التضليل الإعلامي الروسي يتستر بعباءة وسائل إعلام عالمية
١٨ يوليو ٢٠٢٢"يبدو وكأنه تقرير لـ DW" يقول مستخدم ياباني معلقا على مقطع فيديو يزعم أنه لـ DW نشر على تويتر، حول لاجئ أوكراني قيل إنه ابتز نساء ألمانيات. مقطع الفيديو يوجه اتهاما خطيرا لأوكراني اسمه "بيترو سافتشينكو". ومستخدم تويتر الذي علق على الفيديو تابع في تعليقه "أريد أن أري الفيديو الأصلي. رجاء أرسلوا لي رابط الفيديو الأصلي على النت". تعليق المستخدم يدل على وجود شكوك لديه، وهو محق في ذلك. حيث ليس هناك فيديو أصلي، فمقطع الفيديو حول اللاجئ المتهم، مزور.
هذا الفيديو ليس حالة فردية، فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا،تنتشر في الانترنت معلومات مزورة. وتلعب مقاطع الفيديو والصور دورا خاصا، حيث يتم تقديمها ونشرها على أنها من وسائل إعلام عالمية مثل سي إن إن وبي بي سي أوDW. وبعضها تصل إلى مئات الآلاف من مستخدمي النت ووسائل التواصل الاجتماعي. والهدف من ذلك هو إثارة الشك وعدم الثقة بوسائل الإعلام الغربية وتقاريرها والإساءة إليها.
فيديو مزور لـ DW حول لاجئ أوكراني
الفيديو المشار إليه أعلاه وتعليق المستخدم الياباني عليه، يدور حول لاجئ أوكراني اسمه "بيترو سافتشينكو" ابتز عشرات الألمانيات. ويزعم أنه هددهن بنشر "صور إباحية" لهن التقطها بكاميرا خفية بعد أن تعرف عليهن في إحدى الحانات. ويزعم الفيديو أن الشرطة تحقق مع هذا اللاجئ وأنه معرض للحبس أيضا. هذا الفيديو الذي حصل على حوالي ألف مشاهدة، يبدو من الوهلة الأولى وكأنه صحيح وحقيقي من انتاج DW. ولكن بالتدقيق فيه يتم اكتشاف بعض الأمور التي تدل على أنه مزور وليس من انتاج DW، ومن تلك الأمور نوع الخط المستخدم في الفيديو، وفي نهاية كل جملة هناك نقاط، وهو ما لا نجده في فيديوهات DW. وما يثير الشك أيضا اسم "بيترو سافتشينكو" الذي لدى البحث عنه في محركات البحث، لا تظهر أي نتيجة. كما أن أي وسيلة إعلام لم تتحدث عن هذه الحادثة وابتزاز النساء من قبل لاجئ أوكراني، لا باللغة الألمانية ولا الإنكليزية أو الأوكرانية. وعلاوة على ذلك فإن الفيديو لا يشير إلى زمان ومكان حدوث عمليات الابتزاز.
وبالبحث عن صورة اللاجئ الأوكراني المزعوم في الفيديو، تم التعرف على صاحب الصورة في الموقع الالكتروني الروسي: TopDB.ru ويدعى صاحب الصورة الأصلي بافل بوبيرتشني من سيفاستوبول ولا يعيش في ألمانيا. وكل التهم والمزاعم المذكورة في الفيديو لا يوجد أي دليل يثبتها.
فيديو مزور منسوب لـ بي بي سي عن هجوم صاروخي على كراماتورسك
فيديو آخر منسوب لـ بي بي سي، حصل على مشاهدات أكبر بكثير من الفيديو المزور المنسوب لـ DW. بعد الهجوم الصاروخي الروسي على محطة قطارات كراماتورسك والذي أودى بحياة الكثير من المدنيين، انتشر فيديو أعيد نشره مرات عديدة وحصل على مجموع مشاهدات وصل إلى نصف مليون مشاهدة. وتمت مشاركته على الكثير من حسابات المستخدمين المؤيدين لروسيا، وتظهر في الفيديو جثث الضحايا وصاروخا سقط بالقرب من المكان، مكتوب في الفيديو أن الصاروخ يعود للقوات الأوكرانية التي أطلقته على شعبها.
بي بي سي نفت ذلك وأكدت أن الفيديو مزور وغير صحيح. ومنتج بي بي سي جو إنوود الذي غطى الهجوم على المحطة، أكد أن التقرير ليس حقيقيا لكنه يحمل علامة/ شعار بي بي سي، وهو ما يثير الخوف من نشر المزيد من المواد المزورة. وقد تم توثيق هذا الفيديو على إحدى قنوات تويتر الأوكرانية التي تشير إلى أنه مزور.
