الموسيقى الإسلامية الخفيفة: بين الأغاني الرائجة والـ"هيب هوب"
١٨ يوليو ٢٠٠٦الشعبية التي تحظى بها فرقة "Outlandish" الموسيقية لا تتوقف عند حدود الدانمارك وحدها بل غدت منذ بضعة سنوات تشع على مدى جغرافي أوسع. بينما غدا المغني الإسلامي سامي يوسف في بريطانيا محط اهتمام كبريات القنوات الإعلامية مثل الـ"بي بي سي" و صحيفة "الغاردينْ" اليومية التي تقدم عرضا عنه للجمهور. وفي ألمانيا أيضا هناك بوادر أوليّة لموسيقى "إسلامية" خفيفة.
عمّار الشاب الألماني من أصل أثيوبي المقيم بفرنكفورت والذي اعتنق الإسلام في سن التاسعة عشر له ما يفوق دزّينة من أغاني "الراب" التي ألفها بنفسه، والتي لا تشهد له باقتداره على التأليف فحسب، بل وتبعث كذلك على الاعتقاد بأنه يمتلك موهبة فكاهية ساخرة؛ في مقطوعة Stakkato على سبيل المثال يتحدث عن جورج بوش الذي يطلق لحيته ويغيّر معتقده ليعتنق الإسلام.
ولئن كان الطالب الفرنكفورتي الذي يتابع دراسته من أجل العمل كمدرس لا يخاطب سوى أقلّية ضئيلة عبر مقطوعاته المكونة من مزيج من السخرية والدعوة الدينية المتحمسة، والتي لا يمكن الاستماع إليها حاليا إلا على شبكة الأنترنت، فإنه مع ذلك صاحب رسالة هامة موجهة إلى الشبان والفتيات المسلمين من ذوي التديّن البالغ وتتلخص في: نعم للتعايش السلمي بين الأديان والثقافات، ولا للحكم الإجمالي على الغرب وأبْلَستهِ:
"إلى كل جبان يقبَل بالكراهية والإرهاب، ويفرح عندما تنفجر قنبلة في مكان عمومي؛
وكل من يساند وينفّذ مثل هذه الأعمال، وباسم الإسلام يعتدي على السلام:
إنكم تأتون ظلما وتتبعون الشيطان، وتنساقون لضعفكم الداخلي، لا إلى قيم الإسلام.
إنكم تمرغون ديانتنا في الأوحال. إن كنت مستاء ولم تعد تقوى على الاحتمال، فلتؤلّف من الأفضل مقطوعة "راب."
يوسف إسلام: معبود المستمعين
النجم الموسيقي الذي يعشقه الكثيرون من المسلمين المتديّنين هو يوسف إسلام، أو كات ستيفنس سابقا الذي اعتنق الإسلام في سنة 1977 وظل لسنوات بعدها موليا ظهره للموسيقى لأسباب دينية. غير أن الاعتقاد بأن الإسلام يحرم الموسيقى يظل أمرا مختلفا حوله بين أهل الاختصاص من المسلمين:
"ذلك هو ما ظل يدعيه بعض الفقهاء المسلمين عبر التاريخ. لكن ليس هناك في القرآن أي تحريم للموسيقى، لا بصريح العبارة ولا بطريقة ضمنية"، يقول أنس سابيتوفيتش البوسني الأصل، وهو أستاذ القيثارة الكلاسيكية والمحرر الصحفي المختص في الموسيقى لدى صحيفة Islamzeitung برلين.
لهذا السبب، وكذلك تحت تأثير الانتشار المتزايد لعدم التسامح والعنف في العالم باسم الإسلام عمد يوسف إسلام عبر حوارات صحفية ورسائل مفتوحة موجهة إلى محبّيه إلى التأكيد على أن النبي محمد قد شجع تشجيعا صريحا على تعاطي الشعر والموسيقى ذات التأثير البناء. أما عن حفلات يوسف إسلام وألبوماته الموسيقية فتظل دوما مطبوعة بالطابع الإسلامي.
تدور كلمات أغانيه حول التسبيح لله والثناء عليه ومدائح دينية، ويطغى على موسيقاه طابع "النشيد"؛ وهو غناء ديني صوفي شبيه في أغلبه بالأذكار، مطعّم ومخفّف في أفضل الأحوال بشيء من الإيقاع. كما يستعيد يوسف إسلام بعضا من مقطوعاته القديمة الشهيرة المؤلفة تحت إسم كات ستيفنس مثل "Peace Train" مقتبسا من أسلوبها الموسيقي.
