تحقيق.. الهجرة والمناخ في أجندات المرشحين لخلافة ميركل
٧ سبتمبر ٢٠٢١ألمانيا على موعد حاسم في السادس والعشرين من سبتمبر / أيلول المقبل، إذ ستجرى الانتخابات التشريعية والتي ستفضي إلى انتخاب برلمان اتحادي جديد. وبعد الانتخابات ستغادر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل منصبها بعد 16 عاما في سدة الحكم، وسيتم اختيار مستشار جديد. وقد طرحت الأحزاب الثلاثة الرئيسية مرشحين لخلافة ميركل في منصبها
رشح حزب ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ورديفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي، أرمين لاشيت رئيس وزراء ولاية شمال الراين-ويستفاليا التي تعد أكبر الولايات الألمانية من حيث التعداد السكاني. أما حزب الخضر فقد رشح أنالينا بيربوك الخبيرة في القانون الدولي والبالغة من العمر 40 عاما، ويحظى الخضر بفرص حقيقية لأول مرة. أما الحزب الاشتراكي الديموقراطي فقد وزير المالية أولاف شولتس.
وتشير آخر الاستطلاعات (نشر الثلاثاء 24 أغسطس/آب) إلى تصدّر الحزب الاشتراكي الديموقراطي للمرة الأولى نوايا التصويت (23 بالمئة)، متقدما نقطتين على المحافظين بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل (22 بالمئة)، فيما حصل الخضر على 18 بالمئة من نوايا التصويت.
بماذا توحي سجلات التصويت؟
توفر سجلات التصويت داخل البرلمان الألماني (البوندستاغ) نظرة عامة حيال كيفية قيام الأحزاب الحاكمة بالوفاء بوعودها وكذلك، مواقف أحزاب المعارضة السياسية.
في ألمانيا، تدخل الأحزاب في ائتلاف أغلبية يصوت بالإجماع داخل البرلمان، وبالتالي تحظى المقترحات التي يقدمها هذا الائتلاف بالموافقة بشكل عام. وفيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، ينتظر المراقبون ما ستسفر عنه من تحالفات.
وكانت ميركل قد نجحت خلال معظم فترات توليها منصب المستشارية في قيادة ائتلاف كبيريضم الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وشقيقه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، فيما بقي حزب الخضر، وكذلك الحزب الليبرالي، وحزب اليسار، وحزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي في المعارضة.
لكن وفي ضوء المتغيرات حيال الانتخابات المقبلة، يمكن طرح عددا من الأسئلة أبرزها: ماذا لو أصبح الحزب الاشتراكي في مقعد المعارضة بعد الانتخابات؟ وفي هذه الحالة سيصوت أعضاء الحزب في البرلمان بأصواتهم بشكل منفصل بعيدا عن المحافظين للمرة الأولى منذ عام 2013. كذلك ماذا لو انضم حزب الخضر إلى الائتلاف الحاكم؟ وفي هذه الحالة، سيتعين على الحزب الدخول في مقاربات سياسية وتقديم تنازلات مع الأحزاب المنضوية داخل الائتلاف الحاكم. لكن الزلزال السياسي قد يحصل لو خرج حزب ميركل إلى المعارضة.
وقبل أسابيع من إجراء الانتخابات، ما هو سجل كل المرشحين لخلافة ميركل داخل البوندستاغ؟ ما هي القرارات التي صوتو عليها أو التي رفضوا التصويت عليها؟ ماذا سيعني هذا فيما يتعلق بالمستشار الألماني الجديد؟ ومن أجل أيجاد صورة كاملة حيال ذلك، قامت DW بتقييم تصريحات وتصويتات كل مرشح من مرشحي الأحزب الأحزب تحت قبة البرلمان الألماني (بوندستاغ(.
أما فيما يتعلق بتطبيق وتنفيذ القضايا والمواقف السياسية للمرشحين الثلاثة، فإن هذا الأمر متروك جزئيا للبرلمان الاتحادي وأيضا برلمانات الولايات، حيث تجرى المناقشات السياسية ويتم التصويت على القوانين الجديدة.
ولرسم صورة أشمل حيال مواقف المرشحين الثلاثة داخل البوندستاغ، قامت DW بجمع كافة القرارات ومشاريع القوانين التي شارك في التصويت عليها المرشحون الثلاثة وأيضا ميركل وهي القرارات التي قامت بتسجيلها منظمة Abgeordnetenwatchغير الحكومية والمعنية بمراقبة العمل البرلماني الألماني والتي عمدت على تصنيف كل قرار بشكل يدوي وفقا لأهميته السياسية الداخلية والدولية.
وفيما يلى، سنكشف عن سجل ميركل والمرشحين الثلاثة المنافسين على خلافتها فيما يتعلق بالهجرة أو السياسات المتعلقة بالبيئة أو القرارات المتعلقة بالتعاون الأوروبي.
الموقف من قضية الهجرة واللجوء
حظي قرار ميركل بعدم إغلاق الحدود أمام اللاجئين العالقين في المجر عام 2015 باهتمام عالمي كبير. وبشكل عام، فإن سجل التصويت لميركل حيال قضايا الهجرة واللاجئين يعد مختلطا إلى حد ما، فعلى سبيل المثال، أقل من ربع أصواتها جاءت تأييدا لسياسة هجرة أكثر انفتاحا، فيما صوت ائتلافها الحاكم ضد وقف ترحيل اللاجئين السوريين، والذي تقدم به حزب الخضر في عام 2011. كذلك قدم ائتلاف ميركل مقترحا يرمي إلى تصنيف الجزائر والمغرب وتونس وجورجيا على أنها "بلدان منشأ آمنة" في عام 2019.
يشار إلى أن اللاجئين من الدول الآمنة يكون ترحيلهم من ألمانيا إلى بلدانهم الأصلية أسهل، كما أن البت بطلبات لجوئهم يكون أسرع.
ونظرا لأن حزب الحضر كان في مقعد المعارضة، فقد تقدم الحزب في الغالب باقتراحات تعتبرها الأحزاب الحاكمة متطرفة للغاية، من بين تلك المقترحات عدد من الطلبات ترمي إلى استقبال ألمانيا المزيد من اللاجئين وطالبي اللجوء.
ففي مارس / آذار العام الماضي، تقدم حزب الخضر بمقترح لاستقبال قرابة 5 آلاف شخص ممن كانوا يعيشون في المخيمات اليونانية المكتظة باللاجئين والمهاجرين. وفي جميع الحالات تقريبا، صوتت بيربوك وحزبها لصالح سياسات تدعم الهجرة وأكثر انفتاحا نحو اللاجئين.
مناورات أمام الناخبين
وفي هذا الصدد، قال أولريش سيبرر- أستاذ العلوم السياسية في جامعة بامبيرغ- إن الحسابات السياسية تلعب دورا كبيرا في مثل هذه التصويتات. وأضاف "بنسبة 99 بالمائة، فإن هذه التصويتات تتمحور حول الصراع بين الحكومة والمعارضة"، مضيفا أن أحزاب المعارضة مثل الخضر يمكنها تقديم مقترحات لكن لن يكون لهذه المقترحات أي فرصة للفوز دون الحصول على دعم من الائتلاف الحاكم. ورغم ذلك، يمكن لهذه المقترحات أن تفي بالغرض، وفقا لما يؤكد عليه سيبرر.
وأضاف "من وجهة نظر المعارضة، فإن مثل هذه المقترحات تكون أداة لعرض مواقفها أمام أعين الناخبين وأيضا بهدف تشويه سمعة أو فضح الحكومة من خلال إجبارها أحيانا على رفض شيء شائع".
وفيما يتعلق بهذه الحنكة السياسية، يُعتبر حزب الاشتراكي الأكثر قدرة على التحلي بهذه الديناميكية إذ تعرض الحزب لبعض الاتهامات جراء التصويت ضد الأفكار المعلنة للائتلاف الحاكم الذي هو منضوي تحت لوائه.
وفي هذا السياق، قال سيبرر "في نهاية المطاف، يتحد الأحزاب معا للدفاع عن سياسة الحكومة، لكن في بعض الأحيان يجب قياس الأمر. لتبدأ على الفور معركة تفسير (المآلات السياسية)". ويوضح ذلك بقوله إن الأحزاب ربما تزعم أنها ترغب في تحقيق نتيجة مختلفة، لكنها اضطرت إلى تقديم تنازلات لشركائها في الائتلاف الحاكم.
وقد يكون حزب الخضر في هذا الموقف عقب الانتخابات، إذا ظل الحزب الاشتراكي في موقفه الحالي فمن المحتمل أن تسفر الانتخابات المقبلة عن ظهور ائتلاف يعرف بـ "أسود-أخضر" الذي قد يضم الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي وأيضا حزب الخضر.
ويرجع تسميه هذا الائتلاف بـ "أسود-أخضر" إلى الألوان المميزة للأحزاب المنضوية تحت لوائه، متمثلة في اللون الأسود الخاص بالتحالف المسيحي أما اللون الأخضر فيعود للحزب الخضر. بيد أنه في هذه الحالة، يصعب ترجيح من سيكون الحزب صاحب النفوذ الأكبر، وبالتالي من سيكون بمقدوره طرح مرشحه لتولي المستشارية.
وأيضا في هذه الحالة وباعتباره جزءا من الائتلاف الحاكم، سيتعين على حزب الخضر التصويت بشكل مختلف عنما كان عليه الحزب في سابق عهده عندما كان في مقعد المعارضة. وفي هذا الصدد، قال سيبرر "إنه في هذه الحالة، لن يقدم حزب الخضر سوى المقترحات، التي من المؤكد أنها ستحظى بدعم التحالف".
بيانات قليلة عن لاشين وشولتس
وعلى النقيض من ذلك، فإن مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت ومرشح الحزب الاشتراكي الديموقراطي أولاف شولتس يتمتعان بسجل تصويت ضعيف نسبيا داخل البرلمان فيما يتعلق بقضية الهجرة.
فعلى سبيل المثال، تحدث شولتس داعما لاستقبال المزيد من اللاجئين من مخيم "موريا" في جزيرة ليسبوس اليونانية بعد الحريق الذي نشب فيه عام 2020. أما خلال أزمة تدفق اللاجئين عامي 2015 و2016، فقد ناشد شولتس بالمزيد من التعاون بين بلدان الاتحاد الأوروبي وتسريع إجراءات طلبات اللجوء، لكنه في الوقت نفسه دعا أيضا إلى ضبط حدود الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر صرامة فضلا عن تسريع إجراءات الترحيل.
وفيما يتعلق بلاشيت، فلم يتم تسجيل سوى تصويتين بالاسم حول قضية الهجرة، وكلاهما طرحتهما أحزاب المعارضة في برلمان ولاية شمال الراين ـ ويستفاليا.
بيد أنه وبشكل عام، فإن لاشيت الذي تولى في السابق منصب وزير الاندماج في ولاية شمال الراين-ويستفاليا، يدعم بشكل كبير مجتمع متعدد الثقافات.
وفي عام 2015، دافع عن سياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجتها ميركل التي تعرضت على إثرها لانتقادات كبيرة في حينه. لكن مع ازدياد صرامة سياسة ميركل، ازدادت صرامة لاشيت.
دعم انتقائي للمهمات العسكرية الخارجية
تشارك ألمانيا في الوقت الحالي في 12 بعثة عسكرية حول العالم وتتم هذه المشاركة بقرار من الحكومة لكن يتعين الحصول على موافقة البرلمان في معظم الأحيان.
وانطلاقا من مقعد المعارضة، وافق حزب الخضر فقط على بعض هذه البعثات فعلى سبيل المثال صوتت بيربوك ضد المشاركة العسكرية الألمانية في عملية "حارس البحر" الخاصة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في البحر المتوسط. وصوتت بيربوك ضد مشاركة ألمانيا في المهام العسكرية بالعراق وسوريا، لكنها دعمت مشاركة بلادها في مهام عسكرية في شمال إفريقيا ولبنان.
