أحداث كولونيا وتداعيات تركيز الاتهام على الشباب المغاربي
١٤ يناير ٢٠١٦ما زالت ألمانيا تعيش ارتدادات "الزلزال" الذي ضرب مدينة كولونيا المعروفة بانفتاحها وتعددية ساكنتها الثقافية، حين قام مئات من الرجال بعمليات تحرش جماعي بحق النساء وسرقة أغراضهن في ليلة رأس السنة، في موجة اعتداءات فاجأت على ما يبدو حتى شرطة المدينة.
وبعد مرور أسبوعين على الأحداث، بلغ عدد شكاوى الضحايا لدى السلطات المختصة إلى أزيد من خمسمائة شكوى في حصيلة مرشحة للارتفاع كل يوم. في المقابل، تتواصل التحقيقات على قدم وساق بمشاركة سلطات قضائية تمثل الولاية والسلطات الاتحادية نظرا للأهمية القومية التي اتخذها الموضوع.
سياسيا وإعلاميا باتت أحداث كولونيا محطة فاصلة يبدو أنها صفعت ما بات يعرف على المستوى الداخلي بـ "ثقافة الترحيب" التي تبنتها القوى المجتمعية والأحزاب السياسية على حد سواء، وفي مقدمتهم حزبا التحالف الحكومي بقيادة المستشارة ميركل. ولأن أجانب أو "متحدثين بالعربية"، كما ورد في شهادات الضحايا كانوا من المعتدين، بدأ الرأي العام يتوجس من القادم من الأيام خاصة وأن أعداد اللاجئين بلغ نحو 1,1 مليون لاجئ.
الساسة بدورهم باتوا أمام ضغوطات جمة، بسبب الغضب من بشاعة ما حصل وارتفاع الأصوات المطالبة بمعاقبة الجناة، بما في ذلك ترحيل اللاجئين أو طالبي اللجوء المتورطين في الاعتداءات. واستنادا على أقوال الضحايا فقد تمّ توجيه أصابع الاتهام إلى شباب من شمال إفريقيا وتحديدا من الجزائر والمغرب كمعتدين محتملين، لتكشف شرطة كولونيا فيما بعد أن 13 متهما مغاربيا بين 19 متهما تمّ التعرف على هوياتهم.
وفي خطوة موازية نشرت شرطة دوسلدورف تقريرا يؤكد أن 2200 شخصا يحملون الجنسية المغربية متورطين في جرائم السرقة واعتداءات جسدية وغيرها. ويخلص التقرير إلى أن كل ثلاث ساعات ونصف تقع جريمة بمدينة دوسلدورف وراءها مغاربة.
ترحيل المغاربيين
تورط المغاربيين في جرائم كولونيا بات مادة دسمة تعالجها الصحف الألمانية بإسهاب، بحثا عن الأسباب وكيفية التعامل مع هذه الفئة. ووصل النقاش إلى البرلمان الألماني الذي ناقش قضية ترحيل المتورطين إلى بلدانهم، مع احتمال تصنيف المغرب والجزائر في مصاف الدول الآمنة على غرار كوسوفو وألبانيا والجبل الأسود، وذلك لتسهيل إجراءات الترحيل.
وإدراج المغرب والجزائر في قائمة الدول الآمنة مطلب يصر عليه حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، الحزب الشقيق لميركل، فيما لم تبد المستشارة أي اعتراض على الاقتراح، حسب تقرير لموقع شبيغل أونلاين نشر أول أمس الثلاثاء (12 يناير/ كانون الثاني 2016). بيد أن المستشارة كانت قد قالت في وقت سابق إن حكومتها لم تقرر بعد إدراج هاتين الدولتين في قائمة الدول الآمنة.
وفي الحقيقة يقول المحامي المتخصص في قانون الأجانب رالف ميدر في حوار مع DWعربية أن المغرب والجزائر يعتبران عمليا دولا "مستقرة"، وهذا ما يجعل طلبات اللجوء لمواطنين منهما ترفض بنسبة 98% بالمائة. لكنه يتابع أيضا أن العملية، أي الترحيل، ليست بذات السهولة التي يتم عرضها للرأي العام، فهي "عملية معقدة، وتستلزم استيفاء عدد كبير من الشروط" حتى تتمكن الدولة من ترحيل من رفض طلبه.
