اللبنانيات ما بين التقدم المهني ورعاية الأسرة

على الرغم من الوسط الشيعي المحافظ الذي نشأت فيه نجلاء جابر في إحدى قرى جنوب لبنان، فإنها استطاعت أن تشق طريق النجاح في مسارها المهني وتجمع بين العمل وتربية الأولاد. تقضي نجلاء البالغة من العمر 42 عاما كامل يومها في العمل كمفتشة في وزارة الزراعة اللبنانية في بيروت. وبعد انتهائها من العمل تحتاج إلى أكثر من ساعة ونصف للعودة إلى منزلها في إحدى قرى جنوب لبنان. وتقر نجلاء بصعوبة وضعها لكنها في نفس الوقت راضية عن اختيارها وتقول :" أقضي وقتا طويلا في العمل، وأضطر في بعض الأحيان إلى التضحية بالوقت المخصص لأسرتي ولمواهبي الخاصة. لهذا على المرء تحديد أولوياته وأنا اخترت العمل ليكون على رأس أولوياتي". ومن حسن حظ نجلاء أن زوجها علي وابنيهما متفهمان لوضعها ويدعمانها في عملها، فترك الأسرة جانبا والتفرغ للعمل خارج البيت مازال أمرا غير مألوف في لبنان رغم الصورة العصرية الراسخة في أذهان الكثير من الناس حول هذا البلد.

امتيازات كبيرة للرجال

وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة النساء العاملات داخل المجتمع اللبناني لا تتعدى الـ 27 في المائة، كما أن عددا قليلا فقط من النساء هن من يتقلدن مناصب قيادية في البلاد. إضافة إلى وجود فرق كبير في الأجور وفي التسهيلات الضريبية بين الرجال و النساء.

وترجع نادية خليفة، مديرة قسم الدفاع عن حقوق النساء في منظمة هيومن راتش ووتش ـ فرع الشرق الأوسط ـ أن السبب في انخفاض نسبة النساء العاملات مقارنة بالرجال يرجع إلى أن عددا كبيرا منهن يفضلن التفرغ لرعاية أسرهن على الاشتغال خارج البيت. و ترى الناشطة الحقوقية أن اللبنانيات اللواتي قررن العمل، يعشن ضغوطات كبيرة، فبالإضافة إلى التميزالذي يعانين منه في أماكن عملهن، ينتظر منهن بعد الانتهاء من العمل تخصيص وقت كافي لتربية الأبناء ورعاية الأسرة.

ويوحي المظهر الخارجي للنساء اللبنانيات أنهن متحررات وعصريات ، فالكثير منهن يرتدين ملابس عصرية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتهن في الغرب بل تكون في بعض الأحيان أكثر جرأة وتحررا، لكن واقع حال المرأة اللبنانية يؤكد أنها مازالت بعيدة عن المرأة الغربية من حيث الحقوق والمكتسبات. فعلى سبيل المثال لا يحق للمرأة اللبنانية منح زوجها الأجنبي وأطفالهما الجنسية اللبنانية. كما أن غالبية قضايا الطلاق والزواج والحضانة تفصل فيها المحاكم الشرعية سواء الإسلامية أو المسيحية أو الدرزية.وحتى في المجال السياسي مازال دور النساء محدود جدا. فتحت قبة البرلمان اللبناني، تجلس فقط ثلات نساء، كما أن الحكومة اللبنانية المشكلة من 30 وزيرا لا يوجد فيها سوى وزيرتين.

غياب حركات نسائية قوية

وتنتقد نادية خليفة هذا الوضع وترجعه إلى غياب حركة نسائية قوية في البلاد تدافع عن حقوق النساء، وتقول في هذا الصدد:" هناك بعض المنظمات النسائية لكن عندما تنزل إلى الشارع وتتحدث إلى النساء فإنك لا تجد تحمسا كبيرا لديهن للدفاع عن حقوقهن".

وتعتبر السيدة ليندا مطر، رئيسة رابطة الدفاع عن حقوق النساء، أحد رموز الحركة النسائية في لبنان. فبفضل مجهوداتها المتواصلة تمكنت المرأة اللبنانية عام 1953 من الحصول على حق الترشيح والانتخاب. وتؤكد السيدة ليندا التي تبلغ من العمر 84 عاما على صعوبة عملها وذلك بسبب غياب الوعي الكافي لدى عدد كبير من اللبنانيات بحقوقهن، غير أنها تصر على مواصلة مسيرتها في الدفاع عن المرأة مادامت حالتها الصحية تسمح لها بذلك.

أما نجلاء فاختارت نوعا آخر من النضال. فبجمعها بين العمل ورعاية الأسرة تقدم نموذجاً حياً على أن المرأة في لبنان يمكنها تحقيق طموحاتها متى توفرت لها الرغبة والإرادة اللازمتين. وهو أمر تقر نجلاء بصعوبته، خاصة في مجتمع عربي شرقي كالمجتمع اللبناني وتقول:" هناك الكثير من التابوهات في مجتمعنا، كما أن المرء هنا لن يشعر بالحرية الحقيقية إلا إذا أدار ظهره لأقوال الناس وأحكامهم ولم يبالِ بها".

بيرجت كاسبار/هشام الدريوش

مراجعة: هبة الله إسماعيل