السعودية: أي جدوى من تغيير قيادة الشرطة الدينية؟
١٦ يناير ٢٠١٢بقرار ملكي صار الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ مستشار العاهل السعودي رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجة وزير. في خطوة تبدو كمحاولة لإصلاح عمل الهيئة الذي أثار شكاوى كثيرة. وقال آل الشيخ "من أهم تطلعاتي في المرحلة المقبلة إيجاد صلات قوية بين جهاز هيئات الأمر بالمعروف وجميع الشرائح".
ويرى مراقبو الوضع السعودي أن مسيرة الإصلاح ربما تكون قد استهلت بأول قرار أصدرته الهيئة ومنعت فيه بشكل نهائي عمل المتعاونين، أي العاملين بدوام جزئي مع الهيئة بحسب تقارير إعلامية سعودية. لكن هؤلاء المراقبين يتساءلون إن كانت الخطوة الأولى التي خطاها رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ستخفف من شكاوى السعوديين والمقيمين في المملكة المتكررة من عمل الهيئة وأسلوب أفرادها المعروفين بالمطاوعة، لاسيما أن وسائل الاتصال الحديثة السريعة وضعت المجتمع السعودي شديد المحافظة في اتصال مباشر مع ما يجري في العالم، ولم يعد بإمكان النخبة السياسية في المملكة أن تمنع أفراد الشعب من الاطلاع على حجم الحرية التي تعيشها المجتمعات الأخرى.
"التقاليد الأخلاقية تختلط بالقوانين في المملكة"
اعتبر الصحفي عادل درويش المحرر السياسي في مجلة "ميدل ايست" الصادرة في لندن في حديث لدويتشه فيله أن "المملكة وجدت نفسها في عصر الحداثة مثقلة بتركة من التراث، فالدين هو عبارة عن تركة متوارثة من التقاليد أكثر منه مجموعة طقوس. وهي تسعى إلى تطويع هذه التقاليد بما يلاءم مطالب عصر الحداثة، والمشكلة في السعودية هي عدم وجود دستور مكتوب واعتماد المملكة القرآن دستورا لها، ومن هنا تختلط التقاليد الأخلاقية والمجتمعية بالقوانين فأضحى الأمر يحتاج إلى تفسير".
وتضم السعودية أهم مقدسات المسلمين ويعدها كثيرون حامية هذه المقدسات، ويرى عادل درويش أن هذا يضع النخبة السياسية في هذا البلد أمام تحد صعب إن أرادت الإصلاح، لكنه يستدرك بالقول "إن الإصلاح مرحلة سبقها كثير من الشكاوى التي كانت تنبع من عمل المطوعين الذين ما برحوا يضربون الناس ويعتدون على النساء".
" حرية الاختلاط في الأسواق "
وكان عبد اللطيف آل الشيخ قد نشر في عام 2010 مقالا أباح فيه حرية الاختلاط بين الجنسين في الأسواق وفي مناسبات الحج وغيرها، مشترطا أن يكون هذا الاختلاط على مرأى من الجميع. هذا الرأي أثار حفيظة أجنحة أكثر تشددا في المملكة في حينها، لكنه صار اليوم سببا لترحيب العاملين في الوسط الإعلامي بتعيين آل الشيخ رئيسا للهيئة خلفا لعبد العزيز بن حمين الحمين الذي اعفي من منصبه، حيث أكد معظمهم انه "مؤشر على مزيد من الانفتاح" في المملكة، وفي هذا السياق يرى عادل درويش أن " آل الشيخ بتصوره الأكثر انفتاحا عن المرأة يتمتع بمرونة تقربه من عصر الحداثة ".
ويذهب كثير من الخبراء إلى أن تعيين رئيس جديد للهيئة هو استجابة للتغيرات التي تعم المنطقة، باعتباره خطوة في طريق الإصلاح بعد قرارات الإصلاح الاقتصادية التي صدرت عن الملك في العام الماضي. وقرار السماح للنساء بالمشاركة في مجالس البلديات، لكن عادل درويش لفت الأنظار إلى "أنه بينما تتجه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية إلى نوع من التحديث، والى إحداث نوع من مساواة النساء وإحداث نوع من العقلانية في تطبيق الشريعة، نجد أن هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتشكل في مصر التي كانت تقود الفنون والحضارة والتطوير في المنطقة، ونسمع أن هذه الهيئة حصلت على عصي كهربائية وستبدأ في إجبار النساء على التحجب، وفي هذا مفارقة كبيرة".
"توازنات قبلية وتوازنات دولية"
تتولى الهيئة مراقبة تطبيق الشريعة الإسلامية ويشرف أعضاؤها على إغلاق المحلات خلال أوقات الصلاة وعلى رصد الخلوات غير الشرعية بين الرجال والنساء. ويتأكد "المطاوعة" من عدم إقدام المرأة على قيادة السيارة واحترام ارتداء العباءة السوداء وتغطية الرأس.
وتمنع الهيئة أيضا تنظيم حفلات موسيقية عامة. ويعمد عناصرها أحيانا إلى فحص هواتف الشباب الجوالة بحثا عن رسائل أو صور أو نغمات يعتبرونها مخالفة للشريعة، وفي كل ذلك يرى عدد كبير من السعوديين أن سلطة أعضاء الهيئة على حياتهم الاجتماعية صارت لا تطاق.
وفي هذا الصدد يرى عادل درويش "أن السعودية بلد محافظ يسعى إلى تحقيق توازنات قبلية في الداخل وتحقيق توازنات دولية من خلال المزاوجة بين تفكير المسلمين من مختلف الشعوب والحضارات، ولكن علينا أن لا ننسى أن التطور في هذا البلد هو عملية جارية منذ نصف قرن ولكن بشكل بطيء، والمفارقة الملفتة للنظر أن العائلة السعودية ومن يحيط بها في مساعيها للتحديث ومواكبة العصر تبدو أكثر انفتاحا من قطاعات كبيرة من المجتمع السعودي، وفي جلساتهم الخاصة يقول كثير من الأمراء السعوديون إنهم يريدون أن تقوم المرأة بقيادة السيارة ويريدونها أن تنزل إلى سوق العمل بسبب الجدوى الاقتصادية لتشغيل النصف المعطّل عن العمل، لكن التقاليد القبلية في الغالب تمنع هذا، وفي اعتقادي أن اختيار آل الشيخ الذي كان مستشارا للملك لهذا المنصب هي إشارة واضحة إلى أن الملك يريد أن يترك بصماته في عملية التغيير والإصلاح في المملكة".
ملهم الملائكة
مراجعة: حسن زنيند