اقتصاد ألمانيا.. ركود وعجز عن مواجهة خطر إفلاس الشركات
١٨ مارس ٢٠٢٤قبل أيام تم الإعلان عن تراجع معدلات التضخم في ألمانيا إلى 2.5 بالمائة خلال شهر فبراير/ شباط الماضي ليكون بذلك أدنى معدل تضخم عرفه منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. لكن رغم هذا الخبر الجيد بعد طول انتظار يستمر الجدل على مختلف الأصعدة حول المخاوف المتزايدة من شبح الركود الذي يعاني منه الاقتصاد الألماني لسنوات وسبل الخروج منه. يأتي ذلك بعد إعلان الحكومة الألمانية في النصف الثاني من شهر فبراير/ شباط 2024 أن معدلات النمو المتوقعة للعام الجاري ستكون فقط بحدود 0,2 بدلا من 1,3 بالمائة التي توقعتها في الخريف الفائت. وجاء الإعلان بعد أن سجل الاقتصاد الألماني ركودا خلال جائحة كورونا، إضافة إلى ركود بنسبة 0,3 بالمائة خلال العام الماضي 2023. ويزيد الطين بلة أن نموه سيبقى بحدود 0,5 بالمائة أو على عتبة الركود حتى عام 2028 حسب وكالة الصحافة الألمانية (د ب أ).
مؤشرات تراجع عديدة
المؤشرات على التراجع كثيرة بدءا بارتفاع الأسعار وتراجع الطلب وانتهاء بضعف الاستثمارات مرورا بإعلان المزيد من الشركات الألمانية ومن بينها فولكسفاغن، وبي ام دبليو وسيمنس وأليانس عن عزمها نقل المزيد من أنشطتها إلى الخارج وخاصة إلى الولايات المتحدة. كما تعلن المزيد من الشركات المتوسطة والصغيرة الإفلاس أو أنها تواجه الإفلاس. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2023 بلغ عدد التي أعلنت الإفلاس من بينها أكثر من 1500 شركة.
وزير الاقتصاد الألماني روبيرت هابيك وصف الوضع الحالي بأنه "سيء بشكل دراماتيكي". وهناك خشية متزايدة من استمرار التدهور، لاسيما وأن نمو الاقتصاد الألماني يعتمد من جهة على استقرار أسعار الطاقة والمواد الأولية التي كانت تأتيه من الخارج وخاصة من روسيا. ومن جهة أخرى فإن نموه مرتبط بزيادة الصادرات إلى مختلف الأسواق ومن أبرزها السوق الصينية التي تشهد تراجعا في الطلبيات. أما السوق الأمريكية التي تعد أحد أهم ثلاثة أسوق للصادرات الألمانية فإنها تشهد إجراءات حمائية تؤثر أيضا بشكل سلبي على تدفق السلع الألمانية.
هل حكومة شولتس حقا بلا مسار؟
يركز الجدل الدائر بشأن المخاوف من استمرار الركود وتبعاتها على عدة جوانب من أبرزها ضعف أداء حكومة المستشار أولاف شولتس في مواجهة تحديات وصعوبات اقتصادية في غاية الخطورة على عدد كبير من الشركات الألمانية. ولم يغير من التركيز على هذا الجانب انشغال حكومة المستشار بمواجهة تحديات أمنية وعسكرية فرضتها الحرب في أوكرانيا ولم تكن في الحسبان. فعلى شاشة محطة التلفزيون الألمانية الثانية/ ZDF على سبيل المثال قدمت الإعلامية المعروفة مايبرت إلنر حلقة من برنامجها الحواري المعروف الذي يحمل اسمها تحت عنوان "الاقتصاد الألماني على وشك الانهيار- والحكومة بلا مسار". تقديم البرنامج تحت عنوان كهذا وإن دل على شيء فعلى مستوى تراجع الأداء الذي حل بأقوى اقتصاد في أوروبا خلال الأعوام القليلة الماضية وبشكل خاص منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
جدل شبه عقيم وخلافات لا تنتهي
يُظهر الجدل اختلافات كبيرة في التصورات المتعلقة بإيجاد الحلول لأزمة الاقتصاد سواء داخل الائتلاف الحاكم/ ائتلاف إشارة المرور من جهة، وبينه وبين المعارضة وممثلي النقابات والشركات وعلى رأسها اتحادات غرف الصناعة والتجارة من جهة أخرى. وزير الاقتصاد الألماني من جهته عزا السبب إلى بطء وتيرة نمو التجارة العالمية. غير أن الوزير تجاهل حقيقة أن ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج الصناعي وبطء حكومته في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها أبرز أسباب الركود.
