البحث عن المستقبل من خلال عوالم الغيب والنجوم
٢٥ يناير ٢٠١٢قبل سنوات طويلة تسربت ظاهرة "التنجيم والتنبؤ بالمستقبل" إلى لبنان حيث يتعلق بها عدد كبير من المواطنين صغارا وكبارا، فينجرفون بشغف ويترقبون ما يتوقعه علماء الفلك والمتخصصون في عالم الغيبيات، وغالبا ما تتناولها الكتب و وسائل الإعلام الكثيرة مطلع كل عام. وعادة ما يتبنى الرأي العام هذه التوقعات لتتحول مقولة "كذب المنجمون ولو صدقوا" إلى عكس ذلك وبذلك يصبح المنجمون والعرافون نجوما منافسة لأهل الفن والسياسة أمام جمهور مستعد لتقبل أية قراءة للمستقبل. وعلى الرغم من أن نسبة كبيرة من المواطنين في لبنان تعتبر فئة متعلمة، إلا أن الكثير من هؤلاء يرون في التنجيم علما قائما بحد ذاته، يهيمن على العقول، ويتحول إلى بوصلة للحياة اليومية. ويفسر العديد من هؤلاء أن حالة اليأس والعجز أمام الأزمة السياسية والإقتصادية التي يعيشها المواطن اللبناني تجعله ينجرف بطريقة لاإرادية إلى فضاء الوهم والخيال، حيث يجد فيه متنفسا لما لا يمكن تحقيقه في الواقع، فيصدق الغيب حتى ولو كان خيالا.
في متاهات التنجيم وعالم الغيب
وهناك عدد من اللبنانيين الذين يتعاملون مع هذه التوقعات من باب التشوق والرغبة في التقرب من عالم الغيب عبر التخمينات في حين هناك أيضا من يرفض تصديقها من منطلق أن الكثير من تلك التوقعات عادة ما لا تحدث. وفي نفس الوقت تستغل وسائل الاعلام المختلفة كل فرصة لتقديم منبرها إلى "علماء الفلك" والمنجمين لمناقشة ما تحقق من توقعاتهم وما سيحمله المستقبل من أحداث، مساهمة بذلك في تشبث الجمهور بهذه التوقعات.
ليلة رأس السنة الماضية، لم تخرج رانيا، 25 عاما، من منزلها، وإنما قررت البقاء في بيتها أمام التلفاز. لم يكن سعر تذكرة السهرة المرتفعة هو سبب بقائها في البيت، بل إنها تجاوبت فقط مع دعوات وسائل الإعلام لمتابعة ما سيقدمه المنجمون من توقعات مستقبلية. فهي تشاهد على الشاشة أحدهم داخل الإستديو، بكامل أناقته، ومؤثرات صوتية وموسيقية توحي بمناخ الرعب وهو يسرد توقعاته من الأحداث المستقبلية، محليا وعالميا على مدى ساعات طويلة. الفتاة الجامعية رانيا التي تكمل اختصاصها بالماجستير، تصف "أصحاب الرؤيا المستقبلية" بنجوم سهرة رأس السنة بلا منازع، وهم برأيها يفوقون شعبية المطربين والفنانين. وتشير إلى أن الأمر لا يرتبط بمدى عقلانية المشاهد أوثقافة تصديق تلك التوقعات أو عدم تصديقها، بل فقط لأنه "لا يخلو من التشويق وحب معرفة الأمور قبل حدوثها". وفيما ترى رانيا أن ما يتنبأه ميشال حايك مثلا، يجعلها أكثرمعرفة بالتحليل والتعمق في الأمور السياسية والإقتصادية والأمنية، فإنها تؤكد أن التوقعات "هي لعبة إمحاء للزمن وحرب على المجهول".
العرافون ينافسون نجوم الفن
يبدأ نهار زينة وهي معلمة لغة إنكليزية، كل صباح بالإستماع إلى برنامج الأبراج الذي تبثه إحدى الإذاعات اللبنانية وذلك أثناء توجهها بسيارتها إلى العمل. فهي تركز على صوت المذيعة "عالمة الفلك"، ويفاجئها العدد الكبير للمستمعين من تفاعلاتهم مع البرنامج ، وجاذبية التواصل الذي يبدو أفضل من لغة التواصل السياسي في بلدها. فهي تقيس ببساطة أحوال يومها من أجواءه صافية أو عكرة بحسب ما تقوله تلك المنجمة. وتعزو الفتاة هذا الولع الشديد بمشاهدة مثل هذه البرامج إلى اعتبار التنجيم "علما قائما بذاته كأي علم آخر". وفي أيام العطلة، تقضي زينة ووالدتها وقتها أمام إحدى شاشات القنوات المحلية التي تخصص فترة صباحية لقراءة الأبراج والطالع. وتشير زينة إلى أن عالمة الفلك التي تتابعها بشغف درست في أكاديمية فلكية متخصصة ومن كبرى المعاهد الأميركية، وتؤكد أن طريقة عملها في الإستديو يعتمد على تقنيات حديثة وبيانات مضبوطة على شاشة الكومبيوتر وليس على المعالجة العشوائية للتوقعات. وتشير إلى أن رؤسائها في العمل يواظبون أيضا على شراء كتب الأبراج وأبرزها لماغي فرح وكارمن شماس من أجل الإستدلال على بوادر العام الجديد وما يحمل في طياته من توقعات مستقبلية.
ويوافقها في هذا الموقف الشاب ابراهيم الذي يشير إلى أن التنبؤات والتوقعات قد تصح أو لا تصح، لكن ذلك لا يؤثر على شعبية المنجمين. ويشير إبراهيم إلى أن "للمنجمين في لبنان رصيداً من المصداقية والواقعية عادة ما يفتقر اليها السياسيون". ويرفض إبراهيم الذي يعمل في إحدى شركات التسويق ما يقال من أن المواطنين العاديين هم فقط من يتشوقون لمعرفة الغيب، مشيرا الى أن المثقفين والأكاديميين والسياسيون يتعاملون بشعور التكبر تجاه القدرات الخارقة للمنجمين وعلماء الفلك".
هوس بالغيب
وتستغرب فئة من اللبنانيين الرافضين لهذه الظاهرة من تحول اهتمام الفلكيين والعرافين من الكلام عن أمور اجتماعية للحديث عن توقعات ترتبط بمستقبل عوالم السياسة والأمن والإقتصاد رغم عدم حدوث ما يتكهنون به في غالب الأحيان. وهم يعتقدون أن ما يحصل من ترويج في وسائل الإعلام اللبنانية للمنجمين لا يعبر إلا عن عملية تجارية بالكامل، حيث إن الإهتمام الكبير بهذه الظاهرة يؤمن لقنوات الإعلام الحصول على صفقات الدعاية المربحة. وهذا ما دفع بوسام للتساؤل "كيف يستطيع المنجمون، الهيمنة على عقولنا رغم ما يفتخر به اللبناني من درجة تعليم عالية وثقافة واسعة"؟ ويصف بدوره توقعات علماء الفلك بالمغالطة، فإذا تحققت يكون ذلك من باب "الصدفة وليس غير ذلك". كما إنه يصف جمهور هؤلاء بـ"المهووسين" ويقول "لماذا يقبل أي إنسان عاقل بأن يكون أسير الأوهام والتخيلات"؟
دارين العمري
مراجعة: عبدالحي العلمي