إشكاليات الهجرة غير الشرعية في ألمانيا
تتضارب الإحصائيات الخاصة بعدد المهاجرين غير الشرعيين في ألمانيا، حيث تقدرهم بعض الإحصائيات ب 150 الف مهاجر، في حين ترفع بعض الإحصائيات الأخرى الرقم إلى مليون مهاجر غير شرعي. مما يعكس الغموض الذي يحيط بهذه الظاهرة في ألمانيا، من ناحية أخرى يندر أن يكون لهم حضور واضح على الساحة الإعلامية، فبرغم الأوضاع المزرية التي يعيشونها لا توجد هيئة أو منظمة تدافع عن حقوقهم أو توضح إشكالية وضعهم سوى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بشكل عام وبعض الهيئات الدينية، وذلك على العكس من فرنسا على سبيل المثال حيث استطاعت حركة "بدون أوراق sans-papier" المكونة من اللاجئين غير الشرعيين إجبار الرأي العام على الإلتفات إلى معاناتهم ووضعهم الصعب. أما عندما يتناول الإعلام هذه الظاهرة فعادةً ما يميل إلى تجريم المهاجرين وإظهارهم كلصوص أو تجار مخدرات.
تعدد أسباب الهجرة غير الشرعية
بدايةً يعود مصطلح "غير شرعي" إلى الوضع القانوني لوجود هؤلاء المهاجرين، وذلك من خلال ثلاث زوايا: طريقة السفر إلى ألمانيا، وحق البقاء في الأراضي الألمانية، وأخيراً حق العمل. فالمهاجرون غير الشرعيين ينقصهم تصريح الإقامة وبالتالي لا يجوز لهم العمل الشرعي، مما يعني أنهم يعيشون بدون أي تأمينات صحية أو اجتماعية، وبدون مصدر دخل منتظم. كما يتهددهم دوماً خطر الاحتكاك بأجهزة الشرطة لأي سبب حيث يتم ترحيلهم فوراً إلى بلادهم. هذه الظروف تضطرهم إلى الحياة في الظلام، وتؤدي إلى متاعب نفسية واجتماعية مدمرة. غير أن هذا المصطلح القانوني يسحب عادةً بشكل خاطئ على الأشخاص أنفسهم ويتم النظر إليهم باعتبارهم مجرمين. وهكذا تتضاعف مأساة المهاجر غير الشرعي، فمن ناحية هو مجبر على مصارعة الظروف المزرية التي يعيش فيها، ومن ناحية أخرى ينظر إليه كمجرم خارج عن القانون.
المهاجرون غير الشرعيين هم مجموعة متنوعة مختلفة المشارب، ترجع أسباب هجرتهم إلى أسباب مختلفة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي. فهناك على سبيل المثال العمال القادمون من أوروبا الشرقية الذين يعملون لموسم واحد ثم يعودون إلى بلادهم، وهناك من رُفضت طلبات لجوءهم السياسي ففضلوا الاختفاء داخل ألمانيا حتى لا يتم ترحيلهم، وهناك من يعولون أسرهم الفقيرة في أوطانهم الأم ويرفضون الرجوع لعدم وجود بدائل لهم فيها، وهناك من تقطعت بهم السبل وأرادوا بداية حياة جديدة. وبالتالي فلا يمكن التحدث عن نمط واحد من المهاجرين غير الشرعيين.
إجراءات مشددة
وفي الفترة الأخيرة ضاعف الإتحاد الأوروبي من صعوبة إجراءات الزيارة أو الإقامة في بلدان الإتحاد، كما اتخذت إجراءات صارمة للحد من الهجرة غير الشرعية مثل تشديد حراسة الحدود والتخطيط لإنشاء جهاز أوروبي مركزي لمراقبة الهجرة، إضافةً إلى تسهيل إجراءات الترحيل. غير أن هذه الإجراءات المتشددة فشلت في تحقيق الهدف منها وهو الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية حسب الباحث شتيفان ألشر من معهد دراسات الهجرة المقارنة. ويضيف: "هذه الإجراءات لن تؤدي سوى إلى تغيير طرق الهجرة غير الشرعية وليس وقفها، فعلى سبيل المثال بعد تشديد المراقبة على مضيق جبل طارق يتبع المهاجرون الآن طريقاً بحرياً آخر شرقي الأندلس في جنوب أسبانيا، ونظراً لصعوبة الطريق وسوء حالة المراكب يتعرض الكثير منهم إلى الغرق في البحر، وهو ما يؤدي فعلياً إلى إتاحة الفرصة لخلق عصابات محترفة تسهل نقل المهاجرين بتكلفة أعلى، وبالتالي تحقق الإجراءات المتشددة للإتحاد الأوروبي نتائج هي عكس النتائج المرجوة تماماً. في حين تبقى الأسباب الرئيسية مثل الفارق الهائل في الوضع الاقتصادي بين الدول الأوروبية وبين أوطان المهاجرين بدون إصلاح، كما يبقى الطلب في سوق العمل الأوروبي مرتفعاً للحصول على عمالة رخيصة".
