الخبير الإعلامي عبد الوهاب الرامي: الصحافة المدنية تؤسس لثقافة إعلامية جديدة
٢٠ أغسطس ٢٠١١تجدد النقاش حول الدور المنوط بالإعلام في العالم العربي خاصة في ضوء الثورات الحالية، التي اجتاحت عددا من الأقطار، فبقدر ما استفاد هذا الحراك المجتمعي من الإعلام على مستوى نشر المعلومة وكذلك على مستوى تجييش الجماهير، بقدر ما يمكنه التأثير إيجابا على المشهد الإعلامي عامة، وذلك من خلال التأسيس لمرحلة جديدة يكون عنوانها انفتاح العالم العربي على الديمقراطية. دويتشه فيله حاورت الخبير الإعلامي المغربي عبد الوهاب الرامي حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على المشهد الإعلامي العربي.
دويتشه فيله: أصدرت مؤخرا كتابا عن الأجناس الصحفية يعتبر الأول من نوعه في العالم العربي. كيف تقيم الممارسة الإعلامية في الدول العربية؟
عبد الوهاب الرامي: الممارسة الإعلامية العربية في تقدم، لكنها تحتاج إلى أسس، لأن الممارسة الإعلامية بطبيعتها تدخل في إطار الممارسة الديمقراطية وبالتالي يجب في نفس الآن دمقرطة الممارسة الإعلامية من جهة، ودمقرطة الأجواء المحيطة بها من جهة أخرى. في اعتباري أن هناك جدلا بين التوجهات السياسية الكبرى وانخراط المؤسسات الإعلامية في هذا المجهود المفتوح على الديمقراطية، وبقدر ما توسع الممارسة الإعلامية هامش الديمقراطية بقدر ما تستفيد منه.
وبالتالي نقول إن الممارسة الإعلامية هي ممارسات في الواقع، لأنها يمكن أن توزع إلى شق مرتبط بالممارسة التقنية أو ما نسميها بالمهنية ويمكننا أن نتحدث أيضا عن أخلاقيات المهنة، وعن الدور المنوط في مرحلة من المراحل بهذه المهنة. والملاحظ أن هناك خصاصا على هذه المستويات الثلاث. ولاشك أن مجيء الانترنت وظهور ما يسمى بالصحافة المواطنة أو الصحافة المدنية يمكن أن يغير من طبيعة التعامل مع المهنة عامة، ويمكن للصحافة العربية أن تستفيد من هذا المد سواء على المستوى الالكتروني أو على مستويات أخرى.
ما هي أسباب صدور هذا الكتاب الجديد، ولماذا هذا التوقيت بالذات؟
أنا أعتبر أننا في مفصل بين الهواية والمهنية على مستوى الممارسة الإعلامية، وأقول دائما بأن الصحفي، الذي لا يملك ناصية الأدوات التي يشتغل بها هو صحفي هاو وان امتد به المراس إلى ثلاثين أو أربعين سنة. وبالتالي فالأجناس الصحفية هي بوابة المهنية، فعندما نتكلم عن الجنس الصحفي نتكلم عن طريقة تدبير الوقت الصحفي، ونتكلم كذلك عن التصور المرتبط بالأداء في الميدان، وعن الحجم الذي نود إعطاءه للمقال.
وإذا لم نستطع أن نميز بين هذه الأجناس على مستوى التصور، ولم نستطع أن نشتغل بها على المستوى العملي الميداني، فإننا لن نكون إلا أنصاف صحفيين في أحسن الحالات. ولذلك أصدرت من قبل دلائل حول الممارسة الصحفية، لكنني أعتبر أن الأجناس الصحفية هي القاعدة الأساس، التي يجب على الصحفي أن ينطلق منها في المعاهد والمدارس، التي تعنى بتلقين الصحافة، أو على مستوى التكوين الذاتي للصحفيين، الذين لم يستطيعوا ولوج تلك المدارس. فهذا شيء رئيسي يؤسس لباقي التكوينات الأخرى المرتبطة بتعميق جنس من الأجناس كالتحقيق والاستطلاع.
