تحديات أمنية قد تعصف بتجربة الانتقال الديمقراطي الفتيَة في ليبيا
١٩ أكتوبر ٢٠١٣زاد التوتر الأمني في ليبيا بعد خطف أبو أنس الليبي، المشتبه بأنه قيادي في تنظيم القاعدة، من قبل قوة خاصة أمريكية واختطاف رئيس الوزراء لمدة 8 ساعات، وتلقي التداعيات الأمنية والسياسية للحادثين بظلال من الهموم والخوف على المواطن الليبي الذي باتت نظرته حول مستقبل بلاده أكثر قتامة، بعد عامين من الثورة التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وتهيمن الانقسامات في أوساط الطبقة السياسية إزاء الأحداث الأمنية المتلاحقة، فبينما تحمل أحزاب المعارضة الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع، اعتبر رئيس الوزراء علي زيدان بأن عملية خطفه هي اختطاف للشرعية وقال "هناك فئة في المؤتمر الوطني العام همها من بداية الحكومة من أول يوم هو إسقاط هذه الحكومة وهي فئة في المؤتمر وهذا ما سعوا اليه من أول يوم ولقد قلت مراراً وتكراراً ان الحكومة مستعدة أن تترك هذا الأمر ولكن بالوسائل الشرعية وبالوسائل الموضوعية".
الاستقرار يمر عبر إصلاح الشرطة والجيش
وبرأي المحلل العسكري الضاوي أبو راس فان إصلاح الوضع الامني في البلاد "وضع خطة متكاملة لإعادة تنظيم الجيش, وتشغيل الجيش بهذه الطريقة التي تجري الآن لا يمكن ما لم توضع خطة من ضباط ذوي خبرة ليست لهم مصلحة في حزب ولا في الخدمة العسكرية", ودعا أبو راس في حوار مع DW إلى "إبعاد الجيش عن التدخل في الشؤون السياسية ولا في النزاعات الداخلية الحزبية أو بين المناطق, والتركيز على أن يكون الجيش هو الحامي للوطن". وأوضح الضاوي بأنه " اذا زُج بالجيش في النزاعات فإنه سينظر اليه من قبل البعض على أنه عدو للشعب أو خادما للشعب".
ويبدو أن عملية اختطاق القيادي القاعدي أبو أنس الليبي من قبل قوات خاصة أميركية، لم يزد سوى الطين بلة في الحالة السياسية بالبلاد. ففي حين تبدو العملية ضربة أمنية موجعة للجماعات المسلحة والميليشيات التي اتسع نفوذها في ليبيا بعد سقوط نظام العقيد القذافي، أظهرت هذه العملية الدولة الليبية، برأي عدد من الخبراء، بمظهر الدولة الفاشلة.
ويعتقد العقيد في الشرطة جمعة المشري "المفروض ان يرفض زيدان وبشده القبض علي أي ليبي, وليبيا هي من تتولي القبض عليه ومحاكمته في المحاكم الليبية, وعلى أمريكا أن تقدم الاتهامات ونحن في ليبيا نحاكمه".
وحول تصوره للسبيل الذي يساعد الليبيين على الخروج من نفق العنف والاضطرابات التي دخلت فيها البلاد، يرى هاشم بشر رئيس اللجنة الأمنية العليا المؤقتة بمدينة طرابلس والتابعة لوزارة الداخلية في حوار مع DWأنه "لا يوجد حل إلا بعث الشرطة الأصيلة وإدارات الشرطة, ولا يمكن الاستغناء عن الأشخاص الذين اشتغلوا مع القذافي, ولا بد من الاستعانة بأقل المتورطين ويستدعي تشكيل لجنة نزاهة للجيش والشرطة, والاستفادة من الخبراء الضباط كمستشارين وخبراء في العمل الأمني".
وأعرب بشر عن اعتقاده بوجود "طرف سياسي يضعف الملف الامني في ليبيا لكي يقدم نفسه كحل في البلاد, هي يد خفيه لإضعاف الملف الامني" يقول المسؤول الأمني الليبي، دون يحدد تلك الجهة بدقة. ولحل المشكلات المستعصية في البلاد، طالب بشر بإجراء وطني و"دمج الثوار الحقيقيين في الجيش والشرطة وتفعيل جهاز المخابرات العامة وإعطائه صفة مأمور الضبط القضائي" , معتبرا أن نهج هذا المسلك يمكن أن يؤدي إلى تحسن الوضع الأمني في البلاد في أفق ستة أشهر.
ويؤدي استمرار الانقسام السياسي حول دور جماعات الثوار الذين ساهموا في إسقاط نظام القذافي، في شل مؤسسات الدولة وإضعاف قدرة الجيش والشرطة على استعادة زمام المبادرة، ولاسيما في ظل نفوذ عدة ميليشيات وجماعات مسلحة في مناطق عديدة من البلاد.
هل تستطيع الدولة استعادة هيبتها؟
لكن الرؤية لدى الطبقة السياسية وحتى الحقوقيين في البلاد تبدو غير واضحة، فإعادة بناء مؤسسات الدولة واحداث مؤسسات أخرى لم تكن موجودة في ظل النظام السابق ، يتطلب وقتا برأي عدد من الخبراء والسيايين.
المحامية وعضو المجلس الوطني الانتقالي السابق انتصار مبارك العقيلي تقول في حوار مع DW: "تحتاج وقتا, لأنه لا وجود لقوة تأتمر بأوامر السلطتين( الحكومة المؤقتة والمؤتمر الوطني العام )" ، وأضافت العقيلي أن رهان الحكومة على تحقيق الاستقرار عبر مؤسسات الجيش والشرطة وحدها، أمر غير كاف، وتقول الحقوقية الليبية "لو عملت السلطة على إنشاء قوة مجتمعية بعيدة عن مؤسستي الجيش والشرطة فستستطيع إلى حد ما السيطرة وبسط النفوذ".
ولا يخفي الناشط الحقوقي عبد المنعم الحر الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ليبيا وممثل المجلس الوطني الانتقالي الليبي في مصر، قلقه إزاء اضطراب الحالة السياسية والأمنية في ليبيا، ويقول في حوار مع DW"سنبقي تائهين مابين خصوصية الأمة الليبية الإسلامية ومابين الحقوق الكونية, وما نحن فيه فوضى خلاقة".
وبرأي الحر فان "هناك ثلاثة ملفات تُعطى لها الأولوية بالخارجية الأمريكية في تعاملها مع دول العالم الثالث وهي الديمقراطية وملف حقوق الإنسان وملف الارهاب، ومهما فعلنا سنبقي تحت المطرقة والسندان وخاصة إن سلطتنا لا تعمل وفق استراتيجية تضع مصلحة الأمة الليبية فوق كل مصالح الدول الكبرى".