المغرب: هل تفتح مسيرة 20 فبراير شهية التغيير؟
٢١ فبراير ٢٠١١تضاربت التقديرات حول عدد المشاركين في مسيرات الاحتجاج التي دعت إليها حركة 20 فبراير الشبابية ودعمتها منظمات وأحزاب وشخصيات مغربية مختلفة. المنظمون تحدثوا عن أكثر من 200 ألف مشارك فيما حصر وزير الداخلية عددهم في 37 ألفا على امتداد 53 عمالة وإقليم.
المحتجون في العاصمة ساروا أمام المحلات والمقاهي التي ظلت مفتوحة، لكن مدنا أخرى شهدت أعمال عنف أسفرت عن سقوط 5 قتلى في مدينة الحسيمة (شمال البلاد) راحوا ضحية إحراق وكالة بنكية. أعمال الشغب هذه قام بها "مشاغبون من بينهم بعض القاصرين وذوي السوابق القضائية، بعد انفضاض هذه التظاهرات" كما صرح بذلك الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية، مؤكدا أن التظاهرات "مرت في جو سلمي يطبعه الهدوء والانضباط، بفضل ما تعرفه بلادنا من اتساع لفضاء الحريات والممارسة الديمقراطية السليمة والحق في التعبير عن الرأي".
20 فبراير لم يقنعوا كل الشباب
مسيرات الأمس تميزت بحضور لافت للجمعيات الحقوقية والنقابات وأحزاب المعارضة غير البرلمانية وشخصيات سياسية من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي قاطعت قيادته المظاهرات، وحزب الاتحاد الاشتراكي المشارك في الحكومة. شباب 20 فبراير أخرجوا بعض الكهول الذين علقوا نشاطهم السياسي منذ مدة بسبب "ركود الحقل الحزبي"، كما يشرح أحدهم لـ"دويتشه فيله". غير أنهم لم يتمكنوا من إقناع شباب آخرين.
يقول مهدي بنسيعد، رئيس "رابطة الشباب الديمقراطيين، في حوار مع "دويتشه فيله": "نحن متفقون مع مطالب الشباب، نحن مع إصلاح دستوري ووضع حد للإفلات من العقاب وإصلاح الجهاز الأمني، لكننا أيضا مع التطبيع السياسي وتطوير نظام الحكامة والإدارة الرشيدة لتحقيق التنمية. لم نشارك في مسيرات الأمس لأننا نرفض أن يستغل المتطرفون مطالب الشباب ويركبوا عليها، سواء الإسلاميون أو اليساريون الراديكاليون. كما أننا نرفض ركوب موجة ما يقع في العالم العربي، فالمغرب ليس هو تونس أو مصر والمغاربة يخرجون للتظاهر يوميا. ما حدث أمس لم يكن استثنائيا. هناك تأخر في الإصلاحات يجب تداركه، ونحن ندعو شباب 20 فبراير وكل المنظمات الشبابية للحوار من أجل صياغة مطالب شبابية لا يركب عليها آخرون لتحقيق أجنداتهم السياسية".
الرابطة التي يرأسها بنسيعد مقربة من حزب الأصالة والمعاصرة الذي طالب متظاهرون بحله واتهموه بالاستفادة من دعم الدولة. محمد لحمين، شاب من الاتحاد الاشتراكي ناشط على الفيسبوك، لم يقتنع بدعوة 20 فبراير ولا دعوة بعض أعضاء شبيبة حزبه يقول لـ"دويتشه فيله": "أؤمن بدولة الحق والواجب وأعتبر الدعوة عبر فيسبوك تسييسا مفرطا للشبكات الاجتماعية. لم أخرج لأنني مقتنع بأن المطالب المرفوعة هي مطالب أحزاب قائمة وتشتغل من داخل المؤسسات وإعادة طرحها من خلال الفيسبوك ليس سوى تقليد لما جرى في دول أخرى. هناك مسلسل ديمقراطي يتطور في المغرب، رغم ما يواجهه من عوائق مثل ضعف النخب وهشاشة الاقتصاد وضعف الإعلام العمومي وفساد الحقل الحزبي وانتشار الرشوة، مجرد اعتراف الجميع بهذه السلبيات يعبر عن رغبة في تعزيز الديمقراطية".
