الاعتراف بيهودية إسرائيل أم اللجوء إلى مجلس الأمن؟
١٦ أكتوبر ٢٠١٠أعربت فرنسا عن خيبة أملها من استئناف الحكومة الإسرائيلية نشر عطاءات استيطانية جديدة في القدس الشرقية بعد توقف دام حوالي عام. كما أدانت منظمة المؤتمر الإسلامي ودول الخليج ومصر الخطوة الإسرائيلية؛ ووصفتها الخارجية المصرية بـ"الخطوة الاستفزازية"، معتبرة إياها بمثابة "رد إسرائيلي سلبي على كافة الجهود والاتصالات المبذولة من أجل إنقاذ العملية التفاوضية". وطالبت مصر الولايات المتحدة بالتدخل والتصدي لهذا "العبث الإسرائيلي الذي لا يترك مجالا أو مصداقية لأصوات الاعتدال".
وأكدت مصادر حكومية إسرائيلية بأن قرار نشر العطاءات لبناء 238 وحدة سكنية جديدة، في حَيْيَن استيطانيين في القدس الشرقية (بسغات زئيف وراموت)، قد تم بتنسيق تام مع الإدارة الأمريكية، وهو ما دفع باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الإعلان بأنها "تدرس بعمق خيار التوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن"؛ وهو ما كان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قد أشار إليه في وقت سابق أيضا.
وبدوره طالب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة القيادة الفلسطينية باللجوء إلى الخطوة نفسها طالما أن "الولايات المتحدة لم تستطع أن تفرض حلا على إسرائيل". وأضاف أبو سعدة، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "الأمم المتحدة هي الحَكَم بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل، وبأن هناك قرارات دولية وقانونا دوليا يجب أن يحاكم هذا الاحتلال وما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني".
رفض مقايضة تجميد الاستيطان بالاعتراف بـ يهودية إسرائيل
واستهجن أبو سعدة "قيام واشنطن بالضغط على الجانب الفلسطيني، الذي يعيش منذ 43 عاما تحت الاحتلال، لتقديم تنازلات وخطط بديلة، بينما المطلوب من إسرائيل تقديم إجراءات لبناء الثقة". وذلك في إشارة إلى طلب الإدارة الأمريكية من الجانب الفلسطيني تقديم اقتراح مضاد لاقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حول مقايضة تجميد الاستيطان بيهودية دولة إسرائيل.
وكان نتانياهو قد أعلن في خطاب له في الكنيست استعداد حكومته للعودة إلى تجميد الاستيطان فيما لو وافقت القيادة الفلسطينية على الاعتراف بإسرائيل كدولة "قومية للشعب اليهودي"؛ وهو ما رفضه الفلسطينيون رفضا قاطعا. فالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يهدد ـ في نظر الفلسطينيين ـ "الوجود الفلسطيني والعربي داخل إسرائيل"، لأن مثل هذا الاعتراف سيعطيها "الحق في التخلص من الأقلية العربية وطردها. وهذا ما عبر عنه ليبرمان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسابيع".
ويعرب الباحث الفلسطيني المقيم في غزة، مخيمر أبو سعدة، عن اعتقاده بأن إسرائيل تعرف تماما أن طلبها مرفوض رسميا وشعبيا، لأن منظمة التحرير الفلسطينية "اعترفت بها عام 1993، وهي تطرح هذا الشرط للتملص من استحقاقات عملية السلام لأنها لا تريد وقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال".
"خطأ تاريخي يجب تصحيحه"
ومن جانبه يرى الصحافي والمحلل السياسي المقيم في حيفا رجا زعاترة بأن هذا الاعتراف، لو تم، سيكون له تأثير سلبي على ملفي عودة اللاجئين والأقلية العربية في إسرائيل. ويضيف زعاترة، الذي يعمل في صحيفة الاتحاد التابعة للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بإسرائيل، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعني "تكريس صيغتين للمواطنة في إسرائيل: مواطنة درجة أولى لليهود وأخرى درجة ثانية للعرب".
أما الأكاديمي الإسرائيلي موردخاي كيدار فيرى بأن الحكومات الإسرائيلية السابقة "ارتكبت خطأ تاريخيا حين أحجمت عن المطالبة بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل". ويضيف كيدار، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل عام 1993 هو اعتراف بدولة بلا طابع"، لأن الفلسطينيين يهدفون من خلال ذلك إلى "تكريس عودة اللاجئين لتغيير الطابع الديمغرافي لهذه الدولة كلية؛ وهذا انتحار جماعي للمجتمع اليهودي"، حسب تعبيره. ويشيد كيدار برئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتانياهو الذي "يصحح، بدعوته هذه، الخطأ الذي وقع فيه سلفاه ميناحيم بيغن وإسحق رابين اللذان تنازلا لمصر والأردن عن المطالبة بالاعتراف بيهودية إسرائيل".
"الحدود مقابل الاعتراف؟"
ويستغرب كيدار، وهو أستاذ الدراسات العربية بجامعة بار إيلان، مطالبة الفلسطينيين بوقف الاستيطان كشرط للعودة إلى المفاوضات المباشرة لأن "المستوطنات والبناء فيها لم يكونا عقبة للتوصل إلى اتفاقية سلام مع كل من مصر والأردن، ولا حتى للتوقيع على اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية". ويتهم كيدار القيادة الفلسطينية باستخدام الاستيطان "كورقة توت لعدم الدخول في مفاوضات مع إسرائيل"، رافضا فكرة تحديد حدود إسرائيل التي طالب بها أحد الزعماء الفلسطينيين.
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه قد لمح، في تصريحات صحافية، إلى أن الجانب الفلسطيني قد يعترف بيهودية إسرائيل لو "قدمت الأخيرة، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، خارطة لدولة إسرائيل التي يريدون منا الاعتراف بها "، وهو ما قوبل برفض إسرائيلي عبر عنه نائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم. كما استهجنت بعض الفصائل الفلسطينية ما وصفته بـ"التنازل المجاني الذي قدمه عبد ربه وطالبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإقالته".
أما الباحث الفلسطيني مخيمر أبو سعدة فيرى بأن عباس أوضح في أكثر من مناسبة بأن القيادة الفلسطينية سبق لها واعترفت بدولة إسرائيل، التي تأسست بقرار من الأمم المتحدة. فإذا كانت إسرائيل تريد أن تغير اسمها أو طبيعتها فما عليها "سوى اللجوء إلى الأمم المتحدة مرة أخرى وليس إلى الجانب الفلسطيني". ويعرب أبو سعدة عن اعتقاده بأن عبد ربه أراد أن يقول من خلال تصريحاته الأخيرة بأن "القيادة الفلسطينية الحالية هي أكثر قيادة فلسطينية اعتدالا في التاريخ؛ فإذا سقطت هذه القيادة فلن يكون هناك سلام مع إسرائيل في المستقبل".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي