هجرة الألمان تسبب مشاكل للمجتمع الألماني

أضحت الهجرة اليوم ظاهرة عالمية وإحدى المشكلات الرئيسة التي تعاني منها الدول المصدرة للمهاجرين أو المستوردة لهم على حد سواء. وللهجرة أسباب ودوافع تختلف باختلاف المجتمعات والظروف. ومن بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى الهجرة هي الفقر والعوز وغياب المشروعات التنموية والعلمية القادرة على استقطاب طاقات أبناء البلد المصدر للمهاجرين وكذلك انعدام الاستقرارالسياسي والأمني. ويندرج الفساد الإداري أيضا تحت هذه الدوافع، لدرجة أن المراقبين بدأوا يتحدثون عن سياسة "طرد الكفاءات" بدل استيعابها واستقطابها. وتجري العادة على أن تكون الهجرة من الدول الفقيرة ودول العالم الثالث إلى الدول الغربية الغنية، حيث الفرص المهنية المتاحة والظروف المعيشية المستقرة.

ولكننا هنا بصدد حالة تخالف المعايير التي يتم من خلالها مناقشة موضوع الهجرة واللجوء، فالحديث يدور عن هجرة الألمان إلى بلدان أخرى. ورغم أن ألمانيا تعد بلدا صناعيا وحقلا هاما من حقول البحث العلمي والرفاه الاجتماعي، إلا أن مكتب الإحصاءات الاتحادي الألماني سجل في العام الماضي 145.000 حالة هجرة من ألمانيا إلى بلدان أخرى. ومن بين الألمان الذي غادروا في العام الماضي بلدهم هي أندريا البالغة من العمر 30 عاما والتي درست الهندسة المعمارية وهاجرت بعد إنهاء الدراسة إلى لندن بغرض العمل في أحد مكاتب الهندسة. وستعيش المهندسة في العاصمة البريطانية نصف عام، وذلك من أجل كسب خبرة عملية تعود عليها بالنفع فور رجوعها إلى بلادها.

أسباب الهجرة

يرى الباحث الألماني في شؤون الهجرة، ديتر أوبرن دورفر أن الحصول على فرص وظيفية مستقبلية "يشكل الدافع الأكبر لمعظم المهاجرين الألمان." وحسب إحدى استطلاعات الرأي، فإن 60 بالمائة من الطلبة الألمان يراودهم التفكير بالهجرة. ويرى الخبير الألماني أوبرن دورفر أن الولايات المتحدة وأستراليا وكندا "تشكل نقطة جذب رئيسة لهؤلاء المهاجرين المؤهلين علميا وتقنيا." ولذا لا غرابة في أن نرى ذلك النقص في الكفاءات في بعض التخصصات في ألمانيا مثل تخصص الهندسة الالكترونية، على حد قول الخبير الألماني.

سمعة طيبة

ومن الجدير بالذكر أن المشكلات الاقتصادية التي عانت منها ألمانيا في الفترة الأخيرة وما رافقها من ارتفاع في نسبة البطالة دفع أندريا إلى التقدم بطلب للعمل في لندن. وقالت المهندسة في حديث مع دويتشه فيله إن البيئة العاملة المحيطة بها متعددة الثقافات والوجوه. وتضيف أندريا أن جنسيات العاملين في مكتب الهندسة الذي تعمل فيه متعددة جدا وينحدر أصحابها من كوريا الجنوبية وإيطاليا وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا. وأوضحت أنها لم تواجه مشكلات في إجراءات مباشرة العمل من قبل الدوائر الرسمية.

ويحظى الألمان بسمعة طيبة عند أرباب العمل، وذلك نظرا لدقتهم وإتقانهم لمهامهم وحسن انضباطهم وهو ما ييسر لهم الحصول على أماكن عمل بسهولة، كما أشارت بيتينا في حديثها لموقعنا. وكانت بيتينا جاءت إلى العاصمة البريطانية في عام 2002 وعملت في إحدى المنظمات المسماة "Roma Support Group". ولاحظت المهندسة من خلالها عملها في بريطانيا وجود تواصل أكبر بين سوق العمل من جهة والطلبة في الجامعات من جهة أخرى. وحول ذلك تقول أندريا "إن هذا التواصل يتيح للطالب التعرف على آفاق السوق والعمل وبالتالي يسهل عملية الحصول على فرصة عمل بعد إنهاء الدارسة."

حنين إلى الوطن

وعلى الرغم من أن هاتين الفتاتين لم تفصحا عن دخلهما، إلا أن المهندس المعماري يتقاضى في المتوسط في بريطانيا دخلا إجماليا يتراوح ما بين 45.000 و 60.000 يورو في العام. ولكن مستوى المعيشة في لندن وخاصة أجور السكن تعد مرتفعة مقارنة مع ألمانيا. ورغم ظروف العمل الجيدة في بريطانيا، إلا أن بيتينا تفكر بالعودة إلى ألمانيا بدافع الحنين. وفي هذا السياق تقول :" ألمانيا هي وطني الأم وأنا أود كثيرا العمل هناك. ولكن هنا ببساطة توجد فرص أكبر."

الأكاديميون الأكثر هجرة

ويعد الأكاديميون من أكثر الشرائح الاجتماعية هجرة، إذ لوحظ تزايد مستمر في هجرتهم منذ عام 1990. ومعظم المهاجرين يحمل شهادة جامعية عالية. وتلعب عوامل أخرى في نجاح الشخص في الخارج بالإضافة إلى الحصول على وظيفة مثل القدرة على التكيف والتواصل مع الآخرين. ولكن هذا الطريق لا يكون دائما ممهدا ومليئا بالورود، بل قد تواجه المرء صعوبات ثقافية ولغوية. وأما أندريا فهي ترى بدورها أن صديقها الإنجليزي هيأ لها الكثير من الأمور وعمل على إذابة العديد من المشكلات والمعوقات التي واجهتها في المهجر. ولكن هل تتوفر هذه الفرص لجميع الذين يغادرون بلادهم بحثا عن مخرج من المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يعانون منها في بلدهم الأم؟