الدول الصناعية: خطة لتخفيف عبء الديون عن أفقر دول العالم
تضمنت المداخلات التي ألقاها كل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس/سويسرا الأسبوع الماضي إجماعا على ضرورة رفع حجم المساعدات التنموية المقدمة من الدول الغنية إلى دول العالم الثالث، إلا أن الخلاف كان واضحا في أساليب تحقيق ذلك. وتأتي هذه الجهود في إطار سعي الدول الكبرى إلى تحقيق "أهداف الألفية" التي قامت الأمم المتحدة بوضعها لمواجهة العجز المتنامي في ميزانيات الكثير من دول العالم الفقيرة. وتأمل الأمم المتحدة من خلال ذلك في تخفيض حجم الفقر إلى النصف ومواجهة خطر الإيدز والملا ريا بحلول عام 2015.
مبادرات خلاقة مقابل خلافات عميقة
تبدو قائمة المبادرات الخلاقة والأهداف السامية طويلة، غير أن ما يواجهها الخلافات العميقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا واليابان وكندا. ففي هذا السياق رفضت الولايات المتحدة مقترحات بريطانية لوضع خطة مساعدات لإفريقيا بمليارات الدولارات. وجاء ذلك في الوقت الذي يجتمع فيه وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة الدول الصناعية السبع المذكورة في لندن لبحث قضايا اقتصادية واجتماعية وفي مقدمتها مشكلة الفقر في العالم الثالث. وتحظى بريطانيا بمساندة أوروبا لوضع آلية تمويل دولية هدفها مضاعفة المساعدات لتصل إلى 100 مليار دولار سنويا. لكن جون تيلور وكيل وزارة الخزانة الأمريكية قال صراحة أمس أن الولايات المتحدة لا يمكنها قبول المقترحات البريطانية. وقال تيلور: "لا يتعلق الأمر فقط بأن آلية التمويل الدولية المُقترحة لا تناسب الولايات المتحدة، بل في أننا لسنا بحاجة إلى هذه الآلية." وكان يشير بذلك إلى اقتراح وزير المالية البريطاني جوردون براون المتعلق بإرساء آلية تمويل دولية جديدة وشطب ديون الدول الفقيرة. وفي حديث مع مجموعة من الصحفيين سافرت معه إلى اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى قال تيلور أن بلاده لديها اقتراح وصفه "بالجريء" لتخفيف أعباء ديون الدول الفقيرة يتضمن منح مزيد من المساعدات من خلال تقديم منح بدلا من القروض مستقبلا.
أقل من الطموحات
فور ورود تصريحات تيلور تحرك المسؤولون البريطانيون سريعا للتصدي لما بدا ضربة ربما تكون قاصمة لخطتهم من أجل أفريقيا. وقال مسؤول بوزارة المالية البريطانية لرويترز: "ليس هناك جديد في موقف جون تيلور، لكننا ملتزمون بمواصلة العمل مع الإدارة الأمريكية كي نري كيف يمكن تعديل آلية التمويل الدولية بحيث تناسب احتياجات الجانب الأمريكي."
وبحث وزير المالية البريطاني براون مع زملائه وزراء مالية الدول الصناعية الأخرى خلال اليومين الماضيين في كيفية تكثيف الحملة الرامية إلى إنقاذ أفريقيا من براثن الفقر. وخلال اجتماعاتهم التي استمرت يومين في العاصمة البريطانية توصل الوزراء إلى اتفاق يقضي بإعفاء أفقر 27 دولة من ديون عليها حتى قيمة 28 مليار دولار. مقابل ذلك أفشلت الولايات المتحدة الخطة البريطانية القاضية بإقرار مشروع مارشال خاص بأفريقيا ويقضي بإعفائها الكامل من الديون ومساعدتها على دفع عملية التنمية. وكان نجاح المشروع سيعني تقديم ما قيمته 100 مليار دولار لهذه القارة التي تعاني دولها من الفقر والكوارث وخدمة الديون. وتقضي الخطة المذكورة بتقديم المبلغ على مدى عشر سنوات.
بيع الذهب لتخفيف عبء الديون
أبدت ألمانيا دعما قويا لفكرة قيام الدول الصناعية الكبرى بإعفاء الدول الفقيرة من ديونها أو على الأقل من جزء كبير منها. وفي هذا الإطار أعلنت الحكومة الألمانية على لسان وزيرة التنمية هايدي ماري فيتسورك تسول عن دعمها للأفكار البريطانية المتعلقة ببيع جزء من احتياطي صندوق النقد الدولي من الذهب واستغلال ذلك في إلغاء ديون الدول الإفريقية. إلا أن هذا الاقتراح لم يجد تجاوبا لدى وزراء مالية بقية الدول الصناعية الكبرى التي أكدت على ضرورة إنشاء آلية مرنه تأخذ بالاعتبار وضع كل دولة على حدة. وذكر جون تيلور أن الولايات المتحدة "ليست مقتنعة بوجود حاجة لبيع ذهب صندوق النقد الدولي لتمويل مبادرة تخفيف أعباء الديون." وعلى الرغم من المعارضة يعتقد الكثير من الخبراء أن إقرار خطة مساعدة الدول الأكثر فقراً يعني فتح الطريق أمام بيع جزء من ممتلكات الصندوق من المعدن الثمين لتمويل الخطة.
نداء نيلسون مانديلا
قال نيلسون مانديلا الرئيس السابق لجنوب إفريقيا والمتواجد في لندن لمناسبة اجتماع وزراء مالية الدول الصناعية السبع الكبرى: "الفقر الواسع النطاق وانعدام المساواة بشكل فاحش من أسوأ نكبات هذا الزمن، حتى أنه ينبغي اعتبارهما من المساويء الاجتماعية جنبا إلى جنب مع العبودية والفصل العنصري." . وقد التقى مانديلا مساء أمس بوزراء مجموعة الدول الصناعية السبع لحثهم على مساندة مقترحات براون بشأن تخفيف ديون إفريقيا ومضاعفة المساعدات لأفقر دول العالم.