الهند والعالم الإسلامي.. تخوّف من تصعيد يغذي العنف المذهبي
٧ يونيو ٢٠٢٢احتجاجات كبيرة في عدة مناطق بالهند، وبيانات احتجاج من دول إسلامية، ومطالب كبرى للهند بالاعتذار. تجد الحكومة الهندية نفسها مرة أخرى أمام تنديد إسلامي واسع بعد تصريحات اعتبرت مسيئة من شخصيتين في الحزب الحاكم، وهو حادث جديد ينضاف لسلسلة اتهامات سابقة توجه لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، الهندوسي القومي، بتبني سياسات تقصي المسلمين، منذ صعود ناريندرا مودي إلى رئاسة الوزراء عام 2014.
ماذا جرى تحديدا؟
شاركت المتحدثة الرسمية للحزب، نوبور شارما في مناظرة تلفزيونية الشهر الماضي من مواضيعها النقاش حول بناء مسجد في شمال شرق الهند في موقع ضريح هندوسي سابق. حسب مواقع هندية غطت ما قالت، فإن شارما تساءلت إن كان بإمكانها الاستهزاء ببعض أجزاء من القرآن، وذكرت بالخصوص "الخيول الطائرة" في إشارتها لما يعرف عند المسلمين بـ"البراق".
لكن التصريحات التي أثارت الغضب أكثر كان حديثها عن زواج نبي المسلمين محمد من عائشة، وذكرت أن هذه الأخيرة كان عمرها 9 سنوات حين وقوع الزواج.
يذكر أن هذا الموضوع يعدّ خلافيا لدى الكثير من فقهاء الإسلام.
ما زاد من سوء الوضع، قيام مسؤول آخر في الحزب، اسمه نافين جيندال، بنشر تغريدة عبارة حول المضمون نفسه فيها تساؤل عن الاغتصاب. تمت ترجمة التغريدة من الهندية إلى لغات أخرى ووصل مضمونها إلى خارج الهند.
في البداية اعتبرت شارما أن صحفيا قام بتقطيع تصريحاتها لإخراجها من السياق وحملته مسؤولية سلامة أسرتها، لكن لاحقا اعتذرت عن كلامها وأعلنت سحبه بالكامل دون قيد أو شرط، لافتة أن سبب ذكره كان ردها على تعليق مهين لواحد من آلهة الهندوس.
كما قام جيندال بسحب تغريدته والاعتذار، وقال إن الأمر كان مجرد سؤال لا يحمل منه موقفا تجاه نبي الإسلام. وحاول الحزب الحاكم وقف التداعيات بإعلانه طرد الأخير من الحزب وتوقيف الأولى، مؤكدا شجبه لـ"إهانة الأديان أو الشخصيات الدينية".
تنديد خليجي ودعوات للمقاطعة
ندّدت دول إسلامية عدة بهذه التصريحات. البداية بجارة الهند باكستان التي دعت إلى مواجهة "الوضع المتفاقم للإسلاموفويا" في الهند. منظمة التعاون الإسلامي استنكرت بشدة، ودعت الأمم المتحدة إلى التصدي للممارسات التي تستهدف المسلمين في الهند، كما نددت دول إسلامية أخرى في شرق آسيا كإندونيسيا.
ومن أكثر الجهات التي نددت الدول الخليجية. قطر والكويت استدعتا سفيري الهند لديهما، السعودية شجبت التصريحات بقوة، وكذلك فعلت البحرين. يمثل الخليج أهمية استراتيجية للهند، إذ يوجد حوالي 8.5 مليون عامل هندي في دول الخليج العربية، حسب إحصاء رسمي لمجلس التعاون الخليجي ، يساهمون في إعالة أسرهم في الهند وفي تمكين البلد من العملة الأجنبية، وذلك في بلد رغم تقدمه التكنولوجي، لا يزال يعاني تباينات كبيرة وانتشارا للفقر في عدة مناطق، ما يجعل العمالة الهندية مصدرا مهماً للدخل.
ونشر مغردون خليجيون كثر مطالب بوقف استقدام العمالة الهندية، وكتب فهد الغفيلي، أن "تسريح العمالة الهندية ستشكّل ورقة ضغط اقتصادية كبيرة على حكومة مودي، التي تجاوزت كل الحدود"، حسب تعبيره.
غير أن هناك من انتقد هذه الطريقة في الرد، وكتب الناشط السياسي والصحفي اليمني علي البخيتي، " كنسل (ألغ) كتاب صحيحي البخاري ومسلم، لأنهم هم من أساؤوا لنبيك"، متحدثا عن أن هذه الكتب هي من تتضمن ما اقتبست منه القيادية الهندية كلامها، مضيفاً أن العمال البسطاء لا دخل لهم حتى ولو كانت حكومتهم هي من اخترعت الحديث المسيء".
