إنجو شولتسه: "المشكلة الأكبر هي ضياع الغرب وليس الشرق"
١٢ فبراير ٢٠٠٩دويتشه فيله: سيد شولتسه، كيف كانت جمهورية ألمانية الشرقية الآفلة ستبدو اليوم في تصورك الشخصي؟
إنجو شولتسه: كيف كانت ستبدو؟ سيكون هناك كتب كثيرة ومنازل قديمة، وربما سيكون هناك أيضا وقت كبير نسبياً ولقاءت كثيرة داخل البيوت. أعتقد أن هذه الأماكن الخاصة، أي البيوت والمطابخ وكذلك أيضا التجوال، كانت تميز ألمانيا الشرقية. سيتوجب على المرء أن يرتب موعدا قبل وقت كبير إذا ما رغب في الزيارة، أو ربما سيدق بكل بساطة جرس الباب على أمل أن يجد أحدا. لكن كل هذه التعميمات أضحت طبعا صورا نمطية.
ذكرى جمهورية ألمانيا الديمقراطية عادت بشكل قوي كموضوع للحديث على الصفحات الثقافية في الصحف الألمانية. فعلى سبيل المثال كتبت صحيفة "دي تسايت" تقول :"لم ينجح الألمان في التذكر، وإنما وقع الكذب أو الصمت أو الخلاف". أصحيح هذا؟
كل خبرة جديدة تكسب المرء نظرة جديدة إلى تجارب الماضي. ومن الطبيعي أن توجد خبرات متناقضة لا تتفق مع بعضها البعض، إذ أنه ليس هناك حقيقة واحدة، بل توجد حقائق، لذلك أجد من الأمور الجيدة جدا أنه يوجد الفن. ففي القصة والشعر وفي المسرحية يمكن للحقائق أن تتعدد وتعيش جنبا إلى جنب. وفي الحقيقة أنا اكتب لهذا السبب، لأني لا ارغب في إصدار تعميمات.
جمهورية ألمانيا الديمقراطية اختفت فعليا من على الخارطة، ما الذي تبقى في ذاكرتك منها، مثلا عندما تتجول في مدينة دريسدن، التي قضيت فيها طفولتك؟
سافرت قبل سنتين إلى دريسدن دون أن اُعلم أصدقائي بالأمر، فقط لكي استطيع التجول وحدي في المدينة بسهولة. كان الأمر محبطاً! أنا لم أتبرع مطلقاً لصالح كنيسة السيدة العذراء "فراون كيرشه"، لكن شكلها العام أعجبني، ووقفت هناك وقلت لنفسي "يا إلهي! هل ينبغى أن يكون هذا مركز مدينة دريسدن؟" لكن الأسوأ من ذلك هو المنطقة التي أقيمت إلى جانب الكنيسة، إنها منطقة سياحية تشبه "دزني لاند"، مبنية من الطوب وواجهتها من الجبس. وفجأة لاحظت الأمر التالي، إن تلك العمارة السابقة التي كانت تمزج بين الطراز الباروكي والنمط الستاليني، والتي لم تعجبني يوما، لا تزال تعد فنا معماريا وليست اعتباطية كهذه. هناك حاليا مساعي لإقامة مدينة أسطورية في دريسدن، لكن الهدف منه في حقيقة الأمر لا يعدو أن يكون سوى السياحة والتجارة.
لقد انتقدت أيضا النمط المعماري ووصفته بأنه مبعثر كثيرا، وبأنه يتواصل مع الماضي، لكنه يقفز فوق الحقبة النازية وحقبة جمهورية ألمانيا الشرقية. هل يتوجب على المرء أن يعيد تماثيل لينين لكي نتذكر جمهورية ألمانيا الديمقراطية؟
أنا سعيد جدا أن تماثيل لينين تم إزالتها، لكن من السخافة بمكان هدم قصر الجمهورية في برلين، على سبيل المثال. أحس بنوع من الكراهية في برلين تجاه الحداثة. لدى المرء انطباعا بأنه يجب القفز من العهد القيصري إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، وهكذا هو الحال بالنسبة للأمور الأخرى. أن لا أريد أن أقول إنه يتوجب تقديس الخرائب والواجهات المهدمة. يمكن للمرء أن يتقبل أعمال الهدم الواسعة هذه إلى حد ما، لكن الخطورة تكمن في المغزى من ذلك، أقصد هنا اتساع المساحات التجارية بشكل مضطرد على حساب الفضاءات العامة التي تتقلص تدريجيا. فعل سبيل المثال ميدان بوتسدام في برلين، حيث لم يعد يوجد فيه سوى سواح تقريبا، بينما لا يذهب إلى هناك أي برليني. فالمكان الذي تحتله الشركات يفقد صفته كمكان عام. وهكذا هو الحال بالنسبة لأمور كثيرة. فالديمقراطية أيضا تعني في الواقع أن هناك فضاء عام. وفي جمهورية ألمانيا الديمقراطية كان هذا تقريبا ليس بشكل رسمي، لكن الآن، حيث الإمكانية متوفرة، لخلق رأي عام وخلق فضاءات عامة، فإن الجانب التجاري يطغي ويتم تحويل الناس إلى مجرد مستهلكين.
قلت ذات مرة إن ضياع الشرق ليس هو المشكلة، بل إن المشكلة الأكبر هي في ضياع الغرب. ماذا تقصد بذلك؟
قصدت بذلك ببساطة غلبة الجوانب الاقتصادية على كل مجالات الحياة. لا أستطيع أن أقول ـ من واقع تجربتي الشخصية ـ كيف كان عليه الوضع في الغرب في السبعينات والثمانينات من العقد الماضي، لكن من خلال ما سمعت، كان هناك معيار مختلف تماما، ووعي بالعدالة الاجتماعية مختلف تماما. منذ أن عرفت الغرب،أي منذ عام 1990م أصبح الجانب الاقتصادي مسيطرا بشكل متزايد، بينما تراجعت السياسة. فعلى سبيل المثال لمَ لا توظف القطارات لصالح خدمة المواطنات والمواطنين في هذا البلد؟ من الممكن خفض أسعار التذاكر وفي نفس الوقت خلق بدائل بيئية. لماذا تسعى مصلحة القطارات إلى مزيد من الربح؟ هناك أشياء كثيرة ليست جيدة من وجهة نظري وهذا ما يثير استيائي أيضا.
انجو شولتسه من مواليد 1962 في مدينة دريسدن، وهو كاتب حر يعيش برلين. أعتبر الكثير من النقاد روايته "قصص بسيطة" (1998) عن المقاطعات الألمانية الشرقية بمثابة الرواية التي طال انتظارها عن الوحدة. لشولتسه كتاب جديد بعنوان "أدم وإفيلن"، كوميديا تراجيدية من عام 1989، رشح للحصول على جائزة الكتاب الألماني لعام 2008.