وتعليقاً على اقتراح وزيري الداخلية الألماني والبريطاني بإقامة معسكر لاستقبال المهاجرين في خمس دول شمال إفريقية، وبحث طلباتهم هناك قبل إقدامهم على مغامرة الهجرة غير الشرعية، يقول الباحث شتيفان ألشر: "حتى الآن لا يحظى هذا المشروع بأغلبية كافية في الإتحاد الأوروبي. ومن وجهة نظري فإنه طالما لا يوجد نظام قانوني محايد يمكن الاعتماد عليه في هذه الدول، وطالما لا تحظى حقوق الإنسان بالاحترام هناك يبقى هذا الاقتراح غير صالح للنقاش. إضافةً إلى أن اقتراح كهذا لن يحل مشكلة الهجرة غير الشرعية كما يتوقع أصحابه، ولكن سوف يزيحها فقط إلى دول أخرى خارج حدود الإتحاد الأوروبي".
قرار أسباني تاريخي
خلال الشهر الماضي إتخذت الحكومة الأسبانية قراراً تاريخياً بمنح المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في اسبانيا، والذين يقدر عددهم بـ 700 ألف إلى 800 ألف مهاجر، حق الإقامة وتصاريح للعمل. وقد أدى هذا القرار إلى تحسن بالغ في الظروف المعيشية لهؤلاء المهاجرين، فهو يعني حصولهم على ضمانات إجتماعية وتأمينات صحية تضمن لهم سبل الحياة الطبيعية في المجتمع الأسباني. ويرى كثير من المراقبين أن هذه الخطوة سوف تدعم إلى حد كبير عملية إنصهار الأجانب في المجتمع، وتساعدهم على تقبل القيم المختلفة التي تسود في هذا المجتمع.
من ناحية أخرى فإن لهذا القرار منافع اقتصادية كبيرة، فخروج المهاجرين غير الشرعيين من قطاع العمل الأسود غير مدفوع الضرائب إلى قطاع العمل الشرعي يعني فعلياً وجوب دفعهم للضرائب التقليدية كغيرهم من المواطنين، وتنتظر وزارة المالية الأسبانية أن يُضخ ما قيمته 1 إلى 1,5 مليار يورو إلى خزانتها من جراء هذه الخطوة. غير أن الباحث شتيفان ألشر يرى أن هذا القرار ليس هو الحل المثالي للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالرغم من نتائجه الإيجابية، فهو قد يشجع مهاجرين آخرين على الوصول إلى أسبانيا أملاً في الحصول على عفو رسمي يتبعه الإقامة، ويرى الباحث أن الحلول الأخرى مثل تحسين الحالة الاقتصادية لدول المنشأ هي حلول أنجع، غير أن السياسيين لا يبذلون جهداً كافياً لتحقيق هذا التحسين، ويضيف "تحسين أحوال دول المنشأ يتطلب تغيراً نوعياً في بنية العلاقات الاقتصادية الدولية".
هل يصلح القرار الأسباني للتطبيق في ألمانيا؟
القرار الأسباني غير صالح للتطبيق في ألمانيا، هكذا يقول الباحث شتيفان ألشر. فحتى اليوم لا يزال موضوع المهاجرين غير الشرعيين موضوعاً محرماً في المجتمع الألماني، وذلك على الرغم من جهود المنظمات غير الحكومية لكسر عملية التعتيم عليه. ويُذكِر الباحث بالسجال العنيف الذي ثار حول تعديل قانون الهجرة الذي اقترحته حكومة شرودر بعد تنصيبها، ويقضي القانون الجديد بمنح المهاجرين حق الحصول على الجنسية الألمانية بعد مرور عدد معين من السنوات مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية، وفي وقتها أطلق الحزب المسيحي المعارض حملة كبيرة لمعارضة تمرير القانون، حتى أجبر الحكومة على إرجاعه. ويضيف الباحث "إذا كان هذا هو الوضع مع القوانين المتعلقة بالمهاجرين الشرعيين فما بالك بتلك المتعلقة بالمهاجرين غير الشرعيين".
هيثم عبد العظيم