كما كتب حسن من المغرب: "هناك أساليب ديبلوماسية وحتى اقتصادية للضغط بعيدا عن العنصرية"، مضيفا: "ما رأيته من تغريدات دليل أننا لا نختلف في شيء عن تلك التصريحات. لأنه لا يمكن أن تنتصر للحق من خلال الباطل، واتضح أن العنصرية والنظرة الفوقية تجاه العملاء من هذه الدول متجذرة في الفكر العربي عموما".
وانتشرت كذلك دعوات لمقاطعة المنتجات الهندية، ونشر مغردون صورا لإزالة هذه المنتجات من الأسواق، فيما نشر آخرون صورا تستهزئ من الهندوس ومن طقوسهم.
بقدر ما توجد خسائر متوقعة للهند من أيّ تصعيد مع الدول الخليجية بالتحديد، لا سيما فيما يتعلّق بتصدير المحروقات إلى الهند التي تعد من كبار مستوردي النفط والغاز المسال في العالم، فإنه في المقابل كذلك خسائر متوقعة للجانب الخليجي.
وتظهر هذه الخسائر في كون الهند مرشحة لتكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم في أفق 2030، وتتوفر على سوق استهلاك كبير يتيح للشركات الخليجية الاستثمار، وتحديدا لدى المكوّن المسلم هناك، فرغم أن المسلمين يشكلون أقلية في البلد، إلّا أن عددهم يصل إلى حوالي 200 مليون، ما يجعل الهند ثالث أكبر بلد من حيث أرقام المسلمين، بعد إندونيسيا وباكستان.
تخوّف من التصعيد
في الوقت الذي شهدت فيه الهند احتجاجات في الشارع من مجموعات من المسلمين، بعضها وصل إلى صدامات مع قوى الأمن كما جرى في مدينة كانبور، هناك تخوّف كبير من أن يؤدي الاحتقان إلى توتر اجتماعي يغذي أعمال عنف مذهبية.
وانتشرت آراء من القوميين الهندوس لرفض التصعيد ضد مسؤولي الحزب الحاكم، كما انتشرت تغريدات على مواقع التواصل من الهندوس للرد على التصعيد الخليجي، ومن ذلك المطالبة بمقاطعة الخطوط الجوية القطرية، وفق ما ذكرت الواشنطن بوست.
ونقلت الصحيفة عن معلّق في موقع مقرّب من الحزب الحاكم أن نوبور شارما تُركت لوحدها وتمّت إهانتها، كما نقلت عن ناشط آخر في الحزب أن "الدول الإسلامية لم تقف يوما إلى جانب الهندوس عندما انتقص مسلمون من الآلهة الهندوسية، مذكرا الحزب بأن عليه أن يتذكر من أين يستمد قوته، في إشارة منه للكتلة الناخبة التي صعدت الحزب إلى السلطة، والمتكونة بشكل رئيسي من الهنود القوميين.
ويكمن التحدي للحزب الحاكم الهندي في التوفيق بين إطفاء لهيب الأزمة مع العالم الإسلامي والحدّ من تداعيات التصريحات، ومن جهة أخرى عدم خسارة قاعدته المجتمعية.
ولطالما وُجهت انتقادات إلى هذا الحزب بالتسامح مع سلوكيات تضيّق على المسلمين في البلد لأجل الحفاظ على ناخبيه، ومن ذلك تحويل مساجد إلى معابد هندوسية، أو منع الحجاب في الجامعات والمدارس بإقليم كرناتاكا، أو في قانون الجنسية الذي استثنى المهاجرين المسلمين في البلد من الحصول على الجنسية الهندية إن كانوا يواجهون اضهادا في بلدانهم الأصلية عكس غير المسلمين.
وتملك الهند ذكريات سيئة للغاية مع التوتر المذهبي، فبسبب هذا القانون شهدت البلاد أعمال عنف وصلت حدّ سقوط قتلى وجرحى عامي 2019 و2020، واندلعت أعمال عنف متفرقة عام 2020، أحدها في نيودلهي بعد مرور موكب هندوسي في ضاحية مسلمة بنيودلهي، لكن ذكرى عام 1969 عندما قُتل المئات، غالبيتهم من المسلمين، هي الأسوأ. وتكرر العنف كثيرا منذ قرار تقسيم الهند 1947، إذ يرى تانفير إيجاز، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة دلهي، إن المسلمين في الهند يعيشون تحت ذنب تقسيم الهند عام 1947 عندما انتقلت غالبية مسلمة إلى باكستان، الدولة الناشئة عند ذلك التاريخ.
ويشير المتحدث في حديث سابق مع DW أن وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى السلطة ساهم في تكرار أعمال العنف، وإن الهوية في البلد صارت تشكل على أسس عرقية ما أجج كثيرا المواجهة على الأساس الثقافي/الديني.