على ذكر مسألة التكوين، أين يكمن الخلل في نظرك في الإعلام العربي. هل في ضعف التكوين أم في عدم انتشار ثقافة الوعي بالمعلومة؟
أظن أولا أنه مرتبط بثقافة الصحافة وثقافة المهنة، فالمدارس لا تعطي هذا النوع من الثقافة فهي قد تجنح إلى الأشياء التقنية. والمسألة الثانية هناك شح على مستوى التطبيق أو المنحى العملي في التكوين، في حين أن الشق النظري مضخم. كما يمكن القول إن المدرسين يلجؤون إلى الشق النظري من أجل الهروب من التطبيقات التي هي صلب العمل الصحفي. ثم إن هناك شرخا بين المحيط الذي تشتغل فيه المؤسسات الإعلامية ومؤسسات التكوين الصحفي، ولحد الآن لم يتم جسر الهوة القائمة بينهما.
وفي اعتقادي انه على مستوى الأعمال التطبيقية النهائية يجب إشراك الممارسين داخل حقل المهنة للاستفادة من خبراتهم، ويجب أيضا إيجاد منظومة للتكوين تستطيع في ذات الآن أن تبقي على الشق النظري المرتبط بالصحافة، لأنه مهم جدا، وبين الشق التطبيقي الذي يمكن أن نشرك فيه الممارسين الذين لهم تفوق ولهم باع ولهم ثقافة سياسية مرتبطة بالمحيط العربي عامة.
كما يجب أن نؤكد على شيء مهم جدا وهو أن الصحافة مفتوحة على السياسة، وأنه يجب على الصحفي حتى وان كان يشتغل في الرياضة أو في الاجتماع أن يمتلك هذه المعلومات الأساسية المرتبطة بصيرورة المجتمع.
مع الثورات العربية الأخيرة أضحى هناك استعمال كثيف لوسائل الاتصال الحديثة من قبيل الفايسبوك والتويتر واليوتيب، هل تشكل هذه الشبكات منافسة لوسائل الإعلام التقليدية؟
أنا لا أظن أنها تشكل منافسة لوسائل الإعلام التقليدية بقدر ما يمكن لهذه الوسائل الإعلامية التي نسميها تقليدية أن تستفيد من التكنولوجيات الحديثة، وأن تستفيد من المواقع الاجتماعية بكافة أشكالها. ويبدو هذا الأمر جليا في كثير من المواقع الرقمية لكثير من الصحف الورقية. ففي اعتباري أن ما نسميه الإعلام المواطن أو المدني، الذي يمكن أن نشرك في المواطنين عامة مهم جدا، لكي نستشرف أفق الصحافة التي نسميها تقليدية.
وفي جميع الحالات الصحفي الكامل الآن هو الذي يستطيع الاشتغال في الصحافة الالكترونية وكذلك في الصحافة التقليدية. ولاشك أن الاختلاف بينهما بدأ في التلاشي على أساس أن هناك جملة من مواصفات الصحافة الورقية بدأت تستأنس بسمات الصحافة الالكترونية من حيث قصر المقالات، ومن حيث الاشتغال على الصورة وطريقة ترتيب المواضيع والعنونة، فالصحافة التقليدية والصحافة الالكترونية تتعايشان الآن، وفي المستقبل قد لا نجد صحفا ورقية بمعزل عن النسخ الالكترونية.
ماذا يمكن أن يحسب للإعلام العربي في الفترة الأخيرة، أو بصيغة أخرى ما هي جوانبه الايجابية؟
في الآونة الأخيرة ظهرت خاصية مرتبطة بالإعلام الالكتروني تتمثل في قدرته الخارقة على حشد الرأي العام من خلال الشبكات الاجتماعية خاصة، وهذا مرتبط بخصائص الصحافة الالكترونية، وبشكل عام بالانترنت. فهذا العالم يحقق الانفتاح الحميمي للشخص على ذوات الآخرين، ويحقق نوعا من "المجهولية" حيث أن الإنسان لا يضطر إلى الكشف عن اسمه وهو يقدم المعلومة، ويتيح كذلك البحث السريع والتفاعلي معها.
