"السينما في ساحة الحرية": مهرجان افتراضي يتحدى قمع النظام السوري
٢٠ ديسمبر ٢٠١١انطلق عبر موقع "فيسبوك" الاجتماعي "مهرجان سوريا الحرة الأول"، وهو مهرجان افتراضي من وحي الثورة السورية، قررت مجموعة من الناشطين السوريين الشباب تنظيمه بعد تأجيل مهرجان دمشق السينمائي الذي كان يقام سنوياً. المهرجان، الذي انطلق قبل أيام ويستمر حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري، يهدف إلى دعم الثورة السورية من خلال "مظاهرة فنية" تجوب الشوارع والأحياء الافتراضية وتتحدى رجال الأمن و"الشبيحة"، لتظهر قدرة الشعب السوري على ابتكار أدوات الفن والثقافة رغم كل الآلام والسواد الذي يحيط به، بحسب المنظمين.
وأطلق على المهرجان شعار "السينما في ساحة الحرية"، وذلك "حرصاً على رسم ملامح سوريا جديدة حرة وديمقراطية، وايماناً منا بأن القرار أصبح بيد الشعب السوري وليس بيد النظام"، كما جاء في بيان نشر على الصفحة الإلكترونية الخاصة بالمهرجان، يرافقه ملصق المهرجان الذي تضمن صورة شاب ينطلق بدراجة هوائية في وجه سلاح يصوب نحوه.
نشاط ثوري في العالم الافتراضي
وتقول الناشطة الحقوقية اللبنانية والمنسقة الإعلامية للمهرجان نضال أيوب إن "تأجيل مهرجان دمشق السينمائي ووجود المواد الأوليّة كانا دافعين للاستعداد للمهرجان". وتصف المهرجان بمثابة "دعم معنوي وإعلامي للثورة وتحد لقمع الحريات الذي تمارسه السلطات السورية". لذا كانت الوسيلة الأمثل لإطلاقه هي في العالم الافتراضي، كما تشير.
الإعلان عن المهرجان تم من العاصمة اللبنانية بيروت، بحكم تواجد بعض منظميه في لبنان، وذلك بعد فرارهم من سوريا بسبب ملاحقة النظام السوري لهم. ويقول أحد منظمي المهرجان، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن المنظمين يعملون "كخلية نحل في عالم افتراضي سري بعيداً عن المخبرين وشرهم".
من جانبها، تشير أيوب إلى أنهم في عمل مستمر ودؤوب لنشر الصفحة قدر الإمكان، "كي يتمكن الجمهور في كل أنحاء العالم من التعرف على فن الثورة السورية والمشاركة بها عبر تصويتهم للفيلم الأفضل في نهاية المهرجان". يذكر أن عدد المشاركين في الصفحة بلغ حتى الآن حوالي ألف مشترك، والعدد في تزايد كما يقول المنظمون، وهو عدد لم يكن المهرجان ليصل إليه لو تم تنظيمه في الواقع. هذه الحماسة هي التي جعلت المنظمين يرضخون لرغبة عدد كبير من الناشطين السوريين في تمديد تاريخ استقبال الأفلام يومين إضافيين، لكي يتمكن هؤلاء من المشاركة بأعمالهم الفنية في المهرجان.
أما لجنة التحكيم التقليدية كما كان قبل الثورة فاختفى دورها، لتحل محلها لجنة من نوع آخر، تستمع فقط إلى قرار الجمهور وتصويته. في هذا الإطار تقول أيوب إن منظمي المهرجان قرروا اعتماد اللعبة الديمقراطية، مضيفة أن "الجمهور هو الحكم بعيداً عن الرقابة الأمنية والسلطة". ويحاول المنظمون العمل من أجل عرض الأفلام الناجحة على المحطات الفضائية حتى تصل إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.
وتتوجه الصفحة الإلكترونية للمهرجان بالتحية للمخرجين والفنانين عمر أميرالاي، وأسامة محمد، ومحمد ملص، وهالة العبد الله، وهيثم حقي، إضافة إلى تكريم المهرجان لشباب الثورة السورية الذين يستخدمون هواتفهم المحمولة لتوثيق الانتهاكات التي تحصل بحق الشعب السوري، في ظل غياب وسائل الإعلام.