ومن شأن هذا الارتفاع تقليص القدرة التنافسية لألمانيا في السوق العالمية أمام منتجات دول أخرى كالصين وكوريا الجنوبية وفيتنام وإندونيسيا. هذا وتزداد الصعوبات التي تواجه الصناعة الألمانية على ضوء الدعم الحكومي الذي يتلقاه المنتج الصناعي الأمريكي والصيني في الوقت الذي قامت فيه الحكومة الألمانية بتقليص دعمها وإلغائه على أكثر من صعيد. ويزيد الأمر صعوبة على الاقتصاد الألماني أن صناعته التي تواجه تحديات غير مسبوقة هي أهم قطاعاته إذا تساهم لوحدها بنحو 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
الحكومة تقلص حزمة تحفيز النمو
لا تفوت حكومة المستشار أولاف شولتس فرصة للتأكيد على عزمها مواجهة التراجع الاقتصادي. وفي هذا الإطار تقترح الإسراع بتنفيذ القرارات المتعلقة بتقليص الإجراءات البيروقراطية واعتماد حزمة لتحفيز النمو الاقتصادي في الصناعة بقيمة 3 مليارات يورو. وسبق للحكومة أن اقترحت الحزمة بقيمة 7 مليارات قبل أن تقلصها إلى أكثر من النصف على ضوء العجز المتوقع للموازنة المالية هذه السنة.
وتتضمن الحزمة إعفاءات ضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطةحتى عام 2028. غير أن المعارضة التي تحتاج الحكومة إلى موافقتها لا تنوي الموافقة عليها قبل تراجع حكومة شولتس عن عزمها إلغاء الدعم المخصص لوقود الديزل الزراعي، وهو الأمر الذي أثار حملة احتجاجات واسعة في صفوف المزارعين لم تهدأ بعد.
مطالب ملحة وشكوك في قدرة الحكومة
وفي الوقت الذي يستمر فيه الجدل دون نتيجة في الأفق حتى الآن أرسل ممثلون عن 18 من الجمعيات والاتحادات الاقتصادية رسالة إلى رؤساء حكومات الولايات يطالبون فيها بشكل ملح بالسرعة في إقرار الحزمة. وجاء في الرسالة أن " الخطر القائم يتطلب الإسراع في إنقاذ الشركات المتوسطة التي تشكل 99 بالمائة من جميع الشركات، وهي بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الألماني". وسبق للحكومة الألمانية أن فاجأت الشركات قبل أشهر قليلة بتقليص الدعم وضخ الاستثمارات في أكثر من مجال مثل صناعة السيارات وتحديث شبكة القطارات والاتصالات بعد قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية اعتماد 60 مليار دولار في موازنة 2024 من أموال غير مستخدمة كانت مخصصة لمكافحة جائحة كورونا. ويأتي ذلك في وقت صعب تفقد فيه الصناعة الألمانية الكثير من ميزاتها التنافسية. ويزداد الضغط عليها بعد قيام واشنطن بتخصيص أكثر من 400 مليار دولار لدعم الصناعة الأمريكية وتشجيع صادراتها وجذب الشركات الأجنبية للعمل والاستثمار في السوق الأمريكية بموجب "قانون خفض التضخم لعام 2022" الذي أقرته حكومة الرئيس جو بايدن.
على ضوء ذلك تتزايد الشكوك ما إذا كانت حكومة المستشار شولتس قادرة على تلبية مطالب ممثلي الشركات الألمانية التي تواجه تحديات غير مسبوقة. ويزيد من هذه الشكوك استمرار الخلافات حول السياسة الاقتصادية التي ينبغي اتباعها داخل التحالف الحاكم بزعامة المستشار أولاف شولتس إضافة إلى تزايد أعباء الحرب في أوكرانيا وتبعات تحويل جزء من التجارة العالمية بالسفن إلى رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس. وعلى سبيل المثال يقدر المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW) أن تكاليف الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد الألماني زادت على 200 مليار يورو حتى الآن. وقد خصصت الحكومة الألمانية أكثر من 7 مليارات يورو لدعم أوكرانيا هذه السنة في الوقت الذي ما تزال فيه حزمة تحفيز النمو الاقتصادي بقيمة 3 مليارات يورو على قائمة الانتظار.