وكان جزء من الناس يتصورون أن هذه الحركية الافتراضية ستظل محصورة في الحيز الافتراضي المرتبط بالانترنت، لكننا يمكن أن نعتبر ما هو افتراضي تصورا أوليا للانفتاح على الفعل وهذا ما حدث فيما يسمى بالربيع العربي، بحيث يتم حشد الرأي والتنظيم عبر الشبكات الاجتماعية، وهذا يعطي للمواطن إحساسا بأننا في محيط ديمقراطي أكثر مما هو عليه واقع الحال في البلدان العربية. وبالتالي فنحن أصبحنا في عداد ما نسميه "الصحافة الفعل"، وهذا مرتبط بتطور الصحافة المواطنة أو الصحافة المدنية، فأكيد أن هذا الأمر سيؤخذ بعين الاعتبار في كل البلدان، وحتى في فرنسا تم تكوين المجلس الأعلى الرقمي لاعتبار أن الحكومات لا يمكن أن تغض الطرف عن ما يجري في الشبكة العنكبوتية.
بناء على ملاحظاتك على التحولات التي شهدها الحقل الإعلامي، هل دور الصحفي المهني يتراجع لحساب المواطن الصحفي؟
هناك دائما فرق أساسي وجوهري بين الهواية وبين المهنية، فكما يمكن للرسام أن يكون هاويا قد يكون محترفا، فالاحتراف لا يعني أن نمارس بشكل مستمر شيئا ما، بل هو أن ندخل العنصر النوعي المرتبط بالجودة، وهذا المفهوم هو الذي نجده على مستوى الصحافة المهنية.
وفي جميع الأحوال لا يجب أن نؤكد على مفهوم المهنية بالنظر إلى امتلاك البطاقة الصحفية، بل كذلك بالنظر إلى الارتباط بخصائص الجودة واستشعار الموقف الذي من خلاله نبث وتكتب ولأية غاية. وهذه الأشياء لا يمكن التعامل معها إلا من خلال مؤسسة مركبة لها وظائفها، التي يمكن أن نستجليها على مستوى خطوط التحرير والتي يجب أن تكون واضحة وموضوعة رهن إشارة المتلقي.
هذه المنظومة هي التي يمكن أن نسميها منظومة مهنية حرفية بحيث هناك تراتبية على مستوى المؤسسة واضحة. هناك منظومة أخرى مرتبطة بالمواطن، الذي يمكن أن يتحول ليس بشكل كامل ودائم إلى نوع من الصحفي، وهذا يدخل في إطار الهواية وليس الاحتراف، وبالتالي يجب أن لا نفصل فصلا كاملا بين هذين العالمين، لأنهما يلتقيان ويتفاعلان في نفس الآن. ويمكن للصحافة المهنية أن تستفيد من جنوح المواطن العادي إلى أن يشارك في المجهودات المرتبطة بتأطير الرأي العام.
كخلاصة، في نظرك، هل تلوح تباشير ثقافة إعلامية جديدة تتماشى والثورات العربية الحالية؟
لا شك أن الإعلام إما أن يواكب المتغيرات وإما أن يتخلف، ونحن نقول إن الإعلام لا يجب أن لا يكتفي فقط بمواكبة ما يحدث بل عليه أن يستبق. فالإعلام العربي إما أن يواكب ويظل قائما كقوة معنوية داخل المجتمع، وإما أن يتخلف وبالتالي سيموت.
ولاشك أن الثورات العربية بقدر ما استفادت من الإعلام على مستوى المعلومة وكذلك على مستوى تجييش الجماهير، بقدر ما يمكن لهذا الإعلام أن يعزز المسار الديمقراطي، وأظن أنه سيكون منفتحا أكثر على الديمقراطية أكثر من إعلام ما قبل الربيع العربي وهو اعتقاد جازم.
أجري المقابلة: عبد المولي بوخريص
مراجعة: لؤي المدهون