الاتفاق بـ"إهانة للحزب" وقال لصحيفة بيلد: "إذا كان الحزب المسيحي الديمقراطي قد قبل بهذا الإذلال، فقد استسلم وتخلى عن مبادئه".
بل أشار آخرون إلى ضرورة تغيير الأشخاص في قيادة الحزب، ومنهم عضو برلمان برلين عن حزب المستشارة كريستيان كريف والذي طالب بـ "تجديد في المضمون وفي الأشخاص ضمن الحزب".
وتوقع وزير الزراعة في ولاية بادن-فورتمبيرغ بيتر هاوك، أن يتم تغيير زعيمة الحزب في المستقبل القريب، وقال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية: "على المستشارة ميركل أن ترى علامات الزمن، وأن تقوم بانتقال في الفترة التشريعية "، مشيراً إلى أنه يرجو أن يحدث هذا الانتقال "بدون آلام" في السنوات الثلاثة المقبلة.
"يجب أن تفكر ميركل بخليفتها"
لكن قد لا تستمر ميركل في منصبها هذه السنوات الثلاثة أيضاً، إذ أن مصيرها السياسي سيتضح أكثر بعد إعلان قرار قاعدة الحزب الاشتراكي على الاتفاق الذي وصل إليه الطرفان حول الائتلاف الحكومي الكبير في الرابع من ىذار/مارس.
وكتب موقع "شبيغل أونلاين" أن الاتفاق على تشكيل الحكومة جعل ميركل "تخسر السلطة في صفوف حزبها"، مضيفاً أنه "يجب على ميركل أن تبذل جهوداً أكثر كيلا تنزلق الأشياء من يديها"، مشيراً في الوقت نفسه إلى ضرورة أن تهتم ميركل بمسألة من سيكون الشخص الذي يخلفها.
فيما رأت صحيفة دي فيلت أن "المستشارة الألمانية اشترت فترة ولايتها الرابعة بسعر مكلف ـ وليس من أجل مصلحة حزبها."
وقد أثيرت في وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً موجة من الاستياء من "التنازل" الذي قدمته ميركل للحزب الاشتراكي مقابل بقائها مستشارة. ونشر رولف ف. كاريكاتوراً على تويتر قائلاً فيه: "هدايا للحزب الاشتراكي، وميركل لم تحافظ إلا على نفسها!".
المسلمون أيضاً ينتقدون
وحتى المسلمون في ألمانيا والذين رحبت ميركل بمئات الآلاف منهم من خلال سياسة "الأبواب المفتوحة" عند بداية موجة اللجوء، أبدوا خيبة أملهم من الاتفاق الذي وصل إليه الحزبان، حيث أبدى رئيس المجلس الإسلامي في ألمانيا برهان كيسينجي خيبة أمله من عدم ذكر مخاوف المسلمين في ألمانيا في الاتفاق، وأضاف: "هذا أمر مناقض للواقع، ولا يدل على أن هناك اهتمام واضح (بالإسلام) من قبل الدولة".
كما أبدى رئيس الجمعية الإسلامية "ميلي كوروش" بكر ألتاش خيبة أمله "الشديدة" من الاتفاق، معللاً ذلك بأنه لا يتم فيه ذكر الإسلام إلا ملازماً للتأكيد على الأمن الداخلي، ومضيفاً أن من يقرأ الاتفاق "يعتقد وكأنه يجب على المرء أن يكون لديه خوف من الإسلام".
معارضة شديدة للتحالف الكبير
المواقف المتذبذبة لشولتس، من حيث تأكيده على قيادة المعارضة في البداية، ثم قبوله بدخول المفاوضات لتشكيل الحكومة فيما بعد بالرغم من المعارضة الكبيرة لذلك ضمن الحزب، زادت من موجة الاستياء تجاهه، وقد بدى هذا التذبذب واضحاً أكثر عندما أعلن شولتس أنه يمتنع عن تولي منصب وزير الخارجية، بالرغم من أنه كان قد أعلن بعد الوصول للاتفاق أنه ينوى الترشح لهذا المنصب.
وأعلن شولتس في برلين إنه يرى أن النقاش حول شخصه سوف يؤثر على تصويت قاعدة الحزب على مصير الائتلاف مع التحالف المسيحي. وأضاف شولتس:" لذلك أعلن التخلي عن الدخول في الحكومة وآمل في الوقت نفسه وبصورة ملحة أن ينتهي النقاش حول شغل المناصب داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي".
ويواجه شولتس معارضة داخلية شديدة من اتحاد الشباب في الحزب الذي يواصل بقيادة رئيسه كيفن كونرت حملة "لا للائتلاف الكبير"، مؤكداً أن الائتلاف الكبير سيجعل الحزب الذي انخفضت نسبة أصواته وفقاً لاستطلاعات الرأي إلى 17 بالمئة، يفقد هويته الاشتراكية.
في المقابل سيبدأ شولتس وخليفته في رئاسة الحزب أندريا نالس بحملة بعد أسبوع لحث قاعدة الحزب على التصويت بـ"نعم"، لأن موافقة قاعدة الحزب الذي يضم 460 ألف عضو على وثيقة الائتلاف الحكومي شرط أساسي ليضمن الاشتراكي الوزارات التي حصل عليها.
مصير "ذي اللحية" سيتضح بعد المؤتمر
لكن المعارضة الداخلية لشولتس لم تقتصر على الشباب، إذ أن أكبر المسؤولين في الحزب يوجهون انتقادات لاذعة لمواقفه المتذبذبة، وجاءت الانتقادات هذه المرة من رفيقه زيغمارغابرييل الذي كان قد تنازل له عن رئاسة الحزب وعن الترشح لمنصب المستشارية من أجل أن يعين وزيراً للخارجية.
حيث كان غابرييل قد هاجم قيادة حزبه، متهماً إياها بعدم احترام الوعود، دون أن يتحدث عن الوعود التي يعنيها، لكنه أشار إلى إعلان شولتس رغبته في أن يكون وزيراً للخارجية في الحكومة الجديدة التي تستعد ميركل لتشكيلها. وأشار غابرييل، الذي احتل المرتبة الأولى في استطلاعات للرأي حول أكثر الشخصيات المحبوبة لدى الألمان، إلى أن مرحلة جديدة بدأت بالنسبة له، مضيفاً أن عائلته فرحة بقرار عدم استمراره بمنصب وزارة الخارجية. وتابع بأن طفلته الصغيرة ماري قالت له بعد إعلان شولتس عن نيته تولي منصب وزارة الخارجية: "لا ينبغي عليك أن تقلق يا أبي، فالآن سيكون لديك المزيد من الوقت لنا. وهذا أفضل من قضائك الوقت مع الرجل ذي اللحية (تقصد مارتن شولتس)".
لكن امتناع "الرجل ذو اللحية" الذي تقصده ماري عن تولي المنصب زاد من التكهنات حول مصيره، ومصير المستشارة أنغيلا ميركل فيما إذا لم توافق قاعدة الحزب الاشتراكي على تشكيل الائتلاف.
وحتى وإن وافق أعضاء الحزب الاشتراكي على ذلك، بنسب متقاربة على الأغلب، يرى البعض أن عرش المستشارة الألمانية بدأ يهتز، مع وجود معارضة داخلية غير مسبوقة لبقائها في المنصب داخل الحزب نفسه.
محيي الدين حسين