ويوضح ميدر أنه كإجراء أولي يتم إصدار قرار الطرد في حال تورط طالب اللجوء بعمل جنائي تمتد عقوبته من سنة إلى سنتين، وهي مدة العقوبة التي قد يواجهها من تحرشوا جنسيا بالنساء في كولونيا. بيد أن قرار الطرد لا يعني بالضرورة إمكانية الترحيل، لأن ذلك حسب المحامي ميدر، يتطلب إجراءات معقدة تبدأ بتحديد هوية الشخص وبدراسة ظروفه المعيشية في البلد الذي سيتم ترحيله إليه وما إذا كان سيواجه عقوبة الإعدام أو التعذيب وهذا يسري أيضا على المغرب والجزائر.
يضاف إلى ذلك، أنه ورغم وجود اتفاقية ترحيل ثنائية بين ألمانيا والجزائر 1997 وألمانيا والمغرب 1998 إلا أنها لا تطبق بالمستوى المطلوب من وجهة النظر الألمانية، ما جعل المستشارة ميركل تطالب في المؤتمر الصحفي الذي عقدته مع رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال هذا الأسبوع أثناء زيارته إلى ألمانيا بتطبيق الاتفاقية بشكل "مناسب".
تعديلات سياسية وتشريعية
ووفق ما قاله المحامي ميدر لـDW عربية فإن بشاعة ما اقترفه هؤلاء الشباب ليلة رأس السنة، والذي لا يمكن إلا التنديد به والمطالبة بمعاقبة صارمة له، لا تعني أن الترحيل إجراء يستدعي تعديلات تشريعية إضافية، وقبل ذلك اتفاقات سياسية. وفي هذا الإطار أيضا يمكن إدراج تصريحات عبد المالك سلال في برلين حين ألمح أن الجزائر لن تقف عائقا وراء ذلك في حال ثبوت أن جزائريين شاركوا في هذه الاعتداءات، "فأنا أؤكد لكم كجزائري أن هذا الأمر غير مقبول بالنسبة لنا".
وفي إطار التغييرات التشريعية الضرورية، طالب الأمين العام للاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري أندرياس شوير بترحيل كل شخص من طالبي اللجوء اتهم في أحد القضايا الجنائية حتى قبل أن يثبت تورطه في الجريمة. وهذا يعني ضرب أهم أسس دولة القانون الممثلة في التأكيد على براءة المتهم إلى حين ثبوت إدانته، حسب المحامي ميدر. ويشدد المحامي قائلا إنه يتفهم "الحالة التي نعيشها، لكن يجب ألا تكون على حساب دولة القانون".
مخاوف من "اتهام جماعي"
مخاوف رجل القانون، توازيها أيضا تخوفات أخرى من قوى مجتمعية بأن تنفلت الأمور باتجاه "اتهامات مطلقة" ضد جاليات تعيش في "تناغم منذ عقود مع المجتمع الألماني"، كما يقول الناشط الجمعوي سامي شرشيرة، العضو في مؤتمر الإسلام الذي ترعاه الحكومة الألمانية. ولا ينفي شرشيرة وجود مغاربيين بين المتهمين، لكنه في الوقت ذاته يرفض إلصاق تهمة الإجرام على أي فئة مجتمعية معينة، لأن ذلك "لن يخدم المجتمع الألماني والصالح العام، بل سيخلق أجواء من الكراهية والعداوة لن يستفيد منها أحد سوى الحركات المتطرفة".
وكدليل على "خطورة" هذا الخطاب، يستشهد شرشيرة بظهور مجموعات من الشباب خرجت إلى الشوارع للانتقام من أشخاص "بملامح مغاربية"، وهو ما ينذر بتفاقم الأوضاع ويعكس مستوى "الأجواء المشحونة والمقلقة التي تعيشها ألمانيا في هذه الأيام". في المقابل لا تزال التحقيقات جارية ومازال من غير المعروف مدى نسبة تورط اللاجئين أو المغاربيين والمقيمين بطريقة شرعية أو غير شرعية في هذه الأحداث، ومع ذلك فإن الجدل حول اللجوء واللاجئين دخل فصلا جديدا في ألمانيا.