الولايات المتحدة الأمريكية وأهمية الثامن من أيار/مايو 1945
خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى. ومنحت الانتصارات شعور الثقة بالنفس وازدهاراً اقتصادياً لا مثيل له، وتلى ذلك حركة الدفاع عن حقوق الإنسان. ولم يكن الرئيس روزفيلت وإنما الرئيس هاري ترومان الذي أعلن في الراديو في الثامن من أيار/ مايو من عام 1945 انتهاء الحرب في أوروبا، أما روزفيلت الذي قاد بلاده في الحرب فكان قد توفي قبل شهر من نهايتها.
ترومان الذي عبر عن ارتياحه أثناء إعلانه الخبر في الإذاعة حذر من الإفراط في الاحتفالات لأن الحرب في المحيط الهادي لم تنته بعد، وطالب مواطنيه أن لا يحتفلوا بالنصر وإنما أن "يهيئوا أنفسهم للمهام الجديدة التي تنتظرهم." لكن تحذيراته لم تمنع آلاف الأمريكيين من الخروج إلى شوارع المدن ومن أهمها نيويورك حيث تجمع أهاليها في ساحة تايمس سكوير، فكان تجمعهم ومعهم الزمامير والوريقات الملونة يشبه احتفالات رأس السنة الميلادية، مما اضطر حوالي 15 ألف شرطي إلى تنظيم مسيرات المحتفلين هناك.
بدء مرحلة جديدة
لكن جو الفرح عند المحتفلين لم يقتصر فقط على حدث انتهاء الحرب في أوروبا، وإنما خرجت الولايات المتحدة كقوة وحيدة من دول الحلفاء التي لم تصب بخسائر كبيرة. ويقول المؤرخون إن الأمريكيين كانوا يعلمون حجم الأرباح التي جنوها من انتهاء الحرب. فقد ازدادت أهمية الولايات المتحدة على الساحة الدولية إضافة إلى ازدهار الاقتصادي الذي جعل الأمريكيين ينسون أزمةالثلاثينيات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد. ويقول استاذ التاريخ في جامعة ستاندفورد ديفيد كينيدي "إن تأثير الحرب العالمية الثانية القوي لا يمكن تقديره"، وكان هذا المؤرخ قد ألف كتابا عن الأمريكيين بين عامي 1929 و1945 جاء فيه: "شكلت الحرب العالمية الثانية تحولا جبارا في التاريخ الأمريكي لان كل شيء تغير بعدها."
قوى عظمى مترددة
صرح تشرشل بعد انتهاء الحرب أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتلت قمة العالم، وجاءت هذه التصريحات لتدل على وضع امريكا المتغير، حيث تحولت خلال خمس سنوات من بلد منعزل إلى بلد ذي قوة عظمى حتى بعد أن كانت قد دخلت الحرب مترددة. ولذا كانت مهمة ترومان وحكومته استغلال هذا الدور غير المريح لتستفيد منه البلاد بأكبر قدر ممكن ومنع نشوء نزاعات إقليمية كبيرة. وكان على ترومان من أجل تحقيق ذلك أولاً التغلب على المعارضة الداخلية. وعلل البعض أن احتكار القنبلة النووية سيكون الحل الوحيد لضمان أمن البلاد، هذا الأمن الذي كانت امريكا بحاجة إليه بعد استخدام القنبلة النووية في اليابان وبعد أشهر قليلة من الانتصار في أوروبا.
ويقول ديفيد رينولدس أستاذ التاريخ في جامعة كمبريدج وصاحب كتاب "من ميونيخ إلى بيرل هاربور: أميركا روزفيلت وبدايات الحرب العالمية الثانية.": "اعتقد معظم الأمريكيين أن الولايات المتحدة هي الوحيدة تقريباً التي خرجت منتصرة من الحرب."
وكان استخدام القنبلة الذرية في اليابان قد عزز هذا الانطباع لدى الرأي العام الذي كان يتصورون أمريكا بانها قوة عظمى مع تناسي الدور الروسي في الحرب. واستطاع ترومان نقل الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية لتشغل مراكز مهمة في المنظمات العالمية، هذا الدخول اعتبر تنفيذا متأخرا لخطط الرئيس السابق وودرو ويلسون، حيث كانت الولايات المتحدة إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة ولصندوق النقد الدولي إضافة للبنك الدولي ولحلف الناتو ومنظمات عالمية أخرى.
مرحلة الازدهار
بعد استخدام شركات صناعة الأسلحة في فترة ما بعد الحرب في الأغراض السلمية، إضافة إلى تسريح العديد من الجنود من الخدمة العسكرية، عاشت البلاد مرحلة متقدمة من الازدهار والانتعاش. فقد استطاع الجنود المسرحون من تكوين عائلات، مما يعني زيادة طبيعية في حجم الولادات في أمريكا. من جهة أخرى ارتفع إنتاج الإجمال المحلي من 55 مليارا في سنوات الكساد ليصل إلى 257 مليار دولار في عام 1948. هذا الانتعاش ساعد المواطنين الأمريكيين على الإنفاق وزيادة الترفيه إضافة إلى شراء الكماليات من الأدوات المنزلية والسيارات الفخمة. سياسة "الإنفاق الجديد" هذه والتي اتبعها روزفيلت مكنت الأمريكيين من الشعور بالارتياح ورغد العيش بعد سنوات الحرب الطويلة، الأمر الذي ساعد الكثير من العائلات على الانتقال من المدن الكبيرة المزدحمة للعيش في الأرياف وضواحي هذه المدن.
التمييز العنصري وحقوق الإنسان
انتقد المواطنون السود السياسات الأمريكية والتي تعمل على التمييز العنصري بين طبقات المجتمع، حيث بدأ المواطنون البيض بقطف ثمار السلام والازدهار الاقتصادي متناسين مواطنيهم السود الذين شاركوا أيضاً في الحرب. هؤلاء المواطنون، الذين انتقدوا السياسة العنصرية المنافقة في بلادهم، بدءوا يطالبون بحقوق أكثر إضافة إلى المساواة والعدالة بين طبقات المجتمع. هذه المطالبة كانت بمثابة حجر الأساس لحركة حقوق الإنسان في الخمسينيات. وفي هذا المجال يقول المؤرخ ديفيد كينيدي: "بعد الحرب ارتفعت الثقة بقدرة المجتمع على حل هذه المشاكل" ويتابع قائلا: "لقد استفاد المواطنون السود من الازدهار الاقتصادي دون أن يتشكل الانطباع عند الآخرين أنهم فقدوا شيئاً." وعلى الرغم من دعوة ترومان للإصلاح الجديد "الصفقة العادلة، Fair-Deal" والتي لم تلق ترحيب الكثيرين إلا أنها ساعدت على تطور حركة حقوق الإنسان.
كريستينا تسيفيكا/ ترجمة سمير مطر