مقطع الفيديو الذي انتشر بسرعة يبدو من الوهلة الأولى حقيقيا، لكن مدققي الحقائق لدى محطة BR الألمانية وجدوا فقط في الساعة الأولى من البحث منشورات باللغات: الألمانية والإنكليزية والإيطالية والإسبانية والكتالونية والهندية والفرنسية. لذا تحدث خبير الحرب السيرانية، ساندرو جايكن، لـ BR عن "عملية مركزة لكنها عاجلة" للتضليل الإعلامي. وفي مقابلة مع DW أوضح رومان أوزادتشوك، الباحث لدى مركز الدراسات "أتلانتيك كاونسل/ Atlantic Council" في بريطانيا أن "في حالة كراماتورسك لم يكن الأمر مجرد فيديو مزور، وإنما كان جزء صغيرا من حملة كاملة، يراد منها إقناع الناس بأن أوكرانيا تقصف شعبها، وهذا أمر غير معقول". وكان الفيديو مصحوبا بالعديد من المنشورات على تلغرام ومنصات أخرى.
من يقف وراء هجمات التضليل الإعلامي هذه؟
لا يعرف دائما ومباشرة المنتج الحقيقي للفيديو أو الصور أو التغريدات المزورة. لكن الخبراء يرون أن هناك آثار/ بصمات تقود إلى روسيا. جوزفين لوكيتو، الأستاذة في مدرسة الصحافة والإعلام بجامعة تكساس في الولايات المتحدة، ترى أن هناك بينة احترافية تقف وراء الإنتاج الإعلامي المزور. لكن الكثير من حملات التضليل الإعلامي المؤيدة لروسيا، تعود إلى وكالة أبحاث الإنترنت (IRA) الروسية التي تنشط منذ عام 2012. وقد اشتهرت الوكالة بمحاولاتها التأثير على حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. كما أنها نشرت الكثير من الأخبار الكاذبة عن أوكرانيا منذ عام 2014.
"هدف روسيا من التضليل الإعلامي على المدى الطويل، هو زرع عدم الثقة في النظام الإعلامي" تقول أستاذة الإعلام جوزفين لوكيتو. وإلى جانب ذلك تستغل مصداقية وسائل الإعلام الإخبارية عمدا لأغراضها الخاصة. وهذه ظاهرة جديدة إلى حد ما في التضليل الإعلامي، حيث يتم من خلالها نشر أخبار يزعم أنها جادة وصحيحة "تحت راية مزورة".
إنغو مانتويفل، مسؤول الأمن السيبراني لدى مؤسسة DW يؤكد أن "غالبا ما تكونجهات حكومية أو مقربة من الدولة وراء هذا الإنتاج المعقد للمعلومات المضللة". وفي حالة محددة تتعلق بـ DW حاول منتجو الفيديو المزور باستخدام شعار DW "منح المعلومة المضللة مصداقية والتأثير على الرأي العام الياباني من خلال منصة تويتر بما يتماشى مع دعاية الكرملين". هذا النوع من التضليل يسمى الانتحال، حيث يتم من خلاله تزوير الهوية الرقمية لكسب الثقة والمصداقية.
كيف يعمل منتجو الفيديوهات المزورة؟
بالعادة تعتمد المواد المزيفة على نسخة طبق الأصل للمحطة المعنية، وقد توصل باحثو مركز "اتلانتيك كاونسل /Atlantic Council" أيضا إلى هذا الاستنتاج. في حالة فيدو بي بي سي المزيف، تم نسخ شعار بي بي سي ونوع وتصميم الكتابة وأسلوب المحطة، ليبدو الفيديو حقيقيا ويعود فعلا لـ بي بي سي، تقول الباحثة إبتو بوزياشفيلي، وتضيف: "لقد أخذوا كل ما يتكون منه فيديو بي بي سي بما في ذلك العنوان، ثم أنتجوا فيديوهات مزيفة". ليس صعبا جدا انتاج هكذا نسخة مماثلة، إنه يحتاج معرفة بتحرير الفيديو والبرامج اللازمة.
هل تحقق الأخبار الكاذبة نجاحا؟
من الصعب تقدير مدى تأثير الأخبار الكاذبة وخاصة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، يقول سكوت رادنيتز، الأستاذ في مدرسة هنري إم. جاكسون للدراسات الدولية بجامعة واشنطن في ولاية سياتل الأمريكية. ويضيف بأنه و"بسبب حقيقة أن معظم الناس لديهم رأي وموقف واضح من الحرب في أوكرانيا، المحتمل أكثر أنهم يتلقون ويتقبلون الأخبار التي تؤيد وجهة نظرهم، وبالفطرة يرفضون ما يتناقض مع ذلك". لذلك فإن حملات "التضليل الإعلامي" تكون موجهة أكثر إلى من يتقبلون هذه المعلومات. ومن هنا فإنه وإلى حد ما "شرف" لـ بي بي سي وسي إن إن و DW أن تصبح هدفا لحملات التضليل، وبالتالي ينظر إليها كلاعب مهم يتمتع بالمصداقية، يقول رادنيتز، في حواره مع DW.
جوشوا فيبر/ راشيل بايغ/ ع.ج