انهيار الليرة قد يهوي بسلطان أنقرة!
٢٦ مايو ٢٠١٨كان استقرار الليرة التركية وقوتها من أهم إنجازات "الحقبة الأردوغانية" التي شهدت حتى عام 2012 طفرة اقتصادية أطلق عليها الكثيرون "المعجزة الاقتصادية التركية". وشكل هذا الاستقرار إلى جانب معدلات النمو الاقتصادي العالية بنسب زادت أحيانا على 7 بالمائة سنويا عامل جذب أساسي للاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على البورصة والسياحة وقطاعات أخرى. ولهذا كان الرئيس أردوغان يحرص دائما على التباهي بهذا الانجاز الذي ساعده على الفوز بمنصبي رئيس الحكومة ورئاسة الجمهورية أكثر من مرة.
غير أن الرئيس أردوغان يبدو في حملته الانتخابية الحالية محروم من هذا التباهي وغير قادر على وقف تدهورها المستمر بمعدلات عالية خلال فترة وجيزة. ففي غضون أقل من 5 أشهر، أي منذ بداية العام الجاري فقدت الليرة التركية أكثر من خمس قيمتها، أي نحو 23 بالمائة من هذه القيمة أمام الدولار الأمريكي. وتعد هذه واحدة من أعلى النسب العالمية في تراجع قيمة العملات خلال الفترة المذكورة. وبهذا الانخفاض وصل سعر الدولار إلى خمس ليرات تركية مع العلم أن سعره نصف هذه القيمة في عام 2015.
ضغوط متزايدة تهدد الشركات والبنوك
يعرّض تدهور الليرة بهذا الشكل السريع والمرعب للكثيرين الشركات والبنوك التركية التي تعتمد على القروض لضغوط متزايدة يصعب تحمّلها. ويعود السبب في ذلك إلى نسبة التضخم العالية التي ترفع الأسعار بشكل غير منضبط وتزيد من حاجتها لمزيد من الليرات لاستيراد مستلزماتها بالدولار والوفاء بأقساط ديونها بالعملة الأمريكية كذلك. وتنيف قيمة القروض المترتبة على البنوك التركية بالدولار الأمريكي لوحدها على 600 مليار دولار حسب تقدير أكثر من مصدر مثل بنوك التسويات والمعاملات الدولية في سويسرا/ BIS. أما الشركات التركية فتقدر قيمة ديونها بنحو نصف هذا المبلغ. وهو الأمر الذي يجعل الكثير منها تخشى الإفلاس في حل فشلها في إعادة جدولة ديونها أملا في أيام قادمة أفضل.
أردوغان يهدد استقلالية السياسة النقدية
مع اقتراب موعد الانتخابات التركية في 24 حزيران/ يونيو القادم 2018 يكرر الرئيس أردوغان تدخله في السياسة النقدية للبنك المركزي التركي رافضا توجه الأخير إلى رفع أسعار الفائدة من أجل كبح جماح التضخم الناشئ عن تدهور سعر الليرة. غير أن البنك وعلى خلاف رغبة أردوغان لجأ إلى رفع سعر الفائدة من 13.5 إلى 16.5 بالمائة قبل أيام عندما وصل سعر الدولار خمس ليرات. وهذه هي المرة الثالثة التي يتدخل فيها لرفع سعر الفائدة بهدف وقف التدهور. في هذه الأثناء يدعو عدد من الخبراء المستقلين القائمين على السياسة النقدية إلى مزيد من الجرأة من خلال رفع الفائدة إلى أكثر من 20 بالمائة بهدف تجنب أزمة اقتصادية يصعب السيطرة عليها. غير أن السلطات النقدية تبدو خائفة من ردود فعل غير محسوبة من قبل الرئيس الذي يرفض سياسة رفع الفوائد معتبرا إياها "أساس الشرور". ويزيد من الخوف على استقلالية البنك المركزي تصريحات أردوغان بنيته إعطاء الشأن المالي المزيد من الاهتمام في فترة حكمه القادمة مع أن تدخله زاد من زعزعة الثقة بالسوق المالية التركية خلال الأشهر الماضية.
المشكلة أضحت أبعد من حدود تركيا
تقول المعطيات المتوفرة حتى بداية السنة الجارية أن الاقتصاد التركي شهد معدلات نمو عالية خلال النصف الثاني من عام 2017 زادت على 7 بالمائة. غير أن نسب التضخم العالية ومعدلات البطالة التي تصل إلى نحو 20 بالمائة في صفوف الشباب قللت من أهمية هذا النمو وافقدته زخمه. ومن المؤثرات الشديدة السلبية عليه اعتماده بشكل كبير للغاية في تمويل فترة الازهار أيضا على القروض والاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على البلاد طمعا بالعوائد العالية. غير أن أساليب الرئيس أردوغان الاستبدادية وزجه لمعارضيه في السجون والتضييق على الحريات العامة زعزت الثقة بالنظام السياسي التركي.
وزاد من ذلك انخراط حكومات أردوغان في أزمات منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها الأزمة السورية بشكل ساعد على تقويض الاستقرار في كثيرمن دول المنطقة بما في ذلك تركيا نفسها. وبما أن ازدهار الاقتصاد وتدفق الاستثمارات الاجنبية مرتبط بالاستقرار السياسي، فإن هذه الاستثمارات بدأت بمغادرة تركيا منذ سنوات تاركة ورائها ثغرة بعشرات المليارات من الدولارات لا يمكن للقوة الاقتصادية الذاتية التركية سدها على عكس ما يؤكده أردوغان الذي يرى بأن الأزمة مؤقتة وأن وراء تدهور الليرة احتكارات ومضاربات يقوم بها أعداء تركيا في الأسواق المالية العالمية.
أيام عصيبة أمام الاقتصاد التركي
ويعزز من توجه هجرة رؤوس الأموال هذه توجه المستثمرين من الأسواق الناشئة كالسوق التركية إلى السوق الأمريكية على ضوء تعافي الاقتصاد الأمريكي وارتفاع سعر الدولار والعوائد عليه إيداعاته وعلى السندات الأمريكية. وعلى ضوء ذلك يبدو الاقتصاد التركي مقبلاً على مزيد من المصاعب والمتاعب إذا أخذنا بعين الاعتبار استمرار عزوف الاستثمارات الاجنبية وارتفاع أسعار الطاقة التي تستوردها تركيا لسد احتياجاتها بشكل شبه كامل. وهو الأمر الذي يزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري الذي يصل إلى أكثر من 37 بالمائة. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تبعات منها فقدان أردوغان لجزء من شعبيته بشكل قد يحرمه من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان القادم. ومما يعنيه ذلك احتمال خسارته السلطة التي ثبت أقدامه فيها بفضل استقرار العملة الذي ساعد على نهضة اقتصادية لم تعرفها تركيا في تاريخها خلال سنوات حكمه الأولى التي شهدات انفتاحا على العالم العربي ووسط آسيا وانفراجا سياسيا قويا مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والجيران.