العراق ومصر: تموز الانقلابات أم الثورات؟
١٢ يوليو ٢٠١٣
بين تموز العراق وتموز مصر علاقة غريبة من نوعها، فرغم اتفاق مهدي الحضارات في أن تموز / يوليو هو شهر التغيير فيهما، إلا أن من صنع ثورة تموز المصرية عام 1952 لم يكن يحب صانع ثورة تموز العراقية عام 1958 وكان يعاديه ويؤلب عليه العصبيات العربية بمختلف الذرائع. وكما أن تموز العراقي له صلة بديموزي إله الخصب والحصاد، فإن تموز المصري يسمى شومو بالقبطية القديمة، ويعني شهر الاحتفال في الوادي، وكان الاحتفال به يتم سنويا في مملكة طيبة القديمة.
مبادرة مهجرية عراقية: " تموز العيد السومري الأبهى"
في المهجر أطلق عشاق تموز العراقي مبادرة أسموها " تموز العيد السومري الأبهى"، شاء أصحاب المبادرة أن تكون مناسبة سلام يجتمع عندها العراقيون الذين فرقتهم السياسة وتداعياتها، الباحث والكاتب د. تيسير عبد الجبار الألوسي كان رائد هذه المبادرة، وقد تحدث إلى مجلة العراق اليوم من DW عربية بهذه المناسبة مشيرا إلى أن "شعوب العراق عاشت تجدد الميلاد الموروث من التاريخ السومري وبالذات من الإله ديموزي" .
وقارن الآلوسي في بدء حديثه بين ما جرى في 14 تموز 1958 وبين ما جرى في 17 تموز 1968 في العراق، مشيرا إلى أن الأولى تشكل ثورة توحد فيها الشعب والجيش لإقامة دولة مدنية عصرية ديمقراطية، ومضى يعدد منجزات تحققت بعد ما اسماها بثورة 14 تموز. ويتفق كثير من العراقيين مع رأي الآلوسي، ويرون في الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ابنا بارا ومخلصا لشعب العراق. لكن دراسة متأنية للمشهد العراقي تظهر أن قادة الثورة الذين عرفوا بالضباط الأحرار هم في النهاية ضباط قادوا انقلابا عسكريا على حكم مدني دستوري قائم، بغض النظر عن التصور السياسي لطبيعة هذا الحكم. ويرى كثير من خبراء السياسة أن العصر الملكي في العراق كان يمثل اللبنة الأولى في بناء ديمقراطي كان في سبيله إلى أن ينقل البلد بسلاسة إلى أنظمة الحكم المدنية العصرية.
" الحكم الملكي كان متورطا في جرائم إبادة جماعية"
د. تيسير الآلوسي، لا يتفق مع هذا الرأي ويشير إلى أن "الحكم الملكي كان متورطا في جرائم إبادة جماعية كثيرة، من أشهرها، جريمة إبادة الآشوريين في سميل في أربعينيات القرن الماضي، وجريمة فرهود اليهود عام1941 " . يذكر ان هذه الجرائم تنسب عادة إلى رشيد عالي الكيلاني الزعيم العراقي التركي الأصل الموالي للنظام النازي آنذاك، والذي قاد انقلابا أريد منه تحويل دفة السياسة باتجاه معسكر دول المحور، والخروج من كتلة الحلفاء التي كانت بريطانيا رأس حربتها في الحرب العالمية الثانية.
وفي معرض تقييمه لما جرى في 17 تموز 1968، ذهب الدكتور الآلوسي، إلى أنه مثل انقلابا على الشرعية التي جاءت بها الثورة الأولى. وتابع أن تلك الثورة تآمرت عليها دول جوار العراق والدول العربية التي قادها الرئيس المصري الأسبق والزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو في مصر ورفاقه من "الضباط الأحرار."
وتحدث الالوسي عن رواية شائعة تنسب إلى القيادي البعثي السابق علي صالح السعدي التي أشار فيها إلى أن البعثيين قد وصلوا السلطة عامي 1963 و1968 في قطار بريطاني قاده الأمريكيون.
"مهما اختلفنا، نحن شعب واحد تشرق علينا شمس واحدة ونشرب من نيل واحد"
مصر اليوم تعيش ثورة عمرها بضعة أيام، وقامت ليلة الأول من تموز، حيث أسقط المصريون في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 حكم الإخوان (حكم المرشد) ليشرعوا في رحلة إنشاء دولة جديدة. فيما يعيش العراق تموزاً حاراً تتصاعد فيه الهجمات الإرهابية وتتشابك المشاكل السياسية وتتعقد إلى حد اللاعودة.
تأتي ذلك في وقت يعيش فيه المصريون فرحة مبعثها التخلص من حكم الإخوان الذين خططوا للعودة بمصر إلى الوراء، إلى عهود مضت تجاوزتها البلاد. لكن الفرحة مشوبة بالقلق والخوف من مستقبل مجهول.
د.نهلة سليم المسؤول الثقافي للنادي المصري الألماني في دوسلدورف شاركت في حوارمجلة العراق اليوم من DW عربية، وفي معرض تقييمها لما جرى في مصر قبل أيام، أشارت إلى أن مصر لكل المصريين واختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية، "فمهما اختلفنا نحن شعب واحد، تشرق علينا شمس واحدة ونشرب من نيل واحد" .
وذهبت الدكتورة نهلة إلى أن 33 مليون نسمة قالوا كلمة الشعب المصري وغيروا مجرى التاريخ ورفضوا حكومة الإخوان.
هل تسير مصر الى الانقسام المجتمعي؟
كثير من المصريين ومن غير المصريين يرون أن ما جرى ليلة الأول من تموز عام 2013 (أي في الثلاثين من يونيو) أسس لانقسام حاد في المجتمع المصري، فطيف واسع من الشعب وخاصة ذوي الهوى الديني سيقفون مع الإخوان المسلمين ويعتبرون مرسي رئيسا منتخبا أطاح به العسكر، وسيبقى طعم المرارة لما جرى على ألسنتهم، وقد يقود ذلك إلى ما لا يحمد عقباه.
في المقابل، هناك طيف آخر، وهو أكبر حجما وأكثر عددا من الطيف الأول يرى فيما جرى ثورة تصحيحية عادت بثورة يناير 2011 إلى مسارها الصحيح بعد "أن سرقها الإخوان المسلمون" على حد تعبير أدبيات أنصار الثورة.
د . نهلة سليم ردت على هذا الطرح بالقول" ماذا يمكن أن نقول لـ 33 مليون مصري هتفوا بصوت واحد للتغير؟".
من جانبه، هنأ د. تيسير الآلوسي شعب مصر على ثورته الجديدة التي "أطاحت بحكومة الإخوان" وقضت على جانب من مشروع الإسلام السياسي المنطقة، واتفق مع رأي د. نهلة سليم مشيرا إلى "أن هذا ليس انقساما، بل هو رأي الملايين مقابل رأي الأقلية ".