السينما .. خارج قبضة النظام
أما الناشط الحقوقي والسينمائي السوري إبراهيم الخالدي، وهو أحد المشرفين على المهرجان، فيوضح أن "السينما قبل الثورة اختطفت من قبل مافيا النظام، ونحن نحاول اليوم استرجاع هيبتها وكرامتها ونفخ الروح فيها من جديد". ويرى الخالدي أن "لغة الصور في الانتفاضة السورية أثبتت إبداع الوسائل الشعبية لإيصال الحقيقة، خاصة في ظل عمل المصورين في التظاهرات تحت ظروف صعبة بسبب ملاحقة رجال الأمن لهم".
وحول أبرز العوائق التي واجهت المنظمين أثناء التحضير للمهرجان، يشير إبراهيم الخالدي بشكل خاص إلى صعوبة التواصل الشخصي وتنظيم اللقاءات بين المنظمين، مضيفاً أن "منظمي المهرجان هم الشباب أنفسهم الذين يتظاهرون في الشوارع ضد النظام، وهم ملاحقون ومراقبون سلفاً من النظام وشبيحته". ويشير إلى أن هذا ما اضطر بعضهم إلى مغادرة سوريا للبنان من أجل التمكن من العمل بحرية أكبر بعيداً عن المخاطر. أما العائق الثاني فيتمثل في صعوبة إنشاء وتفعيل صفحة المهرجان على الفيسبوك وإمدادها بالمعلومات من داخل سوريا، بسبب سهولة تعقب رجال الأمن السوري لهذه الصفحة إلكترونياً ومعرفة من يقف وراءها، الأمر الذي تطلب أيضاً إنشاء الصفحة وتفعيلها في بلد آخر خارج سوريا.
ويتضمن المهرجان، بحسب القيمين عليه، أفلاماً وثائقية وقصص قصيرة، إضافة إلى أفلام الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد، على أن لا يتجاوز الواحد منها العشر دقائق. وهذا يشكل تحدياً بحد ذاته، كما يشير الخالدي، "إذ عادة ما تتضمن المهرجانات السينمائية نوعاً واحداً من هذه الأفلام". لكنه يرى أن هذا التحدي يتحول إلى قيمة إضافية للمهرجان، يغذيه ويضفي عليه ألواناً جديدة من الأفلام لم تتوافر سابقاً في المهرجانات.
والأهم من كل ذلك يبقى في أن المهرجان اعتمد على المبادرات الفردية للمخرجين وصانعي الأفلام من شباب الثورة، فلا ميزانية ولا تمويل. وهكذا، كما يقول الخالدي، فإن "المهرجان تفوق على نفسه"، مرجعاً السبب إلى الشباب السوري المتعطش لتقديم أي شيء للثورة في سبيل الوصول إلى الحرية. ويؤكد منظمو المهرجان أنهم لا يريدون "أي دعم مادي من أي جهة، لأننا لا نريد الارتهان لأحد"، مشيرين إلى أن أفلام المهرجان بقيمتها المعنوية "أهم من أفلام أخرى تقدر بملايين الدولارات".
الخطوات اللاحقة للمهرجان لا تزال غير واضحة بالنسبة لمنظميه. لكن الفكرة الأبرز المتوافق عليها هي تنظيم سلسلة من المظاهرات على هامش المهرجان تنطلق من أماكن فنية مثل مسارح وصالات سينما خارج سوريا.
يذكر أن عرض الأفلام بدأ في السادس عشر من الشهر الحالي، على أن تمتد حتى عشرين الجاري، أي طيلة أربعة أيام، يتم من خلالها التصويت على الأفلام المعروضة كل يوم لاختيار الأفضل بينها. وبعد ذلك سيتم الإعلان عن الأفلام المنتقاة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، وبعد ذلك ستطرح للتصويت مجدداً لمدة يومين، يعلن في نهايتها عن أفضل فيلم في الثالث والعشرين من ذات الشهر.
دارين العمري – بيروت
مراجعة: ياسر أبو معيلق