اللاجئون وانتخابات ألمانيا.. أي دور للأخبار الكاذبة؟
١ أبريل ٢٠١٨أصدرت مؤسسة نويه فيرانتفورتونغ "Stiftung Neue Verantwortung" البحثية ومركزها برلين في (26 آذار/مارس 2018 ) دراسة في أكثر من 100 صفحة حول الأخبار الكاذبة والانتخابات التشريعية الألمانية التي جرت في (24 أيلول/سبتمبر 2017). وسلطت الدراسة الضوء على عشر حالات من الأخبار الكاذبة، ثمانية منها متعلقة باللاجئين، وذلك في الأشهر الستة التي سبقت الانتخابات. وتناولت الدراسة مطلقي ومروجي تلك الأخبار وقنوات انتشارها وتأثيرها على الانتخابات.
الدكتورة المتخصصة في التحليل الإعلامي إنجي سلامة أبدت لـ"مهاجر نيوز" رأيها: "الدراسة وافية تماماً من حيث العينة الممثلة والمدة الزمنية. وهذه العينة ممثلة تماماً نظراً للاستخدام الكثيف للإنترنت في ألمانيا، وخصوصاً من قبل اليمين المتطرف كمنبر لتوصيل وجهات نظرهم والوصول للناخب نظراً لعدم إتاحة المساحات الكافية لهم في وسائل الإعلام التقليدية".
"رأس الحربة"
قبل الانتخابات البرلمانية حذر البعض من تلفيق روسيا أخبارا كاذبة وترويجها على غرار ما يتم تناقله من تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمساهمة بفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. غير أن الدراسة أظهرت أن التدخل لم يأتِ من طرف روسيا ولا من طرف اليسار الشعبوي، بل من قبل "اليمين الشعبوي واليمين المتطرف". ولعب حزب البديل من أجل ألمانيا في هذا المضمار دور "رأس الحربة" في إطلاق وبث تلك الأخبار.
قنوات الانتشار: الإعلامان الجديد والتقليدي
لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر والمنتديات والمدونات واليوتيوب هي وحدها القنوات التي استخدمت لنشر تلك الأخبار، بل لعب الإعلام التقليدي دوراً لا يستهان به. وسجلت الدراسة أن صحف شعبية كـ"بيلد" و"دي فيلت" المحافظتين روجت لتلك الأخبار. كما خرجت الدراسة بنتيجة مفادها أن وسائل أخرى لعبت دور المروج غير المباشر، وذلك عن طريق نشر "تصحيح ناقد" لتلك الأخبار كصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الرصينة و"القناة الأولى في التلفزيون الألماني" ARD.
غلطة الشاطر
كما خرجت دراسة المؤسسة البحثية، التي من بين المساهمين في تمويلها مؤسسة خيرية تابعة لموقع التجارة الإلكترونية Ebay ومؤسسة بيرتلسمان ووزارة الخارجية الألمانيتين، بنتيجة مفادها أن بعض وسائل الإعلام التقليدي ساهمت "عن طريق الخطأ" و"العمل غير المتقن" في المسألة. وارتكبت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) خطائين جسيمين؛ إذ حاز الخبر الكاذب للوكالة عن "تحرش" جماعي لشبان "من خلفيات مهاجرة" في مدينة شورن دورف في ولاية بادن فورتمبورغ جنوبي البلاد على نصف مليون تفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي بين تعليق ومشاركة وإعجاب، حسب الدراسة.
وبعض أجهزة السلطة أيضاً!
لم يكن اليمين ووسائل الإعلام هي وحدها من كان وراء بث أخبار كاذبة ساهمت بتشويه صورة اللاجئين، بل "ارتكبت" السلطات كالشرطة في بعض تغريداتها على تويتر أو مسؤولين في بياناتهم الصحفية وأحاديثهم لوسائل الإعلام "أخطاء"، وسارع الناشطون اليمينيون الشعبويون إلى تلقف تلك الأخبار وتوظيفها في حملاتهم الايدلوجية.
وأحد الأمثلة على ذلك المؤتمر الصحفي لوزير داخلية ولاية بافاريا آنذاك ومرشح الحزب المسيحي الاجتماعي لمنصب المستشارة يواخيم هيرمن. وذكر الموقع الإلكتروني لـ"هيئة الإذاعة والتلفزيون" في ولاية بافاريا استناداً على الدراسة أنه قبل أسبوعين بالضبط من الانتخابات قال هيرمن إن "عدد حالات الاغتصاب في بافاريا بلغ 222 حالة في النصف الأول من 2017 وبزيادة قدرها 47.9 بالمئة، ملقياً باللائمة في تلك الزيادة على "المهاجرين".
ولم يفت الدراسة الإشارة إلى أنه من المعتاد أن يعقد وزير داخلية الولاية مؤتمراً صحفياً واحداً لهذا الغرض في العام ويقدم البيانات الإحصائية الخاصة بالعام الذي قبله، ما حدا ببعض المراقبين إلى اتهام الحزب البافاري وهيرمن بعقد المؤتمر في مثل ذلك التوقيت لـ"غايات انتخابية".
وماذا عن التأثير؟
سجل العاملون على الدراسة أن الأخبار الكاذبة لم تحظَ بانتشار كبير إلا في حال قامت وسائل الإعلام التقليدية بتلقيفها والمساهمة في نشرها. وأضافت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي في ألمانيا-وعلى عكس الولايات المتحدة-لا تلعب دوراً كبيراً كمصدر للمعلومة. ولم تسجل تلك الأخبار نجاحاً وانتشاراً إلا بين أنصار حزب البديل واليمين المتطرف. كما عللت عدم تحقيق تلك الأخبار تأثيراً كبيراً في الانتخابات إلى "الثقة الكبيرة" لدى المواطن الألماني في وسائل الإعلام الألماني التقليدي.
وتتفق الدكتورة إنجي سلامة، الحاصلة على الدكتوراه من جامعة برلين الحرة والمقيمة في العاصمة الألمانية، "تماماً" مع الدراسة من زاوية التأثير على الانتخابات، مضيفة: "لعبت وسائل الإعلام التقليدي بالفعل دوراً لا يستهان به في توسيع دائرة وصول بعض الأخبار الكاذبة". ولم يكن مستغرباً بالنسبة لها "أن يكون إما أول خبر في التلفزيون أو ثاني خبر يدور حول حادثة أو مشكلة لأحد طالبي اللجوء". وتمضي الباحثة المصرية قائلة: "كأن وسائل الإعلام التقليدية تساهم أيضاً في وضع أجندة المشاهد، مقدمة أخبار اللاجئين على أخبار أخرى".
خالد سلامة- مهاجر نيوز 2018