الحديقة الإنكليزية في ميونخ.. جنة خضراء في الجنوب الألماني
١ يونيو ٢٠١٣في عطلة نهاية الأسبوع وفي يوم أحد دافئ حرارته 20 درجة مئوية لا يمكن الذهاب إلى مكان في مدينة ميونخ الألمانية أجمل من الحديقة الإنكليزية. أصطحب ثلاثة من أصدقائي، نركب قطار الأنفاق الذي يسير بنا حتى ساحة (مونشينَر فراهايت - FreiheitMünchner) حيث ننزل ثم نتمشى سيراً على الأقدام إلى بحيرة (كلاينهيسيلوَر زيه - Kleinhesseloher See)الاصطناعية الواقعة في الحديقة.
وكما توقعنا فلم نكن الوحيدين في هذا المكان، بل ربما جاء كل سكان ميونخ إلى الحديقة الإنكليزية، فيما يبدو. فمنهم الراكبون لدراجاتهم ومنهم الممارسون لرياضة العَدْو ومنهم المتمشون والمتنزهون، ومنهم الجالسون على بساط على المرج الأخضر وبجانبهم سلال من الطعام والشراب ومنهم مَن يلعبون بالكرات الطائرة ومضارب كرات الريشة. كما نرى عائلات وعربات للأطفال وكلاباً أليفة ومشروبات باردة وخبزاً قديماً لإطعام البط، وأناساً كثيرين مرتدين نظاراتهم الشمسية في هذا اليوم المشرق.
جهتنا الأولى هي إلى مطعم زيهاوس الواقع على البحيرة الاصطناعية وحوله حديقة للبيرة، وهي مكان في الهواء الطلق مخصص لشرب البيرة. نجلس في هذا المكان ونشرب مشروب الـ رادلَر، وهو خليط من البيرة وعصير الليمون، يُقَدَّم في قدح سعته ليتر كامل. وإلى جانب ذلك نأكل من خبز البريتسيل Brezelالألماني المالح والذي نسميه عندنا في ولاية بفاريا بالـ بريتسين Brezn. أنظر إلى الجالسين معي على الطاولة وأسألهم: "هل تعرفون منذ متى توجد الحديقة الإنكليزية في هذا المكان؟" وأتابع كلامي مجيبةً: "منذ عام 1789 حين سمح الأمير كارل تيودور لعامّة الناس بالتنزه في أرض الحديقة".
لم يكن القاعدون حول طاولتي يعرفون ذلك، فتابعتُ قولي: "مصمم الحديقة هو فريدريش لودفيغ فون سكيل الذي ينحدر من مدينة ميونخ وصمم الحديقة على نمط الحدائق الإنكليزية الشبيهة بالمناطق الريفية الجميلة، ومن هنا جاء اسم هذه الحديقة فسُمِّيَت بـ (الحديقة الإنكليزية)". نتمشى على طول البحيرة ومعنا ما تبقى من البيرة وخبز البريتسيل، نصادف أمامنا مباشرةً النصب التذكاري لمصمم الحديقة فريدريش لودفيغ فون سكيل.
رقْصة "كوخَرْلبال" التقليدية حول البرج
نواصل المسير إلى برج في الحديقة الإنكليزية اسمه: البرج الصيني وهو يشبه مباني الباغودا (المعابد التي يمارس فيها البوذيون طقوسهم الدينية وباتت نمطاً مميزاً للعمارة الآسيوية). بُنِيَ هذا البرج من الخشب عام 1790 ويبلغ ارتفاعه 25 متراً، لكنه احترق عدة مرات في تاريخه، وفي كل مرة كان يعاد بناؤه من جديد كما كان في الأصل ومن الخشب أيضاً، وكانت آخر مرة تمت فيها إعادة بنائه عام 1952.
وحول برج الباغودا توجد حديقة مخصصة لشرب البيرة يبلغ عدد مقاعدها سبعة آلاف مقعد، وبذا تكون ثاني أكبر مكان مخصص لشرب البيرة في مدينة ميونخ الألمانية. المزاج العام هنا رائع دائماً وخاصة حين برقص الناس رقصة كوخَرلبَال التقليدية، وهي فعالية تقام مرة واحدة فقط في فصل الصيف عند البرج الصيني في الحديقة الإنكليزية، وفيها يحتفل الناس ويرقصون لمدة أربع ساعات، وبالتحديد من الساعة السادسة من صباح أحد أيام الأحد الصيفية وحتى الساعة العاشرة من الصباح ذاته.
زيارة "المعبد الإغريقي" ومقهى الشاي الياباني
ثم نمر ببناء مدوّر الشكل ذي أعمدة وسقف ولكن دون جدران وهو على شكل معبد (مونوبتيروس – Monopteros) الإغريقي، وقد صممه المعماري الألماني ليو فون كلينتسِه المنحدر من مدينة ميونخ. ويطل هذا البناء، بحكم موقعه المميز والمرتفع، على كامل الحديقة، ويمكن للناظر رؤية كل المروج الخضراء الواسعة المغطية للحديقة من بدايتها حتى نهايتها.
إنها فرصة رائعة لالتقاط الصور التذكارية الجميلة. فعلى مرمى النظر يمكن رؤية قمم أبراج كنيسة (فراوين كيرشه Frauenkirche) وكنيسة (تيآتينَركيرشِه Theatinerkirche) من خلف الأشجار الكثيفة في مركز مدينة ميونخ. أما المنظر البانورامي من هذا المكان المرتفع للحديقة المترامية الأطراف بما فيها من متنزهين وأناس جالسين على العشب فهو من أكثر ما يثير الاهتمام والمتعة. نتابع المسير ونخرج على بعد خطوات من الحديقة الإنكليزية، فنرى جدول ماء مشهورا بأمواجه المتلاطمة يتزلج فيه الهُواة على ألواحهم في قلب مدينة ميونخ.
نعود إلى الحديقة من جديد نمشي فيها ونصادف المقهى الياباني، الذي بُني عام 1972 بمناسبة انطلاق الألعاب الأولمبية التي أقيمت في مدينة ميونخ آنذاك. في هذا المقهى يقام كل ثالث يوم أحد في شهر يوليو/ تموز مهرجانٌ احتفاليٌّ يُشرَب فيه الشاي الياباني المميز. المقهى مغلق اليوم للأسف. ولكن لا بأس، فأنا وأصدقائي متشوّقون لزيارة الجزء الشمالي للحديقة وهو الجزء الهادئ من الحديقة الإنكليزية في مدينة ميونخ الألمانية.