بعد ترحيل "سامي أ" إلى تونس..هل الشروط متوفرة لمحاكمة عادلة؟
١٨ يوليو ٢٠١٨يوم الجمعة الماضي (13 يوليو/ تموز) تمّ ترحيل "سامي أ." الذي يشتبه بكونه الحارس الشخصي السابق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى بلده الأصلي تونس عبر طائرة أقلعت من مطار دوسلدورف (غرب) متجهة إلى مطار العاصمة التونسية.
وتصنف السلطات الأمنية الألمانية "سامي أ." على أنه من "العناصر الخطرة". كما جرت محاولات عدة طيلة السنوات الأخيرة لترحيله إلى موطنه الأصلي، لكن جميعها اصطدمت بقرارات من محاكم منعت الترحيل لعدم وجود ضمانات لعدم تعرضه للتعذيب في بلده في حال ترحيله.
هذا يسري أيضا على مضمون آخر قرار صادر، هذه المرة، عن المحكمة الإدارية بمدينة غلزنكيرشن (غرب)، وذلك قبل يوم واحد فقط من ترحيله. بيد أن هذا القرار لم يتم التبليغ عنه إلا عندما كان "سامي أ." في الجو بالفعل، وفق السلطات التي نفذت الترحيل.
وعقب وصوله إلى تونس، أمرت المحكمة بإعادته مشددة بأن الترحيل ينتهك مبادئ دستورية أساسية. وهكذا تحولت قضية التونسي "سامي أ." إلى معضلة قانونية حول أسس دولة القانون، إذ يشتبه مبدئيا في أن السلطات التنفيذية لم تلتزم بقرار السلطة القضائية.
"لقد تمّ اختطافي!"
في المقابل، توالت التصريحات الرسمية المدافعة عن عملية الترحيل. ومن أبرز المصرحين وزير شؤون اللاجئين بولاية شمال الراين- فيستفاليا يواخيم شتامب، حيث كان يقطن التونسي المتشدد. وشدد المسؤول على أنه لم يتم عرض قرار المحكمة الإدارية الذي يعارض الترحيل "في وقت رحلة الترحيل"، مضيفا: "لو كان هذا القرار متوفرا، لصرفنا النظر عن الترحيل". ولم يخف الوزير أن ديوانه يعتزم الطعن في قرار المحكمة القاضي بضرورة إعادة "سامي أ." إلى ألمانيا.
في المقابل، نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار تقريرا الثلاثاء تضمن حوارا أجرته مع المواطن التونسي عبر محاميه في ألمانيا سامي المخلوف. ونقلت الصحيفة عن "سامي أ." قوله: "لقد تمّ اختطافي من ألمانيا. في الساعة الثالثة صباحا أخذوني معهم هكذا وبكل بساطة. وأنا قلت للشرطة: هذا غير قانوني، فالمحكمة منعت ترحيلي. وكان الجواب أن قالوا لي إنه قرار صادر من جهات عليا ولا يمكننا عمل أي شيء".
وفي هذا الحوار نفى "سامي أ." مجددا بأنه كان يوما ما الحارس الشخصي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في المقابل تتحدث الأجهزة الأمنية عن دلائل دامغة حول صلة الأخير بتنظيم القاعدة إضافة إلى صلته بأوساط إسلاموية في ألمانيا.
تونس "الجهة المسؤولة"
وفي تونس، استبق الجهاز القضائي أي تحرك ألماني يسعى إلى إعادة المُرحل إلى ألمانيا، وذلك عبر التأكيد على أنها وجهازها القضائي أصبحا الجهة "المسؤولة" عن الواقعة في الوقت الراهن. ويخضع "سامي أ." للتحقيق داخل القطب القضائي لمكافحة الإرهاب. وهو جهاز يتبع وزارة العدل ومتخصص في التحقيق في قضايا الإرهاب.
وكان المشتبه به مدرجا على لائحة التفتيش من قبل السلطات التونسية حتى قبل ترحيله إلى بلاده، وفق ما ذكره المتحدث باسم الادعاء العام التونسي سفيان سليتي لوكالة الأنباء الألمانية (د ب.أ)، مشيرا إلى وجود معلومات "تفيد بتورطه في أنشطة متطرفة بألمانيا" إلى جانب حصوله على "تدريب عسكري في أفغانستان". ويجيز القضاء التونسي التحقيق في قضايا الإرهاب حتى وإن كانت وقائعها قد سجلت بالخارج.
وتحظى القضية باهتمام كبير من قبل المنظمات الحقوقية التونسية التي تتابع بـ"استغراب"، طريقة الترحيل من ألمانيا، وفق ما يقول المنذر الشارني الكاتب العام للمنظمة التونسية لمكافحة التعذيب. ويضيف الشارني في حوار مع DW عربية، أنه من الصعب تصديق رواية المسؤولين الألمان في "تأخر" وصول القرار القضائي، بقدر ما أن الأمر يتعلق بـ"تغليب الرغبة السياسية على منطق دولة القانون وحقوق الإنسان، في بلد مثل ألمانيا"، وذلك عبر "تجاهل مآلات قضية مطروحة أمام القضاء".
ضمانات المحاكمة العادلة
فعليا، تمت عملية الترحيل، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول المصير الحالي للمشتبه به خاصة وأن المحكمة الإدارية بمدينة غلزنكيرشن الألمانية حذرت من إمكانية تعرض "سامي أ." إلى التعذيب عند ترحيله. حول ذلك يرد المنذر الشارني بأنه وفي تونس "حتى وإن لم تسجل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة، إلا أنه يجب الإقرار بأن شروط المحاكمة العادلة خاصة في قضايا مكافحة الإرهاب غير متوفرة".
وتجمع المنظمات الحقوقية التونسية على أن ألمانيا كانت المكان الأنسب للتحقيق مع "سامي أ." لأن جهازها القضائي أكثر نزاهة مقارنة بالقضاء التونسي. ولا "يعني ذلك أبدا عدم وجود ضمانات لمحاكمات عادلة في تونس، لكنها أقل مقارنة بألمانيا" يوضح الشارني لـ DW عربية.
ويشدد في هذا الاتجاه الكاتب العام للمنظمة التونسية لمكافحة التعذيب على "تأثر" القرارات القضائية في بعض الأحيان بالمناخ السياسي، خاصة في ما يتعلق بقضايا الإرهاب، مشيرا إلى وجود العديد من الأمثلة عن "أشخاص تمّ اعتقالهم لفترات طويلة قبل الإفراج عنهم" دون التوصل إلى أي أدلة ضدهم.
وتتواجد تونس حاليا في مرحلة انتقالية منذ الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وشهدت الدساتير التونسية عدد من الإصلاحات التشريعية، غير أن المنظمات الحقوقية ما زالت تعتبر هذه الإصلاحات غير كافية بحكم أن الممارسات داخل أجهزة الشرطة والقضاء، إضافة إلى باقي مؤسسات الدولة لا تزال على عهدها القديم.
وفي هذا الإطار كشفت منظمة العفو الدولية عن "حالات تعذيب وتجاوزات مورست بحق سجناء، خاصة خلال فترة التحقيقات"، مستندة في ذلك على شهادات هيئات الدفاع. في المقابل أحصت "المنظمة التونسية لمكافحة التعذيب" 80 حالة تمّ فيها تسجيل تجاوزات صارخة ضد الحرمة الجسدية للمعتقلين، خاصة من قبل أجهزة الشرطة وداخل المؤسسات السجنية، ومع ذلك يرفض المنذر الشارني الحديث عن تجاوزات" ممنهجة" ولكنه يقول إنها "قائمة".