أولمرت يسعى إلى كسب رصيد عسكري من خلال الحرب على لبنان
٢٣ يوليو ٢٠٠٦الطبيعة العسكرية لدولة إسرائيل تلقي بظلالها على بنيتها السياسية، حيث يشكل الهاجس الأمني المحرك الأساسي للحياة السياسية هناك. وتستمد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية جذورها من الإطار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدولة وإن تفاوتت قوة التجاذب بين المؤسسة الأمنية والسياسية. وبخلاف ما هو شائع في معظم دول العالم، التي ترتكز على وضع الاستراتيجية الأمنية في خدمة السياسة الخارجية للدولة، فإنّ الأمر في إسرائيل على عكس ذلك. وتقوم صياغة المفهوم العسكري الاستراتيجي على أساس أنّ الذي يتربع على قمة الهرم السياسي لا بد له من إرث عسكري أو يتوجب عليه الحصول على هذا الرصيد، لكي ينضم إلى جوقة صناّع القرار، لذا فمن المهم معرفة كيفية صنع القرار في إسرائيل وخصوصاً ذلك المتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية. فالجيش في إسرائيل يشكل دعامة رئيسةً في تشكيل النسيج الاجتماعي، كما أنه يسوّغ النظام السياسي.
أولمرت لم يكن شخصية عسكرية
وانطلاقا من هذا الفهم وفي ضوء الحرب الدائرة في لبنان، لابد أيضا من تسليط الضوء على خلفية أولمرت العسكرية. فلقد اقتصرت حياة أولمرت العسكرية على العمل كصحافي عسكري أثناء خدمته في الجيش الإسرائيلي ليتجه بعدها لدراسة العلوم السياسية والالتحاق بحزب الليكود قبل 33 عاما. ومنذ منتصف الثمانينيات أصبح أولمرت أحد أهم كوادر حزب الليكود، الذين شكلوا الصف القيادي الثاني وراء شامير وفي عدادهم منافسه القوي نتانياهو.
وتدرج أولمرت في الحياة السياسية على مدى ثلاثة عقود، تبوأ فيها العديد من المناصب، أهمها منصب رئيس بلدية القدس في عام 1993 ومنصب وزير المالية في عام 2005. وفي شهر يناير/كانون الثاني أصبح أولمرت رئيس الوزراء الثاني عشر لإسرائيل بزعامة حزب كاديما، الذي أسسه شارون قبل مرضه وابتعاده عن الحياة السياسية، لذا نحن أمام شخص لا يملك مسيرة عسكرية حافلة، الأمر الذي يعتقد المحللون أنه أثر على اتخاذ قرار الحرب على لبنان.
مسألة خطف الجنود
لقد شكلت حادثة خطف الجندي في غزة وما تبعها من أحداث في جنوب لبنان ومطالبة الشارع الإسرائيلي لأولمرت بالتحرك الفوري بشتى الطرق لإعادة الهيبة والاعتبار لصورة الجيش منحى هاماً في مسيرة هذا الرجل. أولمرت كان مطالبا بأن يتخذ إجراءات دراماتيكية للخروج من المأزق وإعلان نفسه في حالة حرب ضد الإرهاب. وهكذا مرت حياته السياسية بمنعطف خطير، إما الحرب وإظهار موقف لا هوادة فيه أو اتخاذ موقف مهادن، الأمر الذي قد يؤلب الشارع الإسرائيلي عليه. وقد بدا واضحاً للعيان أن أولمرت ما كان ليسلم بمواقف الخاطفين لما في ذلك من حسابات مكلفة له ولحكومته.
وفي ضوء ذلك، يرى كثير من المحللين أن أولمرت لم يكن أمامه سوى خيار اتخاذ قرار الحرب وذلك ليبدد شعور الضعف الذي قد ينشأ نتيجة لقلة رصيده العسكري وكونه جاء إلى الحكم من خارج المؤسسة العسكرية بالإضافة إلى وزير دفاعه ووزيرة خارجيته. فقد كان بحاجة لهذه الفرصة ليثبت للمجتمع الإسرائيلي أنه رجل الحرب وأنه قادر على حماية المصالح الحيوية لإسرائيل حتى لو كان ذلك من خلال شن الحروب. ولا شك أن صورة شارون الزعيم القادر على التصدي للفلسطينييين وحزب الله وإيران وسوريا حاضرة في ذهنه وهو يحاول اجترار هذه الشخصية وصوغها في مركب جديد، يحمل بصمات أولمرت الجديد في معطف شارون الغائب.
ضرورة للسلم
وإزاء الإجماع الذي تحظى به حربه على لبنان من كافة الاتجاهات السياسية الإسرائيلية، يمكن أن يشكل ذلك أيضا رصيدا له في المستقبل وخاصة إذا ما بدأت مفاوضات جدية مع الفلسطينيين. هذه المفاوضات سينبثق عنها استحقاقات سياسية وتفكيك للمستوطنات ورسم للحدود وهو أمر لا يقوى على تنفيذه دون أن تحتفظ الذاكرة التاريخية الإسرائيلية له بسجل من البطولات والعمليات العسكرية. ويبدو أن هذا الأمر تقليد سياسي لزعماء إسرائيل، دأب عليه رؤساء الوزراء الذين سبقوا أولمرت والذين شكلت عملياتهم العسكرية بطاقة تأهلهم إلى قمة الهرم السياسي وقبل أن يسيروا في طريق السلام. ولعل أقرب مثال على ذلك اتفاقية أوسلو، التي وقعها اسحق رابين مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وقيام إيهود باراك بسحب قوات الجيش من لبنان وإخلاء المستوطنات في غزة على يد آرييل شارون. ومن الملاحظ أن جميع هؤلاء خاضوا حروبا من قبل، وعلى دربهم سار أولمرت.
ونظرا للعلاقة بين المؤسسة العسكرية الإسرائيلية صاحبة اليد العليا في البلاد والمؤسسة السياسية، يمكن القول أن أولمرت أراد أن ينسجم في قراراته مع المؤسسة العسكرية وأن يصبغ نفسه وطاقمه الوزاري بسمة عسكرية. وما من شك وفي ظل غياب الجنرالات المؤسسين، مثل: موشي ديان، وإسحاق رابين وشارون، الذين اعتمدوا في إدارتهم للدولة على التركيز على عنصر الأمن القومي لإسرائيل، فإنّ هذا الأمر بالتأكيد سيفتح الباب أمام أولمرت لطرح آراء أكثر تشدداً لإظهار حرصه على أمن الدولة العبرية وسد الفراغ الذي تركه شارون. إن ورقة الأمن بالنسبة للإسرائيليين لا تعادلها ورقة، الأمر الذي يفسر فترة "المد" الإسرائيلي التي نشهدها الآن والتي تتخذ من لغة القوة عنوانا لها، ربما تعقبها فترة "جزر" بعد أن يدرك الإسرائيليون أنه لا بد من الجلوس إلى طاولة المفاوضات.