اليابان والثامن من أيار/ مايو 1945
صرح الرئيس الأمريكي " ترومان " في الثامن من أيار/ مايو 1945، بعد هزيمة ألمانيا، بأن علم الحرية يُرفرف في أوروبا لأنها تحررت من الظلم، لكن الشرق مازال يرضخ تحت نير الجيش الياباني، وعرض في اليوم ذاته على اليابان أن تعلن استسلامها، الأمر الذي قابلته اليابان بتصريح في التاسع من أيار/ مايو بأنها لن تتخلى عن أهدافها الحربية. وجاء ذلك على الرغم من أنها وقتئذ شعرت بتركها وحيدة بين الحلفاء المعتدين. هذا التصريح جاء بالرغم من استسلام ألمانيا وإعلان إيطاليا فسخ تحالفها مع اليابان في كانون الثاني/ يناير 1945.علاوة على ذلك كان ستالين قد أعرب في خريف عام 1943 أمام الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني تشرشِل عن استعداد الإتحاد السوفياتي للدخول في "حرب المحيط الهادي" بعد هزيمة ألمانيا، وفسخه "لميثاق الحياد" مع اليابان في الثالث من أيار/ مايو 1945.
طريق اليابان المسدود
لقد كان هذا القرار صدمة عنيفة لليابان لأنها كانت تأمل، من وراء الكواليس ودون دراية بالدبلوماسية السوفياتية من قبل، بالتوصل إلى تفاهم مع ستالين يتلخص في سلامة الأراضي في شمال البلاد ووساطة مأمولة من أجل السلام عن طريق الإتحاد السوفياتي وبالتالي شحن البترول لليابان. لكن سرعان ما تحطمت تلك التطلعات والمراهنات الساذجة للأبد وذلك بعد أن فسخ الإتحاد السوفياتي "معاهدة عدم الاعتداء" معها وإعلانه في الوقت نفسه الحرب على اليابان وذلك قبل أسبوع من هزيمة الأخيرة في شهر آب/أغسطس 1945. وكان اليأس الياباني جلياً في كل الجبهات فقد كانت الطائرات بعيدة المدى التابعة للسلاح الجوي الأمريكي تحلَق وتلقي القنابل فوق معظم المدن اليابانية دون أَية مقاومة تذكر. وفي 24 و25 من أيار/ مايو 1945 شهد سكان العاصمة طوكيو أكبر قصف جوي حتى ذلك الحين. حيث كانت في كل مرة 500 طائرة من طراز ب 29 تحلّّق فوق سماء العاصمة. ولقي زهاء مائة ألف شخص تقريبا من سكان العاصمة حتفهم جرَاء ذلك القصف المتواصل حتى شهر حزيران /يونيو وتشرد أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، كما دمرت نصف المدينة ولقد تم تدمير المدن الأخرى بغض النظر إن كانت فيها صناعات حربية أو لا.
الحاجة أم الاختراع
لم تجد القيادة العسكرية الحربية أي مخرج سوى الدعوة للقتال للذود عن تراب وطنها حتى آخر رمق، وكان هدف هذا النداء مواجهة رغبة اليابانيين في السلام التي كانت تتزايد يوما بعد يوم. فقد تم القيام بتدريبات على إطفاء الحرائق، إضافة إلى التدريب على القتال حتى برماح الخيزران في أوقات توقف القصف الجوي، حيث وجب استخدام كل ما يفيد كسلاح في القتال ضد الغزاة. بيدَ أن الحاجة تفاقمت في كل المجالات الأمر الذي حدى باليابانيين إلى اختراعات مدهشة ومثيرة. ففي آذار/ مارس 1945 نجح ضابط في قسم الأبحاث في استخراج البنزين من جذور أشجار الصنوبر، كما تم الحصول على وقود الطائرات من الكافور، إلى جانب اكتشاف صفائح البترول المصنوعة من الورق والخيزران، وطوَّرت القوات البحرية في تموز/ يوليو طائرة صاروخية بدون طيار إضافة إلى تصنيع مادة متفجرة من القطن القديم، عدى عن ذلك كله استطاعت اليابان في هذا العام تصنيع أضخم غواصة في العالم. وكانت هذه الغواصة قد أُوقفت وهي في طريقها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد استسلام اليابان غير المشروط، وكان على متنها ثلاث طائرات قاذفة للقنابل.
القنابل الذرّية
صرحت اليابان في 28 تموز/ يوليو بعدم مراعاة " اتفاقية بوتسدام" التي أبرمها الحلفاء. لكنها أُرغمت في النهاية على قبول الاستسلام دون قيد أو شرط وذلك بعدما ألقت الولايات المتحدة في السادس والتاسع من آب/أغسطس 1945 قنابل ذرية على كل من هيروشيما وناغازاكي. وكان الهدف من ااستخدام هذه القنابل تحطيم إرادة اليابان من الاستمرار في الحرب والحد من الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأمريكي. نتائج هذه الحرب انعكست على المواطنين اليابانيين إضافة إلى سكان جنوب شرق آسيا بالشعور الإيجابي في رفض أي نوع من الحروب على الرغم من تساؤل الكثيرين منهم والذين لا زالت آثار الإشعاعات تلاحقهم: "لماذا توجب على الناس الأبرياء الموت بهذا العدد الهائل بسبب استخدام هذه القنابل الجديدة؟" ويبذل أولئك الناجون بعد مرور ستين عاماً على نهاية الحرب كل جهدهم من أجل السلام العالمي وفي سبيل عالم خال من الأسلحة النووية وعالم لاتنشب فيه الحرب أبداً.
شينغو يوشيدا/ ترجمة سمير مطر