الدورة 43 من معرض القاهرة للكتاب وذكرى الثورة
٢٥ يناير ٢٠١٢"الدولة المدنية"، "شهادات ميدان التحرير"، "المدونات بين السياسة والأدب"،" شعراء الميدان"، هي عناوين فعاليات وزارة الثقافة في اليوم الأول للجمهور، وكأن الوزارة التي شهدت تغيرات وظيفية فعلت من دور "المعارضة الثقافية"، تستجيب لنداء الثورة بجدية. ليس هذا فحسب بل ضيوف تلك الفعاليات من شباب الثورة والميدان تحديدا، كإسراء عبد الفتاح وأحمد ماهر وشادي الغزالي حرب، يؤكدون على ذلك وعلى "استمرار الثورة ثقافيا". ويحلل الكاتب والصحفي سيد محمود رئيس القسم الثقافي بالأهرام المسائي ذلك المنحى قائلا: "لا أعتقد أن وزارة الثقافة تقدم جديدا في هذا المنحي، فتاريخيا لعب معرض الكتاب دوره كفاترينة لاستعلااض الدولة لنخبها واختيار تصوراتها عن ذاتها".
ويضيف سيد محمود في حوار مع دويتشه فيله بالقول: "نحن لا ننسى مثلا محور الدولة المدنية الذي قتل علي أثره مفكر كفرج فودة أوائل التسعينات بعد ندوة له بمعرض الكتاب". ويستشهد سيد محمود بالكاتب والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل وكيف أن النظام السابق أعاد إحياء دوره من خلال المعرض وكذلك قيام الدولة بتقديم رجال الأعمال الجدد كساويرس عبره أيضا. فالمعرض تاريخيا هو "ساحة لاختبار قدرة الدولة على ازدواج خطابها بين القمع البوليسي وإدعاء الديمقراطية، فمن المعرض خرجت التظاهرات منذ اتفاقية كامب ديفيد حتى استرداد تركة القطاع العام".
أما عن التغير هذه المرة فيحسبه سيد محمود جزءا من سياسيات الثقافة الرسمية الجديدة، التي يعبر عنها اختيار وزيري الثقافة منذ سنة من أوساط معارضة ثقافيا، وإن بدا اختيار عنوان الثورة جزء من تكنيكات تحويل الأفكار الكبرى إلي كرنفال كالعادة. فإن اختيار تلك المفاهيم علي جمهور عشوائي كجمهور المعرض يخرج بالثورة من كليشيهات البرامج الحوارية التلفزيونية النخبوية (التوك شو) إلى الاصطدام بواقع الجمهور العادي، كما حدث مثلا في ندوة شهادات ميدان التحرير، حيث تعرف وأصطدم جمهور المعرض بأحمد ماهر قائد حركة 6 أبريل.
تفاؤل وتسهيلات لصغار تجار الكتب
على الجانب التجاري والعملي، بدت ساحات المعرض محتشدة نسبيا مقارنة بأعوام مضت، وبحضور أمني غير مكثف سيطر الجمهور ودور النشر الإسلامية على المشهد. كما حاولت إدارة المعرض تخصيص أو جمع تلك الدور في قاعات شبه منفصلة، فيما سيطرت أجواء الرحلة العائلية على المشهد العام. فالأسر المصرية، وفقا لمتولي متولي صاحب المكتبة الفاطمية بسور الأذبكية جاءت مشتاقة للكتب بعد عامين من توقف المعرض. وعلى بسطة كتبه تنوع الزبائن من الكبير إلى الصغير، مبديا تفاؤله بتحقيق مكاسب هذا العام، قد تعوضه عن ما خسره العالم الماضي حين فاجأت الثورة المعرض فخسر هو وأمثاله أموالهم وموسم بيعهم الأهم.
وفي هذا الإطار يقول متولي في حديث لمراسل دويتشه فيله بالقاهرة بأنه مازال مؤمنا بالثورة "رغم خسائر العام الماضي فهناك جو عام من التفاؤل بيننا ولا أتوقع أن تحدث أية صدامات. وقد انعكست أجواء هذا التسهيل في علاقتنا بإدارة المعرض، فقد خفضوا لنا إيجارات الأماكن، وقدموا لنا دعما تنظيميا رائعا".
"يسقط حكم العسكر" في مخيم الإبداع
"يسقط ..يسقط حكم العسكر"، هذا الشعار تردد في مخيم الإبداع في افتتاح ندوة لمناقشة رواية "طلعة البدن" للروائي مسعد أبو فجر. فهذه الرواية الصادرة قبل خمس سنوات وجدت طريقها للنقاش أمام الجمهور للمرة الأولى في هذه الدورة. وكان الروائي الذي قضى عامين معتقلا في أقبية أجهزة أمن الدولة نتيجة روايته ومشاركته بدو سيناء حركاتهم الاحتجاجية قبل الثورة. وكان مسعد أبو فجر وفيا لما تعنيه مشاركته رمزيا أمام جمهور عادي، حين حول النقاش الأدبي إلى سجال سياسي واسع حول ضرورة تحول مصر من دولة وطنية إلى دولة مواطنة.
وعلى هامش نقاشه مع وجوه إسلامية حضرت ندوته أكد لدويتشه فيله أن روايته، التي استعرضت قبل سنوات مفاهيم كالإخلاص والخيانة للدولة الأم، وإساءة نظام مبارك لبدو سيناء عبر تحويلهم إلى جماعة مقموعة متهمة بتجارة السلاح والمخدرات، دفعت هؤلاء البدو في يوم الندوة تحديدا إلي قطع طرق وسط سيناء مطالبين لأول مرة في تاريخهم بنصيب في ثروات البترول.
ناشرون عرب حذرون بعد تجربة العام الماضي
الحديث عن يوم الاحتفال أو تمديد الثورة كان حاضرا في جلسات نقاش المقهى الثقافي، حيث اختلط المثقفون بالسياسيين خارج الميدان لأول مرة منذ فترة طويلة، وبين من كان يتابع لحظة بلحظة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وقائع الجلسة الافتتاحية للبرلمان، ومتابعين لأجواء التظاهرات التي انطلقت لتوصيل مطالب الثورة إلي البرلمان، فيما أجمع الكل على أن المعرض سيتحول إلى خلية نشاط سياسي مضاعفة حال نجاح كل الأطراف في تمرير يوم الاحتفال بسلام.
ويلفت سيد محمود الانتباه في هذا الشأن إلى أن بعض دور النشر العربية لم تعرض كتبها حتى الآن وتركت بضاعتها في مخازن الهيئة، مخافة أن تتعرض هي وكتبها لأزمة إذا تفجرت الأوضاع في ذكرى الثورة. فدار الآداب اللبنانية فقدت 50 صندوقا من الكتب وصلت أثمانها إلي نحو 50 ألف دولار حين فاجأت الثورة معرض الكتاب في يومه الأول، ولم يجد الناشرون طريقا لخروجهم من مصر وضاعت منهم بضاعتهم خلال فترة الثلاثة أيام الأولى للثورة.
هاني درويش ـ القاهرة
مراجعة: أحمد حسو