"الأحكام بإعدام مئات من الإخوان تطور مأساوي لأوضاع مصر"
٢٤ مارس ٢٠١٤
أصدر القضاء المصري أحكاماً بالإعدام على 529 شخصاً من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، في ختام محاكمة سريعة على خلفية أحداث عنف وقعت إثر تفكيك السلطات المصرية في أغسطس/ آب الماضي لاعتصام "رابعة العدوية"، الذي قام به أنصار الرئيس السابق محمد مرسي، الذي أطاح الجيش بحكمه.
الأحكام أثارت غضباً لدى أهالي المعتقلين وكذلك نشطاء حقوق الإنسان، بالإضافة إلى ردود فعل منتقدة من عواصم غربية مثل واشنطن، التي أبدت "صدمتها" لصدور هذه الأحكام. لكن في القاهرة، تبدو ردود فعل الدوائر القريبة من الحكم الانتقالي مختلفة وهي تجدد مبررات لهذه الأحكام غير المسبوقة في تاريخ مصر الحديث.
وفي حوار مع DW عربية، اعتبرت سارة لياه ويتسون، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الأمريكية غير الحكومية، أن أحكام محكمة جنايات المنيا المصرية تشكل "تطوراً مأساوياً للأوضاع في مصر". كما حذرت المسؤولة الحقوقية الدولية من تداعيات هذه الأحكام "العشوائية"، كما وصفتها، على تطورات الحالة في مصر.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يحاكم فيها مثل هذا العدد من المتهمين في قضية واحدة، علماً بان القضاء المصري ينظر في العديد من القضايا المتهم فيها إسلاميون منذ عزل الجيش مرسي في الثالث من يوليو/ تموز إثر احتجاجات شعبية واسعة.
"بالون اختبار للمجتمع الدولي"
الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات المنيا (جنوب القاهرة) صدر في وقت قصير، وحسب حيثياته فقد أدين المتهمون بالقتل والشروع في القتل واستخدام القوة والعنف ضد موظفين عموميين وتخريب منشآت للدولة، بالإضافة إلى حيازة أسلحة دون ترخيص وأعمال عنف أدت الى مقتل شرطيين اثنين الصيف الماضي، بعد عزل مرسي، في بلدتي العدوة ومطاي بمحافظة المنيا، التي تبعد حوالي 220 كيلومتر جنوب القاهرة.
وفي حوارها مع DW عربية، أكدت ويتسون "أنه تطور مأساوي أن تصدر أحكام بالإعدام على 529 شخصاً بسرعة وبدون حد أدنى من الضمانات للمحاكمة العادلة".
وقد أثار الحكم ردود فعل منتقدة، خصوصاً لسرعة اجراءات المحاكمة وعدم توفر شروط الدفاع عن المتهمين الذين أدين قسم منهم حضورياً ومعظمهم في حالة فرار. إلى ذلك، ترفض منظمات حقوق الإنسان عقوبة الإعدام بحد ذاتها وتنتقد أي أحكام تصدر بهذا الشأن في كل دول العالم، وخاصة في ظل ظروف سياسية مثل التي تعيشها مصر حالياً.
من جانبه، وصف جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، الحكم بـ"كارثة ومهزلة وفضيحة سيكون لها تأثير على مصر لعدة سنوات". هذا ويقول خبراء قانونيون في مصر إن الطعن في الحكم أمام محكمة النقض سيؤدي على الأرجح إلى إلغائه بسبب القصور في إجراءات المحاكمة. كما أن عقوبة الإعدام لا تعتبر سارية، وفقاً للقانون المصري، إلا بعد تصديق مفتي الجمهورية عليها.
وتشكل هذه المعطيات القانونية بارقة أمل فيما يبدو لأسر المتهمين، الذين أصيبوا بحالة هلع كبيرة، كما رصدت ذلك تقارير إعلامية من مصر. وفي تعقيبها على مسألة قابلية إبطال هذه الأحكام بالطعن أمام محكمة النقض، ترى رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" أنه " أمر ايجابي أن تكون هنالك فرصة الطعن قضائياً ضد هذه الأحكام"، إلا أنها تساءلت عن خلفيات إصدار أحكام بالجملة بالإعدام ضد مئات الأشخاص، وتعتقد قائلة: "ربما تكون بالون اختبار من قبل الحكومة المصرية لترى ردود فعل المجتمع الدولي عليها".
لكن الناشطة الحقوقية الدولية توقفت عند ملاحظة أساسية تكمن في أن هذه الأحكام صدرت في ظل "عدم توفر أدنى شروط للمحاكمة العادلة وحق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم أمام المحكمة".
تداعيات سلبية
وفي أول رد فعل لها إثر إعلان الأحكام القضائية على أعضائها، اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في بيان أن هذا "الحكم الصادم وغير المسبوق الصادر بدون اتباع الإجراءات القانونية المعتادة هو حكم غير إنساني ويعد انتهاكاً واضحاً لكل القواعد الإنسانية والقانونية". وأضاف البيان: "إن الحكم مؤشر جديد على أن القضاء الفاسد يُستخدم من قبل قادة الانقلاب للقضاء على الثورة المصرية".
وفي تعقيبها على الانتقادات التي جاءت من عواصم عديدة، مثل واشنطن وباريس، اللتين أعربتا عن "قلق عميق" إزاء الحكم الصادر عن محكمة المنيا، قالت وزارة الخارجية المصرية في بيان أصدرته تعليقاً على هذا الحكم إنه "صدر عن محكمة مستقلة وبعد دراسة متأنية للقضية" وإن "المتهمين يستطيعون الطعن في الحكم أمام محكمة النقض".
لكن مسؤولاً في وزارة الخارجية الأمريكية قال إنه "رغم امكانية استئناف تلك الأحكام، إلا أنه لا يبدو من الممكن في قضية تشمل أكثر من 529 متهماً مراجعة الأدلة والشهادات بشكل عادل يتناسب مع المعايير الدولية خلال جلستي محاكمة فقط".
ويخشى خبراء أن يكون لصدور أحكام الإعدام على مئات من أعضاء الإخوان المسلمين تداعيات سلبية على الأوضاع السياسية الصعبة أصلاً في مصر، إذ دخلت البلاد منذ عزل الرئيس محمد مرسي في دوامة عنف حصدت لحد الآن أرواح ما يزيد عن 1400 شخص. وبالإضافة إلى احتجاجات جماعة الإخوان المسلمين، فإن البلاد شهدت ظهور جماعات متشددة عديدة تستخدم العنف وتبنت تفجيرات نأى الإخوان بأنفسهم عنها، رغم تصنيفها من قبل السلطات المصرية كـ "تنظيم إرهابي" وتحميلها مسؤولية ما يحدث من أعمال عنف.
وبرأي رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإنه "من الصعب الحديث الآن عن عملية انتقال ديمقراطي في مصر، في ظل وجود زهاء 16 ألف شخص معتقل في البلاد، وتصدر أحكام بالإعدام على أكثر من خمسمئة شخص دون أن تتوفر لهم فرصة الدفاع أمام المحكمة، وعدد من الصحفيين يوجدون رهن الاعتقال".
وقد يبدد هذا الحكم الآمال باستعادة المسار الديمقراطي الانتقالي على الأقل في المدى القريب. ورغم أن سلطات الحكم الانتقالي قد أقرت إجراءات قانونية لتنظيم انتخابات رئاسية، يبدو أن المشير عبد الفتاح السياسي، وزير الدفاع الحالي، مرشح "فوق العادة" للفوز فيها. وتعتقد سارة لياه ويتسون أن "قواعد الحكم الديمقراطي مفقودة في مصر الآن".