لكن هناك عدد متزايد من الشباب المسلم المتديّن يريد أكثر من هذا: هؤلاء يبدون إعجابا كبيرا عندما تقدم لهم الرسالة الدينية عن طريق الموسيقى الخفيفة في شكل "راب" أو "هيب هوب" أو "سوفت روك"، كما هو الشأن على سبيل المثال لدى المغني البريطاني سامي يوسف. و"هذه ليست أشكالا موسيقية تقليدية"، يوضح الموسيقار والصحافي البرليني أنس سابيتوفيتش، "إنها موسيقى "بوب" بامتياز. الكلمات فقط تظل إسلامية."
سامي يوسف: عفيف، غير مسيّس و نابذ للعنف
سامي يوسف من مواليد سنة 1980، ابن عائلة مهاجرة من أذربيجان قد ترعرع في بريطانيا حيث درس الموسيقى في الأكاديمية الملكية الشهيرة بلندن. في الأثناء أصبح يجوب العالم بمجموعة أغانيه الإسلامية التثقيفية؛ وهو مدين في النجاح الباهر والسريع الذي غدا يحظى به إلى موقفه الواضح الذي ينبذ العنف والإرهاب، وكذلك إلى قناة "إقرأ" التلفزية السعودية.
يعمل سامي يوسف عبر "الفيديو كليب" على نشر إسلام ليبرالي جديد يريد أن يكون ملائما للشرق والغرب معا: إسلام متعفّف، غير مسيّس، خال من العنف ومتجه إلى تثبيت الأواصر العائلية. محتوى قائم على رسالة أخلاقية واضحة عوضا عن الدعاية السياسية الإسلاموية، ودعوة إلى الفعل الاجتماعي الملموس: رسالة برغماتية تلاقي تقبلا جيدا لدى جزء كبير من الشباب الإسلامي.
الطالبة الألمانية المغربية الأصل سلوى محمود (24 سنة) المقيمة بالقرب من مدينة بون والتي تدرس بشعبة العلوم الدينية ترى في سامي يوسف الصنو الإسلامي لكسافييه نايدو: "إنه يقدم موسيقى تتجاوب وانتظارات الشباب وتتطرق إلى مواضيع مهمة بالنسبة لهؤلاء، مثل: ما هي الغاية من الحياة؟ من هو الله؟ من هو النبيّ؟ وعلى أية صورة يمكن أن تكون الحياة المرتّبة والمقنّنة؟"
تديّن، لكن في حدود
سلوى محمد التي لها التزامات في حقل العمل الاجتماعي وغالبا ما تقوم في إطار نشاطها داخل "Lifemakers Deutschland" بزيارات منتظمة المعوزين المشردين، ترى في سامي يوسف مثالا يحتذى. لكن هل يعني هذا أن الموسيقى الإسلامية الخفيفة ستجد لها جمهورا واسعا داخل البلدان الناطقة باللغة الألمانية فذلك ما يظل موضع سؤال.
صحيح أن الكثيرين من الشبان والفتيات من ذوي الأصل الإسلامي في ألمانيا يعتبرون الدين مسألة مهمّة بالنسبة إليهم، لكن الأغلبية الكبرى لا تمارس الشعائر الدينية، بل هم غير متديّنين أصلا. وإذا ما كانت لديهم رغبة في الاستماع إلى موسيقى لها علاقة بالإسلام فإنهم يفضلون فرقا من نوع Outlandish أو مغنّيي "راب" من نوع Everlast؛ أي موسيقيين شبان يركزون على الهوية الإسلامية لكن دون أغراض تبشيرية.
وكذلك هو الشأن بالنسبة لأستاذ القيثارة والصحفي البرليني أنس سابيتوفيتش الذي يعلن: "إنني أقيم تمييزا واضحا في هذا المجال. فالجانب الفنّي هو الذي يمثل طليعة الاهتمامات لديّ". أما الموسيقى التي يفضل الاستماع إليها في حياته الخاصة فهي الموسيقى الكلاسيكية والجاز.
بقلم مارتينا صبرا
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006