السعودية: مملكة النفط تعاني بصمت
١٥ ديسمبر ٢٠١٥تسعى المملكة العربية السعودية لبناء أطول برج في العالم، يبلغ طوله كيلومترا واحدا، من المنتظر ينتهي بناؤه سنة 2019 ، حسب الجدول الزمني الذي وضعته العائلة المالكة في السعودية. وسيكون البرج بمثابة النمودج الذي يطمح إليه الحكام في المملكة العربية السعودية. أي نمودج راقي وحديث، يبرز تفوق الممكلة ويضعها في المراتب الأولى في التصنيف العالمي. ولكن وراء واجهة التفوق توجد مؤشرات عن تحديات كبرى تواجه المملكة. وفي هذا الصدد أشار صندوق النقد الدولي في تقرير له في أكتوبر الماضي بأن قدرة المملكة الاقتصادية بشكلها الحالي قد تستمر فقط لخمس سنوات أخرى على أقصى تقدير. وبعد ذلك ستستنفد الاحتياطيات المالية الضخمة للبلاد.
وهذا الوضع تفاقم أكثر في الفترة الأخيرة، فنمذ نحو عام يتراوح سعر البرميل ما بين 40 و 50 دولارا. وبعد اجتماع الدول المنتجة للنفط (أوبك) في فيينا، نزل سعر البرميل ليصل إلى 40 دولارا، وهو أقل سعر تم تسجيله منذ ستة سنوات. وفي هذا الصدد يقول سيباستيان سونز من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP):" كي تكون الميزانية متوازنة تتوقع المملكة العربية السعودية سعر النفط بين 80 و 120 دولار".
ولكن يصعب الحصول على أرقام موثوقة من المملكة، التي لا ترغب في الكشف عن وضعها الاقتصادي والمالي الحقيقي. غير أن أرقام صندوق النقد الدولي (IMF)، ترسم صورة قاتمة عن الوضع المالي للمملكة النفطية. وبناء على ذلك، يتوقع أن يكون هناك عجز في ميزانية البلاد، يقدر بأكثر من 100 مليار دولار، أي خمس الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد. بالإضافة فإن صندوق النقد الدولي لا يتوقع أن يكون الوضع أفضل سنة 2016.
دعوة للإصلاحات
وفي دراسة نشرت في شهر ديسمبرالجاري، دعت مؤسسة ماكينزي الاستشارية الأسرة المالكة للشروع في إصلاحات في أقرب وقت. وفي هذا الصدد قال جوناثان ووتزل، مدير المعاملات العالمية في مؤسسة ماكينزي، لموقع arabian.business.com،" انتظار ظروف أفضل، ليس خيارا".
علاوة على ذلك يقول سباستيان سونز، بأن سياسة " توزيع الثروات بشكل عشوائي، لم تعد مجدية"، فحتى الآن كانت الدولة، إذا صح التعبير، تضع أصبعها في التربة وتحول النفط إلى مال يتم توزيعه على السكان. وهكذا تقوم الدولة منذ عقود بدعم المواطنين على نطاق واسع وضمان الحفاظ على السعر الرخيص للطاقة والوقود والمياه بشكل مصطنع. إضافة إلى ذلك فإن الدولة السعودية لا تفرض ضرائب على الدخل. ويضيف سونز: "لقد أصبح المجتمع السعودي مسرفا جدا"، مضيفا بأن سياسة الدعم ساهمت بشكل كبير في ذلك، ولهذا يقول سونز: " لن يكون من السهل فرض أي تغيير مفاجئ في سياسة الدولة بهذا الشأن"،
خاصة و أن جزءا من المجتمع غير راض على الإطلاق بالوضع الحالي، فبالرغم من أن معدل البطالة الإجمالي، حسب مصادر رسمية، يصل إلى ستة في المائة فقط، إلا أن الوضع يبدو أسوأ من ذلك بكثير عندما يتعلق الأمر بالشباب أقل من 26 عاما، فحتى نهاية عام 2014 وصلت نسبة البطالة في صفوف هذه الفئة إلى 30 في المائة. وهو ما يجعلهم يشعرون بإحباط كبير، على حد تعبير سونز، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، مضيفا:"في كل عام، يتخرج نحو 100 ألف طالب من الجامعات، ولكنهم لا ينجحون في الحصول على وظائف، لأن أغلبهم يفضل العمل في القطاع العام ". وذلك لأن القطاع الخاص، على عكس أوروبا، يدفع أجورا أسوأ من القطاع العام بكثير. ولهذا يرى سونز الحل في: " خفض رواتب القطاع العام وزيادة الأجور في القطاع الخاص."
وبالإضافة إلى تعزيز القطاع الخاص يطالب سونز بالتحرر من سياسة الاقتصادي الأحادي، المبني على النفط فقط، والانفتاح على قطاعات اقتصادية أخرى. ولكنه لا يعتقد أن تكون المطالبة بالإصلاحات عبر المظاهرات في الشارع، لأن: "تقاليد الممكلة لا تتناسب مع فكر المظاهرات."
ومن جهتها تمارس العائلة المالكة سياسة صارمة تجاه المعارضين مثل المدون رائف بدوي، إذ يتم وضعهم في السجن وفرض أقصى العقوبات عليهم. بالإضافة إلى ذلك فإن منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان انتقدت مرارا التطبيق التعسفي لعقوبة الإعدام في المملكة العربية السعودية.
البراغماتية أو العقيدة؟
المملكة العربية السعودية تعتبر أيضا قوة إقليمية. فخلف الحدود الجنوبية يقاتل الجيش السعودي ضد الحوثيين في اليمن. ووراء الحدود الشمالية ضد النفوذ الإيراني، في الوقت الذي تستمر فيه الحرب بالوكالة في سوريا.
وعلى كل الجبهات، يصعب التنبؤ بنهاية للصراع، فاليمن حسب سونز" ليس مجرد كارثة عسكرية فقط ، بل اقتصادية أيضا. فحتى الآن تقدر تكلفة الحرب في اليمن بنحو 50 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى نحو 20 مليار دولار في الحرب السورية."
الخبير في الشؤون السورية والصحافي دانيال غيرلاخ يذهب لأبعد من ذلك، حيث قال في تصريح له لأذاعة ألمانية بأن المملكة العربية السعودية استثمرت نحو 100 مليار دولار في الصراع الدائر في سوريا.
وفي هذا الصدد يقول سباستيان سونز" إذا نظرنا للوضع الاقتصادي الحالي في المملكة العربية السعودية ، فيجب أن يكون الاستنتاج المنطقي هو التخفيف من الدور الإقليمي للبلاد ونهج سياسة خارجية برغماتية".وهذه الخطوة قد يكون لها تأثيرعلى الوضع السياسي الدولي، بالنظر لأهمية دور المملكة السعودية.
ولكن على الرغم من كل ذلك يبدو أن صناديق الدولة مازالت تتوفر على احتياطيات ضخمة، ففي يوم الخميس الماضي أرسلت المملكة العربية السعودية من جديد قمرا صناعيا إلى الفضاء. وهو جزء من مشروع شبكة ضخمة بارتفاع 36 ألف كيلومترا، تعمل على تحسين الاتصال بالإنترنت في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى - مشروع ضخم آخر في رصيد الممكة النفطية.