المناخ.. نقطة قوة حزب الخضر
تعد قضية المناخ ركيزة أساسية لحزب الخضر، وخلال وجود بيربوك تحت قبة البوندستاغ، قدم حزب حزبها مرارا اقتراحات بشأن حماية البيئة مثل فرض حظر أساسي على التكسير الهيدروليكي التي يهدف إلى تسهيل التنقيب عن النفط والغاز بين الصخور العميقة، وكذلك دعا الحزب إلى وضع نهاية لاستخدام الفحم بحلول 2020.
بيد أن الكثير من مقترحات حزب الخضر لم تحظ بأي نجاح وكانت في المقام الأول ترمي إلى تقديمها على الساحة السياسية، وفقا لما ذكره أولريش سيبرر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بامبيرغ.
لكن اللافت أيضا أن حزب الخضر يدعم بشكل عام مقترحات الحكومة بشأن تعزيز سياسة المناخ والحفاظ على البيئة باستثناء التصويت الاحتجاجي ضد بعض المقترحات التي اعتبرها حزب الخضر غير كافية، وهو ما أدى إلى خفض سجل ميركل حيال قضايا المناخ.
وفي هذه النقطة، فإن ميركل وائتلافها الحاكم قد دعما أكثر من نصف المقترحات المعنية بالمناخ وحماية البيئة، إذ ساعدت الحكومة بزعامة ميركل إلى اتخاذ وتنفيذ بعض القرارات الخاصة بحماية البيئة في السنوات الأخيرة مثل قانون حماية المناخ الرامي إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حتى عام 2030، وكذلك زيادة الضرائب على شركات الطيران لمواجهة الاحتباس الحراري. بيد أن ميركل وحزبها صوتا لخفض الدعم المقدم لاستغلال الطاقة الشمسية.
وكما كان الوضع حيال قضايا الهجرة، فإن لاشيت وشولتس يتمتعان بسجل تصويت ضعيف نسبيا داخل البرلمان فيما يتعلق بقضايا المناخ، إذ أن كلاهما شارك في التصويت في قضايا داخلية في برلمان الولاية.
ففى خلال المرات القليلة للتصويت بالاسم بشأن قضايا البيئية، صوت لاشيت ضد المقترحات المتعلقة برعاية الحيوان وحماية البيئة. وخلال اللقاءات العامة، دائما ما يتردد لاشيت حيال دعمه سياسات المناخ.
ففي ولاية شمال الراين-ويستفاليا حيث يتولى منصب رئيس وزرائها، لا يزال الفحم يلعب دورا كبيرا، وربما يكون هذا السبب وراء تأكيد لاشيت على أهمية الأخذ في عين الاعتبار قضية الصناعة والاقتصاد عند الحديث عن حماية المناخ.
التعاون الأوروبي.. نقطة اتفاق
فيما يتعلق بعلاقات ألمانيا بالاتحاد الأوروبي فإن معظم المقترحات بشأن تعزيز التعاون مع دول التكتل الأوروبي تقدم بها الائتلاف الحاكم لذا فهي حظيت بالموافقة في الغالب.
وفي هذه القضية، قدم حزب الخضر عددا أقل من المقترحات الخاصة بتعزيز التعاون مع بلدان الاتحاد الأوروبي، لكن الحزب أعلن دعمه لأحزاب الائتلاف الحاكم فيما يتعلق بالمقترحات في هذا الصدد بداية من تقديم مساعدات مالية لليونان وحتى بدء محادثات انضمام ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2019، مرورا بالمشاركة في دعم الاتحاد الأوروبي في محاربة وباء كورونا العام الماضي.
ورغم وجوده في مقعد المعارضة، اتفق حزب الخضر بشكل مفاجئ في كثير من الأحيان مع الائتلاف الحاكم، وفقا لما أشار إليه سيبرر.
وأضاف "يبدو الأمر وكأن حزب الخضر يستعد لمشاركة محتملة في الحكومة في المستقبل. لأنه لا يمكن الاختلاف على كل شيء مع أشخاص قد تتقاسم معهم الحكم لاحقا".
كيرا شاخت / م ع