باسم يوسف يلهم فنانا موريتانيا لتأسيس كوميديا جديدة
٩ سبتمبر ٢٠١٤لم يتعود المجتمع الموريتاني منذ أن تعرف على الكوميديا، سوى على نمط محدد من التمثيل، وهو أن يلجأ الفنان الكوميدي إلى أسلوب إضحاك الجمهور من خلال تأدية حركات بهلوانية واستعراضات تهدف إلى السخرية من الفنان نفسه. ولهذا ارتبط التمثيل بثقافة الضحك فقط دون النظر إلى الهدف المنشود من الدراما نفسها، وهو تغيير العقليات والسلوكيات. ولهذا ظلت رسالة الفنان تقتصر على تحقيق ما ينتظره الجمهور منه، وظلت عقلية المجتمع تتحكم في تحديد مكانة الفنان داخل السياق السوسيو- ثقافي. وبالتالي ظل هذا الأخير مجرد مؤد لأدوار تخضع لأهواء ورغبات الجمهور.
سطوة المجتمع وتقاليده أدت إلى تصنيف كل من يمارس الفن سواء أكان موسيقيا أو مغنيا أو ممثلا، في أسفل سلم الترتيب الاجتماعي بما يترتب على ذلك من دونية وحرمان وسخرية أحيانا. لكن هذه النظرة لم تمنع الفنان الكوميدي الشاب لمرابط ولد الزين من اقتحام عالم الفن الكوميدي متمردا على التقاليد الاجتماعية، بالاعتماد على مواهبه الفنية في نحت أسلوبه الخاص في تقديم نموذج كوميدي جديد قلب الموازين السائدة، وهو ما يلخصه لـ DWعربية بقوله "لقد فكرت فى كسر القاعدة المعروفة لدى الموريتانيين، وحاولت أن أثبت أن الكوميدي لا ينبغي أن يستمر في لعب نفس الأدوار التي كانت سائدة في التسعينات. بل يمكنه أن يختلف كثيرا في طريقة الأداء وآليات مخاطبة الجمهور".
ويسعى لمرابط إلى استغلال شغف الموريتانيين بالضحك على الآخر، وجعله وسيلة تستهدف المواطن نفسه بدل شخص الكوميدي، كما لو أنه يريد أن يعيد التسديدة إلى راميها .ويشرح ذلك " نحن مجتمع يستهلك النكتة، وأي رسالة تمر عن طريقها تصل في أسرع وقت. لهذا قررت أن أكسر الصورة النمطية التي ترى في الكوميدي مجرد شخص يلبس زيا تنكريا ويستخدم ملامح وجهه وجسده في تعابير مختلفة، بل يمكنه تأدية دوره وهو في هيئة عادية تماما وفي لباس مألوف".
ويبرر لمرابط وجهة نظره استنادا إلى فهمه الخاص لرسالة الفن عموما والفنان الكوميدي خصوصا. فهو بالنسبة إليه شخص يجعلك تضحك بمرارة على واقع معين "فأنا كفنان أحمل رسالة لتغيير واقع سيئ أتقاسمه معك أيها المتلقي، ولذا أريدك أن تكون على وعي برغبتى في تغييرها من خلال التمثيل".
مواجهة التحدي الاجتماعي
تجربة الفنان الثلاثيني لمرابط ولد الزين بدأت مع الكوميديا منذ عدة سنوات. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة قدم عروضا كوميدية بثت على شاشات بعض القنوات المحلية. ولكن تجربته الراهنة التي تحمل عنوان(خدمة العللاء: وتعنى باللهجة المحلية خدمة المغفلين) اختار أن يوصلها للجمهور عن طريق موقع يوتيوب وشبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك. وقد نجح في ذلك، حيث أصبح لديه عشرات آلاف المعجبين لموقعه، وهو رقم قياسي، وأصبح ثاني أكثر موقع موريتاني تنال هذا القدر من الاعجاب.
وقد ساهم العنوان نفسه في لفت الانتباه إلى السخرية المبطنة من شركات الاتصال التي تتواصل مع المواطنين عن طريق خدمة العملاء. وهي الخدمة التي تتلقى طلبات المواطنين على مدار الساعة، مع التلميح إلى ما تتهم به تلك الشركات من استغلال جيوب المواطنين .