إصرار على الصمود
مقابل التحفظات التي عبر عنها بعض الشباب يؤكد آخرون عزمهم على مواصلة النضال من خلال وقفات احتجاجية يومية تتوج بمسيرة أخرى نهاية الأسبوع المقبل. منتصر الإدريسي، عضو حركة 20 فبراير، يقول لـ"دويتشه فيله": "مسيرات الأمس كانت ناجحة بكل المقاييس، رغم تدخل البلطجية الذين نحمل المخزن - السلطة المركزية- مسؤولية ما اقترفوه من تخريب. نريد تغييرا عميقا وليس مجرد إصلاحات شكلية".
نضال سلام حمداش، مسؤولة قطاع الشباب بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعتقد بدورها، في حوار مع "دويتشه فيله"، أن مسيرات الأمس "كانت ناجحة، خاصة بحضور الشباب وتلبية الدعوة في العديد من المدن، وهو شيء مهم بالنسبة لحركة تأسست حديثا. لا شك أن أعضاءها سيتزايدون والاستجابة لنداءاتها ستكبر، وستضطر الدولة في النهاية للاستجابة إلى مطالبها".
لكن هل نجحت الحركة في استقطاب شباب جدد؟ "طبعا، لم نستطع في الجمعية إقناع هذه الأعداد الهائلة التي حضرت مسيرات الأمس بتلبية دعواتنا المختلفة. كما أن الهيئات السياسية التي حضرت المسيرات التزمت بسقف مطالب الحركة". أما عمر الراضي، أحد أعضاء 20 فبراير، فينبه إلى أن "رجال أعمال ومواطنين أنيقين بربطات عنق كانوا حاضرين في مسيرة الدار البيضاء، ما يدل على انخراط أكبر للطبقة الوسطى في هذه الدينامية. أعتقد أن الحركة ستكبر رغم تضليل الإعلام الرسمي".
وزير الداخلية المغربي لم يوضح ما إذا كانت السلطات ستمنع وقفات هذا الأسبوع مسيرة الأحد المقبل تاركا الباب مفتوحا على كل الاحتمالات: "إن السلطات العمومية، بقدر حرصها على توفير المناخ الأمثل لممارسة حرية التعبير عن الرأي، فإنها وبنفس الحرص، ستتصدى وبقوة القانون لكل ما من شأنه المس بالأمن العام وبسلامة المواطنين أو الإضرار بممتلكاتهم".
هل يضمن المنظمون التحكم في الشارع؟ "البوليس في المغرب يسمى الأمن الوطني، أي أنه يجب أن يحفظ الأمن ولا يقتصر على القمع" يرد منتصر الإدريسي، محذرا من "القمع في المدن الصغرى البعيدة عن كاميرات الإعلام الدولي".
ماذا بعد؟
وزير الداخلية المغربي أكد فتح تحقيقات لكشف الحقائق عن أحداث الشغب ومتابعة المتسببين فيها، غير أنه لم يشر إلى إمكانيات الاستجابة لمطالب الإصلاح التي رفعها المتظاهرون. أما خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، فأكد أن مطالب المتظاهرين "كلها مطروحة في الأجندة التي تتعامل بها معظم القوى السياسية، سواء كانت في الأغلبية الحكومية أو في المعارضة، وهناك إجماع لكل الشركاء السياسيين على أن هناك حاجة إلى إعطاء دفعة قوية جديدة لمسلسل من الإصلاحات في تناغم تام مع ملك البلاد".
محمد مدني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط، تساءل في حوار مع "دويتشه فيله": "الكرة الآن في ملعب النخب الحاكمة، لقد تم التعامل أمنيا بذكاء مع مسيرات الأمس، فهل سيتم التعامل معها سياسيا بذكاء وعدم اعتبارها مجرد احتجاج عابر بل احتجاج عميق يدل على تحولات في المجتمع المغربي؟"
واعتبر أن المطالب واضحة وتتعلق بإصلاحات دستورية تضمن إمكانية محاسبة الحاكمين في ظل ملكية برلمانية، إضافة إلى المطالب الاقتصادية والاجتماعية، ومطلب فصل بين الثروة والسلطة الذي يمكن اعتباره جديدا ضمن لائحة مطالب الشارع.
اسماعيل بلا وعلي – الرباط
مراجعة: عبد الرحمن عثمان