"الإشعاع الذري لا يحترم الحدود الدولية"
٢٣ أبريل ٢٠٠٦طالب تقرير منظمة الصحة العالمية بإجراء دراسة معمقة وميدانية لعواقب كارثة مفاعل تشرنوبيل النووي على دول أخرى غير روسيا البيضاء وأوكرانيا وروسيا الاتحادية مشيرا الى نقص البيانات لاسيما بالنسبة لدول غرب اوروبا. وقال التقرير الذي أعده باحثون مستقلون بتفويض من ريبيكا هارمز، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الالماني "على الرغم من تعرض مناطق بروسيا البيضاء واوكرانيا وروسيا لتلوث شديد فان معظم الغبار الذري المتساقط من انفجار مفاعل تشرنوبيل استقر خارج هذه الدول." وتابع التقرير القول "تسبب الغبار الذري المتساقط من تشرنوبيل في تلويث نحو 40 في المئة من سطح اوروبا"، مضيفا ان السكان خارج الدول الثلاث المذكورة واجهوا "وفيات سببها السرطان بمعدلات تعادل مثلي توقعات كثيرين." كما توقعت الدراسة ما بين 30 الفا الى 60 ألف حالة وفاة تقريبا بسبب السرطان بحلول نهاية القرن الحالي مرتبطة بكارثة تشرنوبيل مشيرة الى ان هذه التوقعات أعلى بشكل ملموس من توقعات منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
"الإشعاع الذري لا يحترم الحدود الدولية"
وتتشابه نتائج التقرير مع نتائج منظمة السلام الأخضر /جرينبيس/ التي قالت إن عدد الوفيات الناجمة عن الكارثة التي وقعت منذ عشرين عاما قد يكون أعلى كثيرا من التقديرات الرسمية وذلك مع وفاة ما يصل إلى 93 ألف شخص آخرين بالسرطان في أنحاء العالم. وفي الإطار نفسه توقعت منظمة الصحة العالمية وفاة نحو تسعة آلاف شخص أضافيين في أشد المناطق تضررا وأقلها تلوثا في أوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا نتيجة لانفجار المفاعل رقم أربعة في المحطة النووية الاوكرانية ببلدة تشرنوبيل يوم 26 من ابريل نيسان عام 1986. ومن جانبه قال ايان فيرلي، أحد معدي التقرير في مؤتمر صحفي: "الاشعاع الذري لا يحترم الحدود الدولية" مضيفا ان التقرير جرى إعداده بناء على بيانات متاحة بالفعل. ودعا منظمة الصحة العالمية للتفويض بإجراء دراسة جديدة منفصلة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الغبار النووي المتساقط من تشرنوبيل.
أكبر كارثة بيئية
أدى التسرب النووي في مفاعل تشيرنوبل الأوكراني قبل عشرين عاماً إلى وقوع أكبر كارثة بيئية حين تسبب في إشعال حريق هائل في أبريل في عام 1986، وهو ما أدى بدوره إلى انفجار أحد أقسام المفاعل وانتشار مواد إشعاعية قاتلة وصل ضررها إلى الحدود الألمانية. ووفي هذا السياق يقول توماس بريور الخبير النووي في منظمة السلام الأخضر:"لا أحد يستطيع أن يتكهن بعدد الضحايا الذين من المحتمل أن يموتوا نتيجة انفجار مفاعل تشيرنوبل، كما أنه يصعب حصر الآثار المترتبة على الإشعاعات، والمعلومات حول هذا الموضوع قليلة جدا وغير كافية وغالباً ما تكون متناقضة أيضا".
تجميل رسمي للحقائق
ومن باب محاولة الكشف عن الأعداد الحقيقية لضحايا الانفجار، نظمت مجموعة من المختصين منتدياً خاصاً أطلقوا عليه اسم "منتدى تشيرنوبل" ضم ممثلين عن وكالة الطاقة الذرية العالمية(IAEA ) ومنظمة الصحة العالمية. ومن خلال هذا المنتدى الفريد من نوعه قدم الأخصائيون تقريرا حول الآثار الصحية المترتبة على حادثة انفجار المفاعل، الذي خلص بالنهاية إلى أن ما بين 4.000 إلى 9.000 شخص توفوا أو سيتوفون لاحقا بسبب مرض السرطان المتسبب عن الأشعة الناتجة عن الانفجار. ومن جهتها لم تستطع منظمة السلام الأخضر أن تكشف من خلال تقاريرها الأعداد الحقيقية لضحايا هذه الكارثة، فهي تقول أنه من الصعب أن تعطي أرقام محددة لظاهرة بهذا الحجم والتعقيد يكون أثرها غالبا على المدى البعيد. ومع ذلك تؤكد المنظمة الناشطة في مجال حماية البيئة أن كل المعلومات والإحصائيات التي ذكرتها الجهات الرسمية تسعى فقط إلى لتقليل من حجم الموضوع ورسم صورة أقل ضررا عن أهواله البشرية.
السرطان من أخطر عواقب الكارثة
لم تكتف المنظمة بالإطلاع على الدراسات التي تم إجراؤها بالغرب، بل اطلعت على دراسات لم يتم تناولها، مثل الدراسات الروسية، التي تبين أن تلك الكارثة الإشعاعية انتشرت بشكل واسع مسببة بذلك الكثير من الأمراض على مر السنين الماضية والقادمة. وتقول المنظمة:" هناك معلومات كثيرة تؤكد أن الأمراض المترتبة على الإشعاعات النووية ما زالت تستمر بالانتشار وتصيب الكثير من الناس، ولكن وكالة الطاقة الذرية أشارت إلى إمكانية وجود عدد قليل من تلك الإصابات، وأن الموضوع ليس بتلك الخطورة". وبالرجوع الى الدراسات التي أجريت مؤخرا من قبل الأكاديمية الروسية للعلوم على روسيا البيضاء، تخمن روسيا وأوكرانيا أنه هناك تقريبا 270.000 حالة مرضية إضافية سببها السرطان الذي تسببه الإشعاعات. ومن المحتمل أن يكون الموت نهاية ما يقارب 93.000 شخص.
تعتيم متعمد على العدد الحقيقي للضحايا
ليست منظمة السلام الأخضر هي الوحيدة التي تبدي شكوكها حول صحة الإحصائيات الرسمية. فادموند لينغفيلدر، الاختصاصي بالبيولوجية الإشعاعية في جامعة ميونخ يقول:" أنا أخمن أن عدد الذين قتلوا فوريا بسبب ذلك الانفجار من تقنيين وفرق الإنقاذ والنجدة وعمال التنظيف وحراس المنطقة، يتراوح بين 50.000 إلى 100.000 شخص". ويضيف لينغفيلدر أيضا:" إن الإحصائيات التي نشرتها السلطات الرسمية لم تحص جميع الحالات منذ البداية حتى النهاية". ويعلق بريور على الموضوع قائلا: "ما تقوم به السلطات المحلية هو محاولة منها للتخفيف من الآثار الجمة المترتبة على انفجار مفاعل تشيرنوبل".