وللحديث حول التجربة الكوميدية للفنان لمرابط وتقدير مدى نجاحها في تغيير السلوكيات، يعترف بأن التغيير مازال نسبيا لحد الآن، وإن كان ثمة تحسن. والسبب يكمن في نظرة المجتمع للفنان باعتباره مهرجا وغير جدير بالاحترام. ومن هنا يكمن التحدي الحقيقي، ولهذا يعتبر ما يقوم به حاليا هو "مجرد تهيئة التربة لأجيال لاحقة ستكسر الكثير من التابوهات". وهو ما يعتبره اعترافا منه بعدم القدرة على تجاوز الخطوط الحمراء خوفا من مواجهة مجتمع محافظ ووجود رقيب سياسي يقظ. كما يتحدث عن وجود قيود وشروط شركات الانتاج ومؤسسات التسويق والعرض.
كل هذه المعوقات يطمح لمرابط ولد الزين إلى كسرها من خلال الفن، بالإضافة إلى بعض سلوكيات البداوة ورفض الآخر ومنع الحديث عن الجنس أو الدين، وهي مسائل تعتبر جزءا من حياة وثقافة المجتمع ويجب الحديث عنها، يقول لمرابط، ويضيف "هذا الواقع أفق مغلق نعمل بكل ما أوتينا من إرادة كي تصل الفكرة بدقة واحترافية. وقد أردت أن تكون النكتة التي نسعى لتوظيفها قصيرة ومسددة بإحكام"
أما الجمهور الذي يخاطبه بشكل مباشر، فهو فئة الشباب، القوة الاجتماعية الأكثر حضورا في الساحة الموريتانية من حيث العدد و الوعي والثقافة، لكنه لا يغفل عن مخاطبة الفئات العمرية الأخرى.
أمل في التغيير ونجاح نسبي
ويتحدث الفنان الكوميدي لمرابط عن تأثره بتجربة برنامج الاعلامي المصري باسم يوسف، الذي يعتبره أكبر الكوميديين حاليا.
ويقول في هذا السباق "أنا متأثر جدا بتجربة باسم يوسف، وقد تابعت كل حلقات برنامجه منذ أن كانت تعرض على اليوتيوب فقط وحتى بعد أن تم عرضها على التلفزيون. أشعر بأنه ملهمى في عملى الفني الساخر".
تجربة "خدمة العللاء" استطاعت أن تحظى باهتمام العديد من المتابعين، وخاصة الشباب الطامحين للتغيير بعيدا عن الوسائل السياسية التي يرى بعضهم أنها عاجزة عن مخاطبة كل العقليات بشكل مباشر.
ويقول الحسن محمد عمر مؤسس مدونة الرأي الحر "لاشك أن تجربة الفنان الكوميدي لمرابط فريدة وتمهد الطريق لتجارب ـخرى ممثالة. ولكن الفن الكوميدي في موريتانيا لم يستطع لحد الآن اقناع المتلقى بتغيير سلوكياته، والسبب يعود إلى تدنى مستوى الوعي لديه. فهو مازال يتابع المشاهد الكوميدية بحثا عما يضحكه فقط، دون فهم الهدف من الرسالة الفنية ".
لكن الجهل الذي يرى الحسين محمد عمر أنه يمثل عائقا أمام فهم الرسالة الفنية، يعتبره الصحفي الشاب أبوبكر ولد تورو سببا في سرعة تأثيره على المجتمع، ويقول "في موريتانيا نجحت الكوميديا في معالجة العديد من الأمراض الاجتماعية، بحكم طبيعة المجتمع الموريتاني الذي لم يصل لمستو كبير من النضج، يسمح له بفهم الرسائل الإعلامية الأحرى مثل الكاريكاتير. فالكوميديا قادرة على التأثير على المجتمع،لأنها تفرض نفسها على المتلقي بما تمتلكه من خاصيتي الامتاع والإفادة".
ويؤكد كباد ولد عبد الرحمن، باحث في التاريخ المعاصر، أن البرامج الكوميدية "قد أثرت بالفعل على عقلية المواطن الموريتاني خلال السنوات الأخيرة. لكن دائرة ذلك التأثير يمكن أن تتسع من خلال إدراج اللغات الوطنية الأخرى في التخاطب مع الجمهور، بدل الاقتصار على اللغة العربية وحدها".