السياسات المالية المحافظة تساعد ألمانيا على مواجهة الأزمة المالية
٢ نوفمبر ٢٠٠٨تثير الأزمة المالية العالمية الحالية وتبعاتها لدى الألمان قلقا على مدخراتهم ووظائفهم في ضوء مقارنتهم لها بالأزمة الاقتصادية العالمية في عشرينيات القرن الماضي. ومع أن هذه المقارنة تجافي الصواب كونها تقوم على وقائع مختلفة حسب رأي العديد من الخبراء، فإنها تحضر في نقاشاتهم بقوة هذه الأيام.
وفي هذا السياق يرى البروفسور مانفريد شميت من جامعة هايدلبيرغ الألمانية أن ألمانيا التي تتمتع بأقوى اقتصاد أوروبي تتبع سياسة مالية محافظة تختلف عن مثيلتها بعد الحرب العالمية الأولى. وهي سياسة مارسها البنك المركزي الألماني حتى إطلاق العملة الأوروبية المشتركة يورو. ويتبني البنك المركزي الأوروبي هذه السياسة انطلاقا من مدينة فرانكفورت الألمانية.
الصناعة عنصر قوة وحصانة للاقتصاد الألماني
وفي إطار السياسة المالية المحافظة يضمن النظام البنكي الألماني المدخرات الشخصية بنسب عالية. ومؤخرا قامت الحكومة برفع نسبة الضمانة إلى مائة بالمائة. أما ما يتعلق بالخوف من فقدان الوظائف فإنه أكثر واقعية، لاسيما وأن ألمانيا بلد يعتمد على الصادرات في تحقيق ثلث ناتجه القومي.
غير أن تأثر سوق العمل الألماني بشكل سلبي سيكون أقل من مثيله في بريطانيا واسبانيا والولايات المتحدة. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذا الاقتصاد ما يزال يعتمد على صناعات مميزة، تكاد تنفرد بها ألمانيا عالميا. وهو الأمر الذي يجعل الاستغناء عن الكثير من المنتجات الألمانية صعبا بالنسبة لمختلف الدول حتى في حالة إصابتها بالركود كونها تحتاج إليها لتحديث بناها التحتية وصناعاتها الأساسية. وهذا ما يحصن الاقتصاد المذكور بشكل جيد في وجه الأزمات.
الألمان يفضلون الاستثمار بشكل آمن
تأتي مخاوف الألمان على مدخراتهم ووظائفهم نتيجة تجارب مريرة سابقة. ففي عشرينيات القرن الماضي خسروا أموالهم بفعل التضخم الذي جعل عملتهم أقل من قيمة الورق الذي يجسدها. وبعد الحرب العالمية الثانية تبخر جزء من مدخراتهم نتيجة إلغاء عملة الرايخ وإصدار المارك بديلا عنها. وعندما تمت إعادة توحيد ألمانيا عام 1990 خسر الألمان الشرقيين نصف مدخراتهم على ضوء تبديل المارك الشرقي بالمارك الغربي على أساس ماركين للأول مقابل مارك للثاني.
وفي ضوء هذه التجارب أضحى الألمان محافظين في ادخاراتهم واستثماراتهم مقارنة بشعوب البلدان الانجلوساكسونية. ويدل على ذلك أن السوق الألمانية لم تشهد طفرة عقارية على غرار ما شهدته الولايات المتحدة وبلدان كثيرة خلال السنوات السبع الماضية ومن بينها البلدان العربية. كما أن الألمان يستثمرون بشكل أساسي في قيم عينية وأوراق مالية آمنة. ويأتي في مقدمتها السندات الحكومية ودفاتر التوفير التي تقدم عوائد متواضعة. وفي الوقت الذي تتجاوز فيه معدلات الادخار 10 في المائة في ألمانيا، فإن هذه المعدلات تسجل نسبا سالبة منذ سنوات عديدة في